تعديل وزاري موسع أجراه رئيس الوزراء التونسي، يوسف الشاهد، أمس الأربعاء، ويعد أول تعديل له منذ توليه رئاسة الوزراء قبل عام. التعديل أطاح بوزراء الداخلية والدفاع والمالية والتنمية، في مسعى لإجراء إصلاحات اقتصادية، حيث تجاوز التعديل الوزاري الواسع حدود سد الشغور في ثلاث وزارات (المالية والتربية والتعاون الدولي)، إلى تغييرات هيكلية شملت وزارات سيادية، كما شمل 13 حقيبة وزارية، و7 وزارت دولة. عيّن رئيس الوزراء التونسي المدير السابق لمكتبه، رضا شلغوم، والمقرب من حزب نداء تونس وزيرًا للمالية، بينما تولى لطفي برهام آمر الحرس الوطني ووزارة الداخلية خلفًا لهادي المجدوب، وبرهام متخرج في الأكاديمية العسكرية بتونس (شعبة الحقوق). وتم تعيين توفيق الراجحي القيادي في حركة النهضة وزيرًا مكلفًا بالإصلاحات الاقتصادية الكبرى، وهو منصب جديد، وعاد عبد الكريم الزبيدي لتولي حقيبة الدفاع خلفًا لفرحات الحرشاني، وكان الزبيدي قد تولى نفس المنصب منذ عام 2011 لمدة عامين، كما عيِّن حاتم بن سالم على رأس وزارة التربية، وسليم شاكر وزارة الصحة. وانضمّت أسماء جديدة إلى التركيبة الحكومية التونسية على غرار فوزي عبد الرحمان الذي تولى وزارة التكوين والتشغيل (حزب آفاق تونس)، ورضوان عيارة وزير النقل خلفًا لأنيس غديرة، وعمر الباهي وزير التجارة بعد الفصل بين وزارتي الصناعة والتجارة، وخالد قدور وزير الطاقة والمناجم خلفًا لهالة شيخ روحه. في المقابل حافظ خميس الجهيناوي على وزارة الشؤون الخارجية، وأبقى الشاهد على غازي الجريبي على رأس وزارة العدل، كما حافظ سمير الطيب (حركة التجديد) على حقيبة وزارة الفلاحة، واحتفظ إياد الدهماني (الحزب الجمهوري) على وزارة العلاقات مع مجلس النواب (البرلمان)، وبقي مهدي بن غربية ثابتًا في وزارة العلاقات مع المجتمع المدني وحقوق الإنسان. التعديل الوزراء جاء بعد أسابيع من المفاوضات عقب ضغوط حزبية قوية واجهها يوسف الشاهد خصوصًا من حزبه نداء تونس، وأيضًا من حركة النهضة الإسلامية والتي كانت ترفض تغيير وزير الداخلية. وكان الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، قد استقبل الشاهد أمس بقصر قرطاج في ختام نقاشٍ سياسي مستفيض، شمل قبل ذلك قادة الأحزاب والفاعليات السياسية حول التعديل الوزراي الذي طال انتظاره، السبسي اطّلع على الصيغة النهائية للتعديل الذي ينتظر منه تقوية فاعلية الحكومة، ويشجعها على القيام بخطوات سريعة باتجاه إجراء إصلاحات اقتصادية ملحّة لإنعاش الاقتصاد التونسي المتعثر. وتعهد الشاهد بأن تعمل حكومته بعد هذا التعديل حكومة حرب للتصدي للمهام والتحديات الماثلة أمامها. وبالنسبة لحركة النهضة فكانت تأمل في أن تنحصر التعديلات على الحقائب التي شغرت من وزرائها فقط، غير أن حزب نداء تونس اقترح تعديلًا أوسع نطاقًا، ولكن هذا الأمر لن يوتر العلاقة بين النداء والنهضة، فحركة النهضة (الحزب الإسلامي) الحليف السياسي القوي لحزب النداء حافظت على حقائبها الوزارية الثلاث في هذا التحوير الوزاري، فوفقًا للتسريبات الأولية، فقد احتفظ أنور معروف بوزارة تكنولوجيات الاتصال، فيما نقل عماد الحمامي من وزارة التشغيل والتكوين إلى وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، وكلف زياد العذاري وزير الصناعة والتجارة بحقيبة وزارة التنمية والتعاون الدولي والاستثمار. وكانت أوساط سياسية وشعبية طالبت بأن يتم تجاوز المحاصصة الحزبية إلى اختيار ذوي الكفاءة كحل للنهوض بأحوال البلاد، ولكن لا يبتعد التعديل الجديد عن المحاصصة السياسية، فالأحزاب الرئيسية حصلت على النصيب الأكبر في التعديل الجديد. ومن المنتظر أن يتوجه الشاهد في خطوة دستورية غدًا الجمعة إلى مجلس نواب الشعب، ويتقدم بطلب لعقد جلسة عامة في إطار دورة برلمانية استثنائية لمنح الثقة لأعضاء الحكومة الجديدة، بعد عرض برامجهم وسيرهم الذاتية تحت قبة البرلمان. ويرى مراقبون أن هذه الحكومة هي حكومة الفرصة الأخيرة، فالشاهد يلعب الآن في الوقت الضائع، باعتبار أن هذا التحوير الوزاري غايته إعطاء نفس جديد من أجل حلحلة الموقف، خاصة على المستوى الاقتصادي، فتونس لو واصلت على هذه الوتيرة الاقتصادية فستنتهي حتمًا بالإفلاس. وقد لا يتجاوز هذا التعديل الوزاري أزمات تونس، لأن متابعين للشأن التونسي يقولون بأن المشكلة ليست في التعديل واستبدال الأشخاص، فتونس منذ عام 2011 إلى يومنا هذا مرت عليه تعديلات وزارية وصلت إلى 11 حكومة، ولكن المشكلة في طبيعة النظام السياسي المعتمد في تونس والذي من خلاله لا يمكن لأي أحد أن يقدر على أن يحكم فعلًا وينفذ سياسات، فالنظام في تونس شبه رئاسي (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة) وشبه برلماني (مجلس شعب)، وهنا مركز القرار ومركز السيادة غير واضح، وبالتالي تتمثل السلطة التنفيذية في رأسين مع سلطة تشريعية، حيث تتداخل السلطات مع بعضها، بالإضافة إلى أن هناك نوعًا من التدافع لدى الأحزاب من أجل أن تقضي مصالحها قبل أن تحقق مصالح المواطن. وحول ما إذا كانت الحكومة التونسية الجديدة هي حكومة حرب، يتساءل المحلل السياسي التونسي،خالد عبيد، كيف سيخوض الشاهد حربًا ضد الفساد والإرهاب ومعه 28 وزيرًا و15 كاتب دولة، أي ما يقارب 43 وزيرًا بحكومة حرب؟ ويرى عبيد أن حكومة الحرب إن يُرَد لها أن تنجح، فيجب أن تكون بأربعة أو خمسة وزراء مهمتهم واضحة، وهي إنقاذ تونس من الطوفان القادم.