بات الملف النووي الكوري الشمالي دليلا جديدا على ضعف نفوذ وإمكانيات الولاياتالمتحدةالأمريكية وتراجع هيبتها ومكانتها سواء في الشرق الأوسط أو في القارة الآسيوية أو حتى أمريكا اللاتينية، فكوريا الشمالية أعلنت صراحة ومن خلال تصرفاتها أنها لا تهاب التهديدات الأمريكية، وفي الوقت نفسه تقف أمريكا مكتوفة الأيدي ومحصورة في إطار من التهديدات والتعنت والمكابرة دون حلول فعالة، فهي تعرف جيدًا عواقب القيام بأي تصرفات متهورة تجاه بيونج يانج، خصوصًا أن روسيا والصين يعتبران من أبرز داعميها وأقوى حلفائها. نبرة حادة بعد أيام من إجراء بيونج يانج اختبارا هو السادس نوويًا والأقوى على مستوى التجارب الكورية، وإعلانها تطوير رأس هيدروجينية تتميز بقوة تدميرية كبيرة، وبعد أن ارتفعت نبرة التهديدات الأمريكية والكورية الجنوبية واليابانية، خرج مندوب كوريا الشمالية لدى الأممالمتحدة هان تاي سونج، ليعلن تحديا جديدا للولايات المتحدة وحلفائها، وذلك خلال مؤتمر أممي لنزع أسلحة الدمار الشامل في جنيف، حيث أكد أن بلاده قد "حضرت هدية جديدة" لواشنطن، وأضاف: إجراءات الدفاع عن النفس التي تتخذها بلادي جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في الفترة الأخيرة هي هدية موجهة للولايات المتحدة دون غيرها.. الولاياتالمتحدة ستتلقى المزيد من الهدايا من بلادي، طالما ما دامت مستمرة في الاستفزازات المتهورة وفي محاولاتها العقيمة للضغط على بلادنا. اضطراب أمريكي في مقابل تهديدات بيونج يانج، التي سريعًا ما يتم تنفيذها على أرض الواقع، كرر البيت الأبيض استبعاد اللجوء إلى حوار مع كوريا الشمالية، وأعلن أمس الثلاثاء، أن الرئيس دونالد ترامب، لا يزال يعتقد أن نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية هو الأولوية في كيفية التعامل مع كوريا الشمالية، وأن المحادثات مع بيونج يانج ليست من ضمن الخيارات المطروحة في الوقت الحالي. التعنت الأمريكي والابتعاد نهائيًا عن خيار الحوار السياسي مع بيونج يانج، يوازيه في الوقت نفسه محاولات حثيثة لجذب روسيا والصين إلى المثلث الأمريكي الكوري الجنوبي الياباني، وهو ما ظهر مرارًا في تصريحات المسؤولين الأمريكيين الذين طالما حثوا التنين الصيني والدب الروسي على الضغط على بيونج يانج، وقد تكررت هذه المطالبات قبل يوم، حيث أعلن البيت الأبيض أن الولاياتالمتحدة تنتظر من روسيا والصين مزيدًا من الجهود لتشديد الضغط على كوريا الشمالية، وقالت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز: لقد تحدثنا بوضوح عن أولوياتنا، والآن لا يجب إجراء أحاديث طويلة عن كوريا الشمالية، بل يجب ممارسة أشد الضغوط عليها، وتابعت: قلنا إنه على الجميع، بمن فيهم روسيا والصين أن يعملوا المزيد من أجل التصدي لهذا الخطر العالمي، وعلى الجميع الضغط على كوريا الشمالية. في الوقت نفسه فقد أشارت المندوبة الأمريكية لدى الأممالمتحدة نيكي هايلي، إلى أنها ستقدم مشروع قرار لفرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية للتصويت عليه في جلسة الإثنين المقبل، وذلك عقب عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جلسة طارئة لمناقشة التجربة النووية الأخيرة لكوريا الشمالية قبل أيام، فيما اعترفت المندوبة الأمريكية في كلمة في معهد بحثي بواشنطن أن العقوبات لن تجدي نفعًا مع كوريا الشمالية ولن تغير سلوكها، متسائلة: هل نعتقد أن فرض مزيد من العقوبات سيجدي نفعًا مع كوريا الشمالية؟ ليس بالضرورة، لكن ما الذي ستفعله؟ إنها ستقطع الإيرادات التي تسمح لهم بصنع صواريخ باليستية على الأقل. تلويح صيني روسي على الرغم من نداءات أمريكا المتكررة لكل من روسيا والصين بالضغط على كوريا الشمالية، فإن الحليفين الروسي والصيني أخذا يلوحان برفض فرض أي عقوبات جديدة على بيونج يانج، وأبدت روسيا، أمس الثلاثاء، شكوكًا إزاء إمكانية إقرار مجلس الأمن لعقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية، مضيفة أن أي قرار جديد يجب أن يتضمن دعمًا لجهود بدء حوار مع بيونج يانج، وأضاف سفير روسيا لدى الأممالمتحدة فاسيلي نيبنزيا، أن التصويت سيكون سابقًا لأوانه بعض الشيء، مشددًا على أن أي قرار جديد يجب أن يؤكد الحاجة لاتخاذ خطوات دبلوماسية، مضيفًا: نحتاج للإشارة إلى ضرورة إجراء حوار سياسي يستند إلى المبادرات التي تم إطلاقها مؤخرًا. في ذات الإطار، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقب محادثاته مع نظيره الكوري الجنوبي مون جيه إن، في مدينة فلاديفوستوك الروسية، إن موسكو لن تعترف بكوريا الشمالية كدولة نووية، لكنه حذّر من أن الأزمة الكورية لا يمكن حلها بالضغط والعقوبات فقط ولابد من إيجاد تسوية دبلوماسية. من جهته، طالب السفير الصيني لدى الأممالمتحدة ليو جيي، جميع الأطراف بالموافقة على خطة روسية صينية لدعوة الشمال إلى تجميد تجاربه النووية والصاروخية، مقابل تعليق الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية تدريباتهما العسكرية المشتركة، وهو الاقتراح الذي رفضته أمريكا سابقًا معتبرة أنه "مهين".