زار وفد استخباراتي إسرائيلي كبير منذ أسبوع واشنطن، ومن ثم اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الإجازة الصيفية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سوتشي، مهددًا بقصف القصر الرئاسي في دمشق، وإلغاء محادثات آستانة؛ لوقف إطلاق النار، إن استمرت إيران في توسيع نطاقها في سوريا، وفقًا لما ذكره مسؤول كبير في الحكومة الإسرائيلية. أصابت نتنياهو حالة من الذعر، حيث وصف صورة لنهاية العالم للرئيس الروسي، إن لم تبذل الجهود لاحتواء إيران، التي يعتقد نتنياهو أنها مصممة على تدمير إسرائيل. يسمع المسؤولون في سوتشي وواشنطن الشكاوى الإسرائيلية، ولكنهم لم يتحركوا؛ لتقف إسرائيل وحدها، ويذكر أن نتنياهو كان يسعى للحصول على ضمانات بشأن الدور الإيراني المستقبلي في سوريا، ولكنه الآن يطالب بخروجها الفوري، ولكن كيف يمكن لواشنطن أو موسكو منح إسرائيل هذه الضمانات بواقعية؟ فهمت إسرائيل أنها تدعم الجانب الخطأ في سوريا، وقد خسرت، وهي ليست في الوضع الذي يسمح لها بالمطالبة بأي شيء، فهي لن تتمكن من الحصول على منطقة عازلة أمريكية خارج خط الهدنة في الجولان، ولن يتم إغلاق الحدود العراقية السورية. يعد الجانب السوري جزءًا مهمًّا لإسرائيل، ولكن تركيزها فقط عليه غير صحيح، ودليل ذلك أن حرب عام 2006 التي شنتها إسرائيل لتدمير حزب الله بمساعدة الولاياتالمتحدة والسعودية وبعض الفصائل اللبنانية كانت خطأ، وهي تشبه ما تفعله إسرائيل اليوم. فشلت إسرائيل كونها دولة متطورة تكنولوجيًّا لأول مرة في الشرق الأوسط، وكان هذا الفشل مؤلمًا، ولم يكن عسكريًّا فقط، ولكن أيضًا استخباراتيًّا. تداعيات الفشل كانت للفشل الإسرائيلي تداعيات في الغرب والخليج، حيث شعرت الأنظمة الاستبدادية الخليجية بإنجازات حزب الله، ومدى الخطر الذي تشكله المقاومة على حكمهم. فرضت الولاياتالمتحدة العقوبات على حزب الله، ومن ثم بدأت الحرب في سوريا، والتي كانت بمثابة استراتيجية تصحيح فشل إسرائيل في عام 2006، حيث الأحداث التي عقبت عام 2011. ألقت إسرائيل بقوتها العسكرية الكاملة؛ لمواجهة حزب الله، وتعاونت مع أوروبا والولاياتالمتحدة ودول الخليج؛ لإرسال تنظيم داعش والقاعدة والأسلحة إلى سوريا؛ لتبدأ الحرب الضروس، والتي وصفت بأنها أكبر حرب معلومات حتى الآن، ورغم ذلك تنتصر سوريا بمساعدة حلفائها، عكس ما كان متوقع. كانت حرب عام 2006 نقطة انعطاف رئيسية، أما سوريا فأصبحت نقطة تحول تاريخية. ويجب فهم أن المذهب الوهابي، أداة السعودية لنشر الطرف منذ تأسيسها، فقد مصداقيته، وهزم في لبنانوسورياوالعراق، وقريبًا في اليمن. نرى الآن الصراع الخليجي – الخليجي، والذي يحتمل أن يكون طويلاً ومريرًا، أما تركيا فتشهد توترات عيقة منذ عام 2013، بعد خلافها مع مصر، وهي في تراجع يبدو أنه طويل الأمد. الجانب الخاسر أصيب نتنياهو بالذعر؛ نتيجة التحول الكبير الذي يحدث في المنطقة، وطوال هذه الفترة كانت إسرائيل مؤيدة للجانب الخاسر، وتجد نفسها الآن وحيدة، ليس بجانبها سوى الأردنيين والأكراد، ليظهر أنها ستتبع استراتيجية تصحيحية جديدة، وهي التركيز على تقسيم العراق، وإبعاده عن إيران، وإدراجه في التحالف الإسرائيلي- الأمريكي- السعودي. إن كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن السعودية وإسرائيل متأخرتان جدًّا في اللعبة، وهما فقط تغذيان الأعمال القتالية بين شرائح المجتمع العراقي. ليس صحيحًا أن داعش ظهرت في العراق نتيجة لطائفية رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، ولكن في الحقيقة نتيجة التمويل الغربي لها. عدم إقامة دولة فلسطينية يتناقض النهج الذي يتبعه نتنياهو مع جهود السلام والسياسة الأمريكية المستمرين منذ أكثر من ربع قرن، رغم أنه لا بديل عن قبول إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967. كتب السفير الأمريكي السابق والمحلل السياسي، تشاس فريمان، مؤخرًا: كان الهدف الرئيسي للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط منذ فترة طويلة هو تحقيق القبول الإقليمي للدولة المستوطنة اليهودية في فلسطين، أو بعبارة أخرى بالنسبة لواشنطن فإن سياستها في الشرق الأوسط وكل ما تقوم به من أعمال تم تحديدها من قبل إسرائيل؛ لتتناسب مع التطلعات الإسرائيلية. إسرائيل المفقودة السعودية وحدها تقف بجانب إسرائيل، لكن هناك حدود لا يمكن للرياض تخطيها، ويبدو أن الولاياتالمتحدة تدعو الدول العربية للانخراط أكثر مع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، وإيران لا تبحث عن حرب مع إسرائيل. يؤكد المعلقون الإسرائيليون أن الأفضل لإسرائيل عدم خوض حرب والمخاطرة بأرواح جنودها، ولكن لا يبدو أن ذلك يتفق مع رؤية نتنياهو، وفقًا لخطاباتاه وبياناته الأخيرة. القومية العرقية دفع تراجع نتنياهو في الشرق الأوسط إلى استخدامه القومية العرقية، فهو يرى أنه مضطهد ممن حوله، ويرجع ذلك لتحالف العراق مع إيران، كما أن حزب الله أصبح قوة إقليمية، لا قوة لبنانية فقط. تتمثل الضربة الثالثة الموجهة لنتنياهو في تحالف سوريا مع إيران وحزب الله والعراق، وهو يخطط لحرب مقبلة؛ لتفكيك هذا التحالف. يواجه نتنياهو تسونامي دبلوماسيًّا، ليجد نفسه وحيدًا في الشرق الأوسط، وبالتالي بات مؤكدًا أنه مصاب بحالة ذعر، جعلته يخترق قمة سوتشي. المقال من المصدر: اضغط هنا