يعتقد كثيرون أن الأممالمتحدة تشارك في تحقيقات نزيهة، لكن الثقة في الوكالات الأممية لم تعد في وضع جيد، مهما كان الاستقلال الذي تتمتع به، خاصة فيما يتعلق بالتحقيقات الأخيرة لاستخدام الأسلحة الكيميائية السورية. وهناك أيضا مسألة أكبر تتمثل في صمت الأممالمتحدة إزاء إحدى مسؤولياتها الأساسية، وهي الفظائع التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية، وتطبقها الآن في حروب "تغيير النظام" الممولة والمسلحة من قبل الولاياتالمتحدة وغيرها من القوى الغربية، مثل الغزو العراقي في عام 2003، والإطاحة بالحكومة الليبية في عام 2011، وسلسلة من الحروب بالوكالة، بما فيها الصراع السوري المستمر. وأعلنت محاكم نورمبرج، بعد الحرب العالمية الثانية، أن العدوان على دولة أخرى ليس جريمة دولية فحسب، ولكنه جريمة دولية عليا تحتوي على الشر المتراكم، وأصبح هذا الاعتراف مبدأ توجيهيا لميثاق الأممالمتحدة الذي يحظر على وجه التحديد العدوان أو التهديد بالعدوان على الدول ذات السيادة. ويؤكد الميثاق في المادة الأولى أنه من الأهداف الرئيسية للأمم المتحدة اتخاذ تدابير جماعية فعالة؛ لقمع أعمال العدوان أو غيرها من خروقات السلام، وتضيف المادة الثانية التي تحدد السلوك المناسب لأعضاء الأممالمتحدة أن يمتنع جميع الأعضاء في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة. ومع ذلك، بدلا من فرض هذه القاعدة الأساسية، فإن الأممالمتحدة، في الواقع، تراجعت إلى الضغوط السياسية والمالية التي تمارسها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها، كما تتجاهل تطبيق القانون الدولي، مثلما تفعل وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية وكثير من الصحافة الأوروبية والإسرائيلية أيضا. وهناك افتراض بأن الولاياتالمتحدة وحلفاءها لهم الحق في التدخل عسكريا في أي مكان بالعالم في أي وقت بمفردهم وحسب تقديرهم الخاص، رغم أن الدبلوماسيين الأمريكيين والصحفيين ما زالوا يغضبون عندما ينحرف الخصوم عن القانون الدولي، مثل إدانتهم روسيا لتسببها في الحرب الأهلية في أوكرانيا. تعد الأممالمتحدة وأمريكا ووسائل إعلامها الدرع الحامية لإسرائيل، على سبيل المثال، نشرت صحيفة نيويورك تايمز يوم الجمعة مقالا عن إسرائيل، وشنها غارة جوية تفجيرية داخل سوريا، أفيد بأنها قتلت اثنين من السوريين، ومن الملحوظ في المقالة أنها لا تتضمن إشارة واحدة إلى انتهاك إسرائيل القانون الدولي، وبدلا من ذلك، فإنها تعتبر ترشيدًا طويلاً للعدوان الإسرائيلي، وتأطير الهجمات، ما يعد دفاعًا عن النفس الإسرائيلية، أو كما وصفته تايمز "تصعيد جهود إسرائيل لمنع أعدائها من امتلاك أسلحة متطورة". كما أن المقالة لا تتضمن أي إشارة إلى حقيقة أن إسرائيل تحتفظ بترسانة نووية متطورة، ومن المعروف أنها تمتلك أسلحة كيميائية وبيولوجية أيضا، وتوضح أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل تعيشان تحت مجموعة واحدة من القواعد والقوانين، في حين يجب على البلدان المدرجة في قائمة الأعداء الأمريكيين – الإسرائيليين الالتزام بقائمة أخرى، بجانب أن عدم الإشارة إلى ذلك انتهاك واضح للمبادئ الصحفية الموضوعية. يتخلل النفاق الآن الوكالات الدولية، بما فيها الأممالمتحدة، التي بدلا من الضغط للمساءلة في حالات العدوان الأمريكي أو الإسرائيلي، أصبحت متعاونا ومحرضا، وتصدر تقارير من جانب واحد تبرر المزيد من العدوان، ولا تفعل شيئا لوقف الولاياتالمتحدة عن أعمال العدوان، على سبيل المثال، لم تقدم الأممالمتحدة مطالب حقيقية بشأن أن القادة الأمريكيين والبريطانيين الذين نظموا غزو العراق عام 2003، والذي أسفر عن مقتل مئات الآلاف من العراقيين، يجب أن يواجهوا أي مساءلة عن ارتكاب "الجريمة الدولية العليا" في حرب عدوانية. عملت الحكومة طوال هذا القرن على جلب وكالات رئيسية، مثل لجنة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمة حظر المواد الكيميائية (أوبو)، تحت سيطرة الولاياتالمتحدة وهيمنتها. واكتسبت هذه الحملة الرامية إلى تحييد استقلال الأممالمتحدة زخما قويا بعد هجمات 11 سبتمبر، وإطلاق الرئيس جورج دبليو بوش "حربه العالمية على الإرهاب"، لكن هذا الجهد استمر في ظل الرئيس أوباما، وأصبح الآن تحت رئاسة ترامب. في عام 2002، بعد فتح السجن في خليج جوانتانامو، كوبا، والتخلي بشكل فعال عن الحماية التي توفرها اتفاقية جنيف لأسرى الحرب، تعرض بوش لانتقادات من مفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان ماري روبنسون، وبعدها جردت من منصبها، لذلك، على مر السنين، كان هناك انهيار جماعي للاستقلال في الوكالات ذات الصلة بالأممالمتحدة. وفي الحالات الأكثر تكرارا عندما يكون تقرير الأممالمتحدة متماشيا مع الدعاية الأمريكية، فإن الصحفيين الأمريكيين لا يوجهون أبدا أي اعتبار حاسم لنوعية الأدلة أو قفزات المنطق، ورأينا ذلك يحدث هذا الأسبوع مع تقرير صادر عن الأممالمتحدة مثير للشكوك، يلقي باللوم على الحكومة السورية لوقوع حادث استخدام غاز السارين في 4 إبريل، وهناك تناقض كبير في الأدلة، حيث إن الشهادة التي قدمها محققو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقوض الاستنتاج بأن طائرة حربية سورية قد تكون ألقت قنبلة سارين، وتم تجاهل ذلك من قبل محققي حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة، وتجاهلتها صحيفة التايمز وغيرها من وكالات الأنباء الأمريكية الرئيسية. وأكثر ما يبعث على القلق أن هذه التقارير المتحيزة للأمم المتحدة تستخدم الآن لتبرير الحروب المستمرة للعدوان من جانب بلدان أقوى ضد الأضعف، لذلك، بدلا من أن تكون البيروقراطية التابعة للأمم المتحدة بمثابة حصن لحماية الضعفاء من الأقوياء كما يقصد ميثاق الأممالمتحدة، فقد حولت الهدف النبيل الأصلي للمؤسسة من خلال أن تصبح عاملا تمكينيا ل"الجريمة الدولية العليا"، وهي العدوان. المقال من المصدر