بعد حصار دام لنحو 4 سنوات استطاع الجيش العربي السوري، صباح أمس الثلاثاء، الوصول إلى الجيب السوري المحاصَر بدير الزور وفك الحصار عنه، لتشهد الحرب السورية منعطفا هاما يماثل منعطف ما بعد تحرير حلب في الشهر الأخير من العام الماضي، في واقع الأهمية الكبيرة لمحافظة دير الزور، آخر معاقل التنظيم الساقط، داعش، وأحد أحجار الزاوية للجغرافيا السياسية السورية بإطلالتها على وسط العراق وشماله، وكانت من أهم مصادر النفط لداعش ومعها العديد من النقاط الجغرافية العراقية، الأمر الذي كفل تعاظم ثروة التنظيم في مرحلة صعوده وقطعه للصلة الجيوسياسية الطبيعية بين سورياوالعراق، لصالح مشروع كان نجاحه كفيلا بدخول المنطقة العربية والشرق الأوسط في إنفجار عارم لم يكن ليحتمل تداعياته أحد، اللهم إلا من دعمه من خارج المنطقة. التسارُع السوري المتطاول منذ أشهر تجاه تحرير دير الزور دفعَه أيضا ما تكشّف من سعي لقوات سوريا الديموقراطية، الكردية العربية المصنوعة أمريكيا، نحو دخول المحافظة على حساب داعش، في ظل سيطرتها بالفعل على قطاعات محدودة من أطرافها الشمالية، وتمكنها، بصعوبة بدت مفتعلة، من القضاء على داعش في محافظة الرقة المجاورة، من هنا قرأت القيادة السورية التهديد الأمريكي غير المباشر والذي استطاع نظرا للعديد من العوامل وضع مرتكز له في محافظتي الحسكة والرقة، من خلال الأكراد، ومن ناحية أخرى كان تحرير القطاع الشرقي الصحراوي الأبعد من محافظة حمص هو المقدمة الميدانية الناجزة للوصول إلى دير الزور، بعد أن اندفع السوريون من جنوب شرق حلب وحرروا ريف الرقة الجنوبي من داعش وسيطروا عليه، ليضعوا حدا لتمدد قوات سوريا الديموقراطية حاصرين إياها في الرقة، في ظل سيطرتها حتى الآن على الحسكة وقطاعين هامين من حلب شمالا. استكمال تحرير كامل تراب دير الزور عملية قد تشهد صعوبة عسكرية نسبية في قطاع شرق نهر الفرات، في ظل متاخمته للسيطرة الكردية في الحسكة ولقطاع لم يزل تحت سيطرة داعش داخل العراق، وهذا تحديدا ما قد يدفع إلى الحل الأكثر منطقية، والذي أثبت النجاح من قبل بالتجربة العملية، وهو تكامل قوى وجهود السوريين والعراقيين في الجيش والحشد الشعبي العراقييَن، ومن هنا كان القرار العراقي منذ أشهر بالمسارعة إلى القضاء على داعش في الحدود مع الحسكة المُسيطر عليها كرديا وقطاع من الحدود مع دير الزور، وتأجيل تحرير تلعفر بعد تحرير الموصل، من أجل قطع الطريق مستقبلا أمام داعش إذا ما أرادت النفاذ إلى الشمال العراقي، وحصْر مهربَها "المنتظَر" من دير الزور في قطاع من صحراء الأنبار، بعيدا عن محيط الموصل المحرَرة وعن العمق العراقي والسوري كذلك، مع التفاتة مؤخرَة بتحرير تلعفر لتسقط آخر معاقل داعش في محافظة نينوى العراقية، ومع الإمساك العراقي بالحدود مع الأردن والتقاء الجيشين العراقي والسوري على الحدود بين محافظة الأنبار ومحافظتيّ حمص وريف دمشق، أي الشرق الصحراوي الأقصى منهما، وهو ما أدى لسقوط المشروع الأمريكي، بفصائله العسكرية المَحَلية المصنوعة، في هذا القطاع، وجعَل الحضور العسكري الأمريكي والبريطاني في محيط معبر التنف على الحدود عبثيا، في ظل نجاح السوريين أيضا في شل حركة هذه الفصائل بالداخل السوري وحصرها في قطاع صحراوي قفر لا يؤمن لها سيطرة على الحدود السورية العراقية إلا في خط محدود وغير ناجز لأي من أهداف المشروع الأمريكي. كان بديهيا إذن دخول العراقيين على خط المواجهة بالتوازي مع العمل العسكري السوري الدؤوب والشاق، فالعلاقة بين جانبي "الحدود" استراتيجية بشكل بديهي تماما وذات بُعد سياسي وديموغرافي هو من أسس الوطنين كلاهما، في ظل واقع أن دير الزور هي أقرب جغرافيا لمدينتين ك"بيجي" والحَضَر العراقيتين، من دمشق أوالقنيطرة أو طرطوس، كما ستكفل خريطة السيطرة العراقية بالداخل العراقي حاليا منع داعش من الفرار نحو الأردن، لتجد نفسها بعد إخراجها من دير الزور في محيط سوري عراقي كردي، سيضع قوات سوريا الديموقراطية، الأمريكية، ومعقلها في محافظة الحسكة شمال محافظة دير الزور أمام سؤال صعب وتحدٍ كبير، في ظل عشرات الشواهد على مساعدة الولاياتالمتحدة لعناصر داعشية على الفرار من دير الزور، ومن قبلها الرقة، نحو مناطق سيطرة كردية، ولتجد "ديموقراطية المكوّنات" الأمريكية نفسها أمام حقيقتها الهشّة. من ناحية أخرى، تنتوي الولاياتالمتحدة وشرعت بالفعل في مشروع لإدارة محافظة الرقة السورية، من خلال ما أسمته الخارجية الأمريكية "مجلسا مدنيا" مكوّنا من العرب والأكراد، بعد أن وضعت لنفسها ارتكازات عسكرية في الحسكة يستضيفها الأكراد الذين سلّحتهم وموّلتهم منذ إنشاء الكيان العسكري الكردي الجامع المعروف باسم قوات سوريا الديموقراطية، مما جعل من تحرير دير الزور مسألة مصيرية لسوريا ككيان سياسي، استطاع مكوّن ديموغرافي بداخله حتى الآن، اقتطاع جزء منه هو محافظة الحسكة وأغلب محافظة الرقة، مما يهدد الكيان ذاته ليس فقط في مواجهة المشروع التكفيري وهو أداة ساقطة ومهزومة عمليا الآن، ولكن أمام أصحاب الأداة والمستفيدين منها. يمكننا أن نقول أن تحرير دير الزور سيفتح الباب أمام عزل السيطرة الكردية، المتّسعة نسبيا، في الشمال السوري، وحصرها في حجم ملتصق بالحدود مع تركيا ومع السيطرة الكردية المماثلة في أقصى الشمال العراقي، وهو حجم تشكّل نتيجة للحرب على سوريا أكثر من كونه متشكّلا على واقع ديموغرافي حقيقي وعادل، ولكنه يفتقر للاستقرار بالفعل إذ يتناقض مع المصالح التركية، التي تنظر له بعين القلق البالغ، ومن هنا تحديدا يمكن فهم صعوبة أخرى في الحرب السورية هي محافظة "إدلب" الحدودية مع تركيا، المسيطَر عليها من الفصائل الإرهابية المصنوعة تركيا، والمجاورة لقطاعيّ سيطرة تركييَن آخرين في غرب وجنوب حلب، حيث الفصائل، وريف حلب الشمالي على الحدود وقوات درع الفرات التركية، التي تستخدمها تركيا حاليا لوضع مرتكَز إحتياطي وثابت بقدر المُستطاع، حال فشل التصليب التركي للوضع في إدلب، حيث تتناحر الفصائل الإرهابية المصنوعة والمدعومة تركيا بشكل لا يُنبئ باستمرارية هذا الوضع، والموقف على الحدود مع تركيا مرشح للتغير في ظل الصعود والتمدد الكبيرَين للقوة السورية.