تطورات جديدة وهامة على صعيد العلاقات بين مصر وحركة حماس الفلسطينية ظهرت على الساحة السياسية خلال الأسابيع الأخيرة الماضية، نتج عنها خطوات حاسمة وجادة على طريق المصالحة بين حركتي المقاومة الفلسطينية "حماس" و"فتح"، الأمر الذي فتح الباب أمام تكهنات ومؤشرات تفاؤلية بتوقيع اتفاق مصالحة قريب ينهي حالة الانقسام السياسي التي تضرب المجتمع الفلسطيني منذ أكثر من 10 سنوات. بادرة حسن نية أعلنت حركة حماس، فجر اليوم الأحد، أنها حلّت حكومتها في قطاع غزة، والتي كان قد أسمتها "اللجنة الإدارية" وهي اللجنة التي تم تشكيلها في مارس الماضي، وأثارت غضب وامتعاض الحكومة المركزية في رام الله بقيادة رئيس الوزراء، رامي الحمد الله، واعتبرتها حينها مخالفة لاتفاق "الشاطئ" الذي بموجبه توصلت فتح وحماس لتشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة الحمد الله في 23 أبريل عام 2014، كما دعت حماس حكومة "رامي الحمد الله" ومقرها رام الله للقدوم إلى القطاع لممارسة مهامها، فيما أعلنت موافقتها على إجراء انتخابات عامة. وأوضحت الحركة في بيان لها، أنه "استجابة للجهود المصرية بقيادة جهاز المخابرات العامة تعلن حركة حماس: حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة، ودعوة حكومة الوفاق للقدوم إلى قطاع غزة لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فورًا، والموافقة على إجراء الانتخابات العامة"، كما أكد البيان "استعداد الحركة لتلبية الدعوة المصرية للحوار مع حركة فتح حول آليات تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 وملحقاتها، وتشكيل حكومة وحدة وطنية في إطار حوار تشارك فيه الفصائل الفلسطينية الموقعة على اتفاق 2011 كافة، وهو الاتفاق الذي توصلت إليه حماس وفتح وبقية الفصائل الفلسطينية برعاية مصرية، وينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وإجراء انتخابات للمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية. فتح ترحب رد حركة فتح لم يتأخر كثيرًا، حيث قال نائب رئيس الحركة محمود العالول، في أول تعليق على القرارات الحمساوية، إن ما يجري تداوله من أخبار بشأن قيام حماس بحل ما تسمى اللجنة الإدارية في قطاع غزة إيجابي ومُبشر، ودعا العالول إلى عدم التسرع في التعاطي مع هذه الأخبار قبل التأكد من صحتها، مشيرًا إلى أنه سيتم اليوم التواصل مع وفد حركة فتح في القاهرة لمعرفة التفاصيل، معربًا عن أمله بأن تكون هذه الأخبار دقيقة وصحيحة، وأضاف العالول أن الخطوة الأولى لاستعادة الوحدة الوطنية هي حل ما تسمى اللجنة الإدارية، وتسليم الأمور في قطاع غزة لحكومة الوفاق الوطني، ليتم بعد ذلك حل القضايا العالقة الأخرى، والتي جرى سابقًا وضع حلول لها كملف الموظفين والمعبر والمصالحة المجتمعية. في ذات الإطار، أكد مصدر فلسطيني شارك في لقاءات القاهرة، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، سيصدر مرسومًا لإلغاء كافة القرارات التي اتخذتها الحكومة ضد قطاع غزة، ومن بينها وقف التحويلات المالية إلى القطاع، وخفض رواتب موظفي السلطة في القطاع، والتوقف عن دفع ثمن الكهرباء التي تزود بها إسرائيل القطاع، وذلك كخطوة تلي الخطوة التي اتخذتها حماس وتمهيدًا لبدء حوار وطني. انطلاق المفاوضات بند "حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة" كانت قد وضعته حركة فتح كشرط أساسي وأولي لبدء أي مباحثات أو مفاوضات مصالحة، وهو ما نفذته حركة حماس، الأمر الذي دفع العديد من السياسيين إلى القول بأن الأيام القادمة من المفترض أن تشهد اجتماعات ومباحثات بين الحركتين لمناقشة سبل تطبيق المصالحة، خاصة أن الوفود الفتحاوية والحمساوية باتت تتوافد على القاهرة بشكل مستمر، حيث وصل أمس السبت وفد من حركة فتح برئاسة القيادي في حركة فتح عزام الأحمد، والتقى مسؤولين في القاهرة، فيما كان وفد لحركة حماس بقيادة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، قد وصل قبل أسبوع إلى القاهرة، وأجرى مباحثات مع رئيس المخابرات العامة خالد فوزي. وأكد مصدر مطلع على الحوارات في القاهرة أن مصر ستصدر بيانًا اليوم الأحد حول نتائج اللقاءات مع وفدي حركتي فتح وحماس المتواجدين في القاهرة، وإعلان البدء بحوار وطني لإنهاء الانقسام، وتحقيق مصالحة فلسطينية فلسطينية. هل تتحقق المصالحة الجادة؟ في مقابل هذه الأجواء المتفائلة، عبر بعض المتشائمين عن خيبه أملهم من توصل الحركتين إلى أي اتفاق، حيث رجح بعض المراقبين أن ترفع حركة فتح سقف مطالبها مجددًا لتشمل سلاح حركة حماس ووضع ذراعها العسكري على طاولة المفاوضات، وهو البند الذي لوحت الأخيرة به مرارًا وأكدت أنه لن يتم وضعه على طاولة المفاوضات نهائيًا، وترفض مجرد التلميح في هذا الموضوع، حيث تعتبره من ثوابتها الوطنية والقشة الأخيرة التي يتمسك بها الفلسطينيون في دحر الاحتلال. المؤشرات الحالية، تشير إلى أن حركة فتح غير جادة في التوصل إلى اتفاق، فعلى الرغم من اتخاذ حركة حماس حزمة من الخطوات المهمة في اتجاه المصالحة، وإرسالها وفدا سياسيا ذات ثقل إلى القاهرة لبدء مفاوضات جدية، فإن وفد حركة فتح كان دون المتوقع، حيث نأى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بنفسه عن حضور المفاوضات، على الرغم من توقع الكثيرين حضوره شخصيًا لتدشين المصالحة برعاية مصرية، لكن يبدو أن الرئيس عباس لديه حسابات أخرى واتصالات مع قوى إقليمية ودولية بعيدًا عن هذا الشأن. يرى البعض أن الحركتين تختلفان في الاستراتيجية تمامًا، الأمر الذي يجعل توافق المصالح السياسية والتقاءها في نقطة مشتركة أمرًا شبه مستحيل، حتى وإن تمت المصالحة على الورق وأمام وسائل الإعلام فإن مباديء كل حركة ستحكم على هذه المصالحة بالفشل الحتمي، وخير دليل هو فشل الحركتين في تنفيذ أي من بنود اتفاق القاهرة للعام 2005، أو اتفاق الأسرى للعام 2006، أو اتفاق مكة للعام 2007، أو الورقة المصرية في عام 2011، إضافة إلى اتفاق الدوحة في العام 2012.