في الوقت الذي تتراجع فيه الدبلوماسية العربية، تتقدم الدبلوماسية الإسرائيلية وعلى جميع الأصعدة، من أوروبا إلى إفريقيا إلى آسيا وأستراليا وحاليًا أمريكا واللاتينية، ويبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ماض في سياسة تحسين علاقاته مع جميع دول العالم، ليستطيع توظيفها فيما بعد بما يعود بالنفع على بلاده فيما يخض ملف القضية الفلسطينية، وبعض الملفات الإقليمية كالوضع في سوريا والعراق والعلاقة مع إيران. انطلق نتنياهو مساء الأحد الماضي في رحلة تستمر لمدة 10 أيام إلى الأرجنتينوكولومبياوالمكسيكوالولاياتالمتحدة في خضم ازدياد المشاكل القضائية التي يواجهها في الداخل، وتأتي أهمية الرحلة التي وصفتها تل أبيب بالتاريخية، كونها المرة الأولى التي يقوم فيها رئيس وزراء إسرائيلي في منصبه بزيارة أمريكا اللاتينية. وقال نتنياهو عن هدف الزيارة اللاتينية: "نسعى حاليا إلى تعزيز العلاقات مع أميركا اللاتينية فهي سوق ضخم"، وأشار إلى أن الأسرة الدولية تولي اهتماما أقل هذا العام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالمقارنة مع السابق. وتوجه نتنياهو يوم الإثنين الماضي والوفد المرافق له، والذي ضم وفدا من رجال الأعمال، إلى الأرجنتين، بعد رحلة استمرت لمدة 20 ساعة، بسبب توقفه في مدريد، حيث شارك نتنياهو في مراسم إحياء ذكرى الهجومين اللذين استهدفا يهودا محليين ودبلوماسيين صهاينة في بوينس آيرس في أوائل التسعينات، حيث تم تفجير مجمع السفارة الصهيونية، ما أسفر عن مقتل 29 شخصا، من بينهم إسرائيليون. ويبدو أن نتنياهو لم يضيع الوقت في الأرجنتين، حيث وقع سلسلة من الاتفاقيات في مجالات الأمن العام والجمارك والتأمين الاجتماعي بالإضافة إلى اتفاقية أرشيف حول المحرقة، وعقد نتنياهو مع الزعيم الأرجنتيني، ماوريسيو ماكري، مؤتمرًا صحفيًا مشتركا بهذا الخصوص، وانضما فيما بعد إلى رئيس البراغواي هوراسيو كارتيس، في وجبة غداء، قبل أن يحضر نتنياهو منتدى اقتصاديا لرجال أعمال أرجنتينيين وإسرائيليين. ويعيش في الأرجنتين أكبر عدد من اليهود في أميركا اللاتينية اذ يبلغ عددهم نحو 300 ألف. وفي صباح يوم الأربعاء الماضي، انطلق وفد نتنياهو من بوينس آيرس إلى بوغوتا في زيارة سريعة التقى خلالها بالرئيس الكولومبي، خوان مانويل سانتوس بالإضافة إلى التوقيع على اتفاقيات ثنائية في مجالي التعاون العلمي والسياحي، وقام بزيارة الجالية اليهودية المحلية. وتركزت زيارة نتنياهو على طرق مساعدة الكيان الصهيوني كولومبيا في إعادة بناء الدولة الأمريكية الجنوبية بعد 52 عاما من الحرب الأهلية، حيث تسعى إسرائيل إلى لعب دور مركزي في مساعدة كولومبيا العودة إلى قوتها، حوالي نصف عقد بعد انتهاء الحرب الأهلية الدامية في البلاد في اتفاق سلام تاريخي. استطاع نتنياهو أن توظيف هذه الزيارة القصيرة لخدمة مصالحه ضد فلسطين، فكلومبيا من الممكن أن تنحاز لإسرائيل في أي تصويت تابع للأمم المتحدة، صحيح أن كولومبيا في عام 2011 رفضت دعم طلب انضمام فلسطين إلى الأممالمتحدة في مجلس الأمن الدولي، لكنها كانت تتضامن مع فلسطين ولو في الحدود الدنيا، حيث أضاءت عام 2013 أطول برج فيها بألوان علم فلسطين إحياء للذكرى السنوية ال25 لإعلان الاستقلال الفلسطيني، وتأتي أهمية محاولة نتنياهو الدبلوماسية أن تتقاطع المصالح بين تل أبيب وكولومبيا بحيث يضمن انحيازها المطلق لإسرائيل، وهو الأمر الذي بدا واضحًا في إشادة الرئيس الكولومبي بإسرائيل، حيث قال عنها إنها "رائدة في الابتكار" وقال إن بلاده واحدة من الأسواق الناشئة الواعدة في أمريكا الجنوبية، كما أعرب سانتوس عن شكره لإسرائيل لدعمها محاولة الانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وفى تصريحات علنية في مجمع الرئاسة في العاصمة الكولومية بوغوتا، أشاد سانتوس بإسرائيل لتعاونها في تدريب الخبراء الكولومبيين في نزع فتيل الألغام الأرضية وهي مشكلة مميتة في البلاد نتيجة للحرب الأهلية المستمرة منذ عقود والتي انتهت بتوقيع اتفاق سلام بين البلدين العام الماضي. وتعد هذه ثاني زيارة لنتنياهو لكولومبيا، حيث زارها عندما كان السفير الإسرائيلي للأمم المتحدة حينها. وبعد زيارته الخاطفة إلى بوغوتا، اتجه نتنياهو إلى المكسيك الخميس، لترطيب الأجواء بين الكيان الصهيوني والمكسيك، حيث استضاف الرئيس المكسيكي، أنريكي بينا نييتو، نتنياهو على خلفية تصريحات الأخير العلنية في يناير الماضي و"الأذى" الذي تسببت فيه، وأطلق نتنياهو تغريدة دعم فيها خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لبناء جدار على الحدود بين الولاياتالمتحدةوالمكسيك لعرقلة الهجرة غير المشروعة، وجعل المكسيك تدفع ثمنها، حينها وجّه مسؤولون كبار في وزارة الخارجية المكسيكية احتجاجا دبلوماسيا شديد اللهجة للسفير الإسرائيلي لدى المكسيك. ويبدو أن نتنياهو استطاع تذويب الثلج في علاقة تل أبيب مع المكسيك ببضع كلمات دبلوماسية، حيث استخدم في خطابه كلمات تشعر المكسيكيين بعظمتهم وأنهم من الشعوب المهمة، ووجهه خطابه للرئيس المكسيكي بالقول، "شكرا لك يا صديقي, من أجل صداقتك الشخصية, وعلى صداقة المكسيك، إنها علامة بارزة"، وأضاف "هذه هي الزيارة الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي في المكسيك، نحن هنا لتصحيح خطأ تاريخي لأن المكسيك بلد عظيم, وواحد من أقوى الاقتصادات، وإننا نريد أن نكون اقرب إلى المكسيك, وهذا ما يرمز إليه هذا الاجتماع". الجدير بالذكر أن المكسيك وفي شهر يونيو الماضي كانت قد دعت الحكومة الإسرائيلية لإلغاء "قانون التسوية"، الذي يشرع نهب الأراضي الفلسطينية ذات الملكية الخاصة، وأعربت الخارجية المكسيكية، في بيانها، عن أسفها الشديد لإقرار الكنيست الإسرائيلي هذا القانون الذي من شأنه إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي مملوكة لفلسطينيين. ويقول مراقبون إنه وبغض النظر عن الدور الدبلوماسي الذي لعبه نتنياهو مؤخرًا في تعزيز علاقته بهذه الدول، فإن إسرائيل تعد لاعبا رئيسيا في صناعة الأسلحة مع صادرات بلغت 550 مليون دولار إلى أمريكا اللاتينية العام 2016.