أقلية مسلمة تُباد في دولة ذات أغلبية بوذية، على مرأى ومسمع من كافة دول العالم الإسلامية منها والمسيحية، لم تنطلق سوى الإدانات والشجب من بعض الدول العربية المسلمة، فيما ترقد دول أخرى في سبات عميق، تسعى فقط وراء تدمير جيرانها، وتنشغل بالبحث عن المؤامرات والخطط لتفكيك وشرذمة أعدائها، لتخرج المنظمات والهيئات الحقوقية بمواقف لا تقل ميوعة عن مواقفها مع الاحتلال الصهيوني الذي يمارس جرائم لا تقل وحشية عن تلك التي تمارسها السلطات في بورما بحق مسلمي الروهينجا هناك، فتبقى المأساة مستمرة، وتتصاعد رائحة شحوم المسلمين جراء حرقهم أحياء، وتتزايد الخنادق التي امتلأت عن آخرها بالضحايا. بداية الأزمة باتت المجازر في بورما بحق الأقلية المسلمة هناك والتي تتمركز في ولاية "راخين" الواقعة في شمال غرب البلاد، لا يمكن السكوت عليها، فعلى الرغم من توقفها لبعض الأسابيع، إلا أنها عادت أشرس وأقوى من سابقتها، الأمر الذي يستوجب التحرك الدولي، خاصة مع تصديق الحكومة والجيش البورمي على هذه الجرائم وعدم التدخل لوقفها أو حل الأزمة هناك وإنقاذ الروهينجا، بل تتدخل مؤسسات بورما، خاصة الجيش والشرطة لشن المزيد من الهجمات وقتل المزيد من الضحايا. بدأت الأزمة الأخيرة في بورما في أغسطس الماضي، حيث قامت قوات الأمن بعملية تطهير جديدة في منطقة جبلية نائية، وخلال العملية شن مسلحون هجمات منسقة على 24 موقعًا للشرطة وقاعدة للجيش، وقال الجيش البورمي حينها إن 21 متمردًا على الأقل و11 من أفراد قوات الأمن قتلوا في ولاية راخين، لتنطلق سلطات الأمن، وتشن حملة كبيرة ضد المسلمين هناك، في أسوأ أعمال عنف شهدتها منطقة شمال غرب ميانمار منذ 5 سنوات على الأقل، وذلك بعد أن أعلنت جماعة "جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان" المسؤولية عن الهجمات، وحذرت من وقوع المزيد. جرائم على مرأى ومسمع الجميع خلال أقل من أسبوعين، ارتكب الجيش البورمي بمساندة بعض المليشيات البوذية جرائم أدت إلى مقتل آلاف الأشخاص، ناهيك عن فرار الآلاف الآخرين، حيث كشفت شهادات لناجين من الاعتداءات على الأقلية المسلمة هناك أن عددًا من الرجال تم تقييدهم واحتجازهم في كوخ قبل إضرام النار فيهم، فيما تحدث آخرون عن عمليات قتل وذبح وقطع للرؤوس تعرض لها الروهينجا، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية واضحة حول عدد القتلى بسبب تزايد العدد كل ساعه تقريبًا وصعوبة الوصول إلى منطقة النزاع لإجراء إحصائية دقيقة، إلا أن المجلس الأوروبي للروهينجيا أعلن الأسبوع الماضي مقتل ما بين ألفين وثلاثة آلاف مسلم في هجمات جيش ميانمار بأراكان خلال 3 أيام فقط من حملة التطهير. في ذات الإطار أعلنت الأممالمتحدة، اليوم الثلاثاء، أن 123 ألفًا و600 شخص، معظمهم من الروهينجا المسلمين هربوا من أعمال العنف فى بورما؛ ليلجؤوا إلى بنجلادش، وبلغ عدد اللاجئين الذروة في الساعات ال24 الأخيرة مع عبور 37 ألف لاجئ الحدود فى يوم واحد، فيما أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فرار أكثر من 87 ألفًا من الروهينجا من أراكان إلى بنجلاديش بسبب الانتهاكات الأخيرة بحقهم خلال 10 أيام من الهجمات، كما أكدت المنظمة الدولية للهجرة هرب أكثر من 18 ألفًا خلال أسبوع، كثير منهم مرضى، وبعضهم مصابون بطلقات نارية. من جانبها قالت مديرة منظمة "مشروع أراكان" الحقوقية، كريس ليوا، إنها رصدت قيام الجيش الميانماري والميليشيات شبه المدنية بجمع جثث الأشخاص الذين يقتلونهم من مسلمي الروهينجا، وحرقها؛ لعدم الإبقاء على أدلة وراءهم، وأضافت "ليوا" أمس الاثنين، أن منظمة مشروع أراكان تراقب أحداث العنف في الإقليم، وأكدت أن 130 من مسلمي الروهينجا على الأقل قتلوا في منطقة سكنية واحدة فقط بمدينة "راثيدوانغ"، إلى جانب مقتل عشرات المسلمين في ثلاث قرى بالمنطقة نفسها، وأضافت: القوات الأمنية تقوم بتطويق القرى، ومن ثم إطلاق النار بشكل عشوائي على سكانها، وتابعت مديرة المنظمة: نرى أن الكثير من البوذيين يقومون بتقديم المساعدة للجيش في الوقت الراهن، مقارنة بأعدادهم خلال أحداث العنف التي وقعت في أكتوبر من العام الماضي. المعارضة خارج الخدمة المثير للدهشة أن المعارضة في بورما لم تتفوَّه بأي كلمة تدين بها الممارسات الحكومية التي تقوم بها بلادها، حيث تواجه زعيمة المعارضة في البلاد "أون سان سو كي"، والحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 1991، انتقادات لاذعة؛ بسبب عدم تحدثها بالنيابة عن الأقلية التي طالما اشتكت من الاضطهاد في دولتها، الأمر الذي دفع العديد من المسلمين في دول العالم وخاصة إندونيسيا إلى دعوة لجنة جائزة نوبل إلى سحب جائزة السلام من "سو كي" التي لم تبذل أي جهود لإحلال السلام ورفع الظلم عن الأقلية المسلمة في بورما. في ذات الإطار وقع أكثر من 68 ألف شخص على العريضة المنشورة في موقع منظمة "تشينج أورج" الأمريكية، المختص بالعرائض الإلكترونية، والتي تطالب بإحالة مستشارة الدولة في ميانمار، ورئيسة الحكومة، أونغ سان سو تشي، وقائد الجيش، مينغ أونغ هلينغ، إلى محكمة العدل الدولية، بتهمة ارتكاب أعمال تطهير عرقي بحق مسلمي الروهينجا، وقالت المنظمة إن لديها كمًّا هائلاً من لقطات فيديو وتقارير، تفيد بأن حكومة ميانمار ترتكب أعمال اضطهاد وتطهير عرقي، مؤكدة أن الأطفال والنساء، وكبار السن، يتعرضون للتعذيب، والاغتصاب، والقتل، وإحراق منازلهم. إدانات دولية دون تحركات ملموسة من جانبه بحث وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ونظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، وضع مسلمي إقليم أراكان في ميانمار، وذلك في اتصال هاتفي بين الوزيرين أمس الاثنين، حيث أعرب ظريف، في اتصالات هاتفية منفصلة مع وزيري خارجية ماليزيا وإندونيسيا، عن قلقه العميق إزاء الأوضاع المؤسفة لمسلمي ميانمار، وطالب بمزيد من الاهتمام والإجراءات العملية من جانب الدول الإسلامية؛ لإنهاء العنف ضدهم، وأعلن ظريف استعداد بلاده للمساعدة والعمل الجماعي في هذه القضية. في ذات الإطار أدان الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقائهما في الصين على هامش قمة "بريكس"، مظاهر العنف في ميانمار، داعين السلطات هناك إلى أخذ زمام السيطرة على الوضع في البلاد. وفي تحرك يعتبر الأول من نوعه من دولة إسلامية نحو إنقاذ مسلمي بورما، أعلن الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، أمس الاثنين، إرسال وزيرة خارجيته، ريتنو مرسودى، إلى ميانمار؛ لحث حكومتها على وقف العنف ضد أقلية الروهينجا، وقال الرئيس "ويدودو": وزيرة الخارجية غادرت إلى ميانمار؛ كى تطلب من حكومتها الكف عن العنف ومنعه وتوفير الحماية لكل المواطنين بما في ذلك المسلمون في ميانمار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وشدد الرئيس الإندونيسي على أن هناك حاجة لاتخاذ خطوات ملموسة، وأن حكومة بلاده ملتزمة بالمساعدة في حل الأزمة الإنسانية.