كثير من الحرف اليدوية يمتهنها الفلسطينيون في قطاع غزة، خلفا لآبائهم وأجدادهم الذين بدأوها منذ سنوات طويلة، أبرزها التي ما زال الغزيون يتمسكون بها، لأسباب إرادية أو قسرية، صناعة شبك الصيد. ويتجه الصيادون في غزة لغزل شباكهم نتيجة لارتفاع أسعار المواد الخام التي يلزم شراءها لعملهم، ومنذ زمن قديم، تعلم الأجداد حياكة شباك الصيد بأيديهم، حيث لا يحتاج الأمر إلى رأس مال كبير، بل الصبر والتحمل وحب العمل، ما يدفع الصياد لأن يمسك الإبرة والخيط المتخصصة لحياكة الشباك، ويجلس ساعات طويلة يغزل ويصلح شباكه. الصياد منذر أبو خالد، قال ل"البديل" إنه توارث هذه المهنة عن آبائه وأجداده، وبدوره سيقوم بتعليم أبنائه، وخلال حياكته لشبكته الخاصة التي تعرضت للتمزق نتيجة المياه، أكد أن ما يقوم به من إصلاح لشبكته، يأتي نتيجة عدم توفر آلات مخصصة لحياكة شبكات الصيد في القطاع بأسره، مضيفا أن وزارة الزراعة في القطاع لا يعنيها الأمر، لذلك فإنه يقوم أحيانا بحياكة شبكته على آلات الخياطة المخصصة للملابس والأقمشة، والتي لا تتناسب مع نوعية الشباك، إلا أن يعيد حياكتها بيده. ويشتكي أبو خالد من الحصار الطويل الذي يطبق أنيابه على الصيادين، فغير أن الاحتلال يمارس إرهابه المنظم ضدهم في عرض البحر، من اعتقال وإغراق لمراكبهم وإطلاق النار باتجاههم بشكل مباشر ومنعهم من تجاوز 6 أميال بحرية، رغم أن الاتفاقيات الأخيرة التي جرت تنص على السماح للصيادين بالدخول لمسافة 20 ميلا بحريا، بالإضافة إلى الحصار البري الذي يمنع دخول أي مواد أساسية في عملية الصيد، ما يدفع الصياد إلى ابتكار طرق جديدة لمواجهة هذا الحصار حتى يتثنى له مواكبة عمله لإطعام عائلته. وعند تمزق الشباك، لا يستطيع الصياد أن يستغني عنها ويستبدلها بواحدة جديدة، لارتفاع تكاليفها أولا، ولندرة المواد الخام اللازمة لها، فإذا كانت هذه المواد تتوفر لدى الصياد، وهي بالفعل متوفرة لدى جميع الصيادين، فقد تكون هذه الأدوات إلزاما على الصياد أن يقتنيها طيلة فترة صيده، وفي حال تعرضها للتلف، فإنه يقوم بإصلاحها واستكمال عمله بها. على ميناء مدينة غزة، مئات الصيادين الذين يجلسون في تجمعات يقومون بغزل لشباكهم، ويستعدون لخوض البحر، بامكانياتهم البدائية والقليلة، وبصبرهم وعزيمتهم التي لا يماثلها شيء، يستمر الصيادون رغم كل العوائق التي يضعها الاحتلال لهم في عملهم وإن جاء ب20% مما كانوا عليه قديما.