تمر السنوات، وتعود ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا؛ لتفتح من جديد الجرح الفلسطيني الذي لا يزال ينزف جراء الجرائم الإرهابية الإسرائيلية، فعلى الرغم من مرور 35 عامًا على هذه المجزرة، إلا أن المجرم لا يزال هاربًا، بل ويتفنن في إرتكاب المزيد من الجرائم دون عقاب أو محاسبة دولية. أكثر من 48 ساعة من الرعب تأبى الذاكرة الفلسطينية أن تنساها، وخاصة قاطني مخيم صبرا وشاتيلا في لبنان، يومان تفنن الاحتلال خلالهما في ممارسة أبشع الجرائم بحق الإنسانية والمدنيين العزل، حيث استيقظ فلسطينيو صبرا وشاتيلا في صباح يوم السادس عشر من سبتمبر عام 1982 على تطويق قوات الاحتلال بقيادة وزير الحرب آنذاك أرئيل شارون، ورئيس أركان الحرب الإسرائيلي فى حكومة مناحيم بيغن، رافائيل إيتان، للمخيم حيث استخدموا الأسلحة البيضاء وغيرها في عمليات التصفية لسكان المخيم دون هوادة، ونشروا الرعب داخل المخيم، فلم يفرقوا بين أطفال ونساء ورجال وشيوخ، فالأطفال دون الرابعة من العمر قتلوا دون رحمة، والنساء بعضهن تم اغتصابهن والحوامل بقرت بطونهن، فيما ذُبحوا الرجال والشيوخ، وأناروا ليل المخيم بالقنابل المضيئة، وكل ذلك بعيدًا عن وسائل الإعلام، حيث أحكمت الآليات الإسرائيلية إغلاق كل مداخل النجاة إلى المخيم، فلم يسمح للصحفيين ولا وكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة في الثامن عشر من سبتمبر. كان الجيش الإسرائيلي يرتكب هذه الجريمة المأساوية بالتعاون مع ما يسمى "جيش لبنان الجنوبي" الذي كان عميلًا لإسرائيل في ذلك الوقت، حيث ساعد هذا الجيش كيان الاحتلال في إنزال مئات المسلحين بذريعة البحث عن مقاتلين فلسطينيين، لكن كان الهدف الرئيسي هو دفع الفلسطينيين إلى الهجرة خارج لبنان، وتأجيج الفتن الداخلية هناك، واستكمال الضربة التي وجهها الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 للوجود الفلسطيني في لبنان، وتحريض الفلسطينيين على قيادتهم، بذريعة أنهم غادروا لبنان وتركوهم دون حماية، والانتقام من الفلسطينيين الذين صمدوا طيلة ثلاثة أشهر من الحصار، الذي انتهى بضمانات دولية بحماية سكان المخيمات العزل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من العاصمة اللبنانيةبيروت، لكن كعادته أخلف الكيان الصهيوني عهوده، ونقض الاتفاق، وضرب بثقة الدول الضامنة له عرض الحائط، حتى الأخيرة تركت المدنيين العزل الأبرياء فريسة يواجهون مصيرهم مع الكيان المحتل. بعد ارتكاب الاحتلال لجرائمه والانتهاء من ممارسة أبشع المجازر الإنسانية وإلقاء الجثث في الشوارع، دخلت الجرافات الإسرائيلية لجرف المخيم وهدم المنازل لإخفاء الجريمة، لكن رائحة الدماء كانت قد فاحت في المنطقة، ووصلت الأنباء لوسائل الإعلام الدولية بارتكاب إسرائيل مذبحة بشعه تكاد تكون من أبشع المذابح في تاريخ البشرية، وحينها تم حصر الضحايا، وقدرت الإحصائيات عددهم بين 3500 و5000 شهيد، من أصل عشرين ألف نسمة كانوا يسكنون صبرا وشاتيلا وقت حدوث المجزرة. عندما استفاق العالم، ووجد نفسه أمام مسؤولية إدانة ومحاكمة الكيان الصهيوني، ما كان منه سوى الاعتراف بالمجزرة أمام الرأى العام العالمي، ففي 16 ديسمبر عام 1982 أدان المجلس العمومي للأمم المتحدة المجزرة، ووصفها بالإبادة الجماعية، وأدانت معظم دول العالم المذبحة التي تمت على مرأى ومسمع من الجميع، لكن هذه الإدانات لم يتم ترجتمها لعقوبات أو أحكام دولية، وسريعًا ما طوى المجتمع الدولي صفحة المأساة الفلسطينية، ونسي ضحاياها، ولم يحاكم أي من مجرميها. كعادته حاول الاحتلال التملص من جريمته، ففي 1 نوفمبر عام 1982، أمرت حكومة الاحتلال المحكمة العليا بتشكيل لجنة تحقيق خاصة، وقرر رئيس المحكمة العليا، إسحاق كاهن، أن يرأس اللجنة بنفسه، وسميت "لجنة كاهان"، وفي 7 فبراير عام 1983، أعلنت هذه اللجنة نتائج البحث، وأقرت أن وزير الحرب الإسرائيلي أرييل شارون يحمل مسؤولية مباشرة عن المذبحة، كما انتقدت اللجنة رئيس وزراء دولة الاحتلال، مناحيم بيغن، ووزير الخارجية الأسبق، إسحق شامير، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، رفائيل إيتان وقادة المخابرات، موضحة أنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت، لكن أرييل شارون رفض قرار اللجنة، واستقال من منصب وزير الدفاع، ليبقى حرًّا طليقًا دون محاكمة أو عقاب دولي. مجزرة صبرا وشاتيلا على الرغم من أنها الأبرز في تاريخ الجرائم الصهيونية، إلا أنها لم تكن الوحيدة، فالاحتلال الصهيوني لا يزال حتى اللحظة يعبث بأمن وأمان الفلسطينيين، ومواردهم وأراضيهم وثرواتهم، فالمجازر الإسرائيلية سواء من قوات الاحتلال أو قطعان مستوطنيه، حيث تشهد مجزرة دير ياسين التي سبقت صبرا وشاتيلا، أو مجزرة الدوابشة التي ارتكبها المستوطنون بحق عائلة بأكملها، على وحشية الاحتلال المستمرة والتي تتضاعف، وتستعر يومًا بعد يوم.