أزمة دبلوماسية غير مسبوقة اجتاحت الأجواء السياسية بين روسيا وأمريكا، لتشعل من جديد فتيل التوترات بين الطرفين، التي بقيت لفترة قصيرة تحت الرماد بعد تنسيق الطرفين فيما يخص الأزمة السورية وبالتحديد اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، لكن هذه المرة طالت الأزمة السياسية البعثات الدبلوماسية لدى كلا الطرفين، الأمر الذي يخالف الأعراف الدبلوماسية والمواثيق الدولية وهو ما لم تشهده العلاقات بين البلدين سابقًا حتى في ذروة الحرب الباردة. بعد تصريحات من الطرفين الروسي والأمريكي بالتعاون البناء في العديد من القضايا الإقليمية، اتخذت واشنطن قبل أيام قليلة خطوة جديدة لإشعال الحرب الدبلوماسية مع موسكو من جديد، حيث قررت إغلاق القنصلية الروسية فى سان فرانسيسكو وملحقيتين دبلوماسيتين إحداهما تجارية فى واشنطن والأخرى قنصلية في نيويورك، كما اجتاحت الأجهزة الأمنية الأمريكية مباني دبلوماسية روسية من المفترض أن تكون مسلحة بحصانات يضمنها القانون الدولي، حيث فتش عملاء فدراليون مبنى القنصلية الروسية في سان فرانسيسكو، الأمر الذي يعني أن الوجود الدبلوماسي في كلا البلدين سيقتصر على 3 قنصليات فقط. القرارات الأمريكية التي تمس الدبلوماسية الروسية أعدتها واشنطن جاءت ردًا على قرار الكرملين تقليص البعثة الدبلوماسية الأمريكية فى روسيا قبل أسابيع، حيث أمرت موسكو الشهر الماضى الولاياتالمتحدة بخفض عدد موظفيها الدبلوماسيين والفنيين فى روسيا بأكثر من النصف إلى 455 فردًا، وذلك ردًا على تصديق الكونجرس بأغلبية ساحقة على عقوبات جديدة ضد روسيا، وهو ما رد عليه الرئيس الأمريكي بالشكر إلى نظيره الروسى على خفض عدد العاملين بالبعثة الأمريكية الدبلوماسية فى روسيا، قائلًا: "لأن لدينا الآن موظفين أقل برواتب أقل". من جانبها، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناويرت، قبل اتخاذ واشنطن قرار إغلاق القنصلية الروسية فى سان فرانسيسكو وملحقيتين دبلوماسيتين فى واشنطنونيويورك: "في إطار روح المعاملة بالمثل التى استحضرتها روسيا نطلب من الحكومة الروسية إغلاق قنصليتها العامة فى سان فرانسيسكو وملحقية سفارة فى العاصمة واشنطن وملحقية قنصلية فى مدينة نيويورك"، وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن القرار اتخذ عملًا بمبدأ "المعاملة بالمثل". القرارات الأمريكية شكلت صدمة بالنسبة لروسيا، لكن ردها جاء سريعًا، حيث سلمت الخارجية الروسية احتجاجًا شديد اللهجة لوزير مفوض في السفارة الأمريكية في موسكو، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن الحكومةَ الأمريكيةَ تقوم بعملية تهريجٍ جهنمية حمقاء لا تستند لأي أسس شرعية أو قانونية، وذلك لإظهار جبروت الاستخبارات الأمريكية، وأكدت زاخاروفا، أن ما تتعرض له روسيا هو عملية استفزاز لجر الدبلوماسيين الروس إلى عمل عدائي بعدَ تعريضهم للإساءة والمضايقات، رافضة مشاركة بلادها في هذه المسرحية الرخيصة. من جانبه أكد السفير الروسي المعين على وقع التوترات الحالية أناتولي أنطونوف، مواصلةَ إصدار تأشيرات روسية للأمريكيين الراغبين رغم قيود واشنطن على المواطنين الروس، دونَ السماح بتدهور العلاقات على خلفية الأزمة الحالية، بل التفكير باستقرارها مع الجانب الأمريكي ثم محاولة المضي قدمًا بموجب ميثاق الأممالمتحدة كون روسياوالولاياتالمتحدة تتحملان الجزء الأكبر من مسؤولية الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. في ذات الإطار، طالبت روسيا، أمس الأحد، الولاياتالمتحدة بإعادة النظر في إغلاقها مقراتها الدبلوماسية، محملة واشنطن المسؤولية كاملة عن تدهور العلاقات بعد ما اعتبرته موسكو عملًا عدائيًا ضدها، وأعلنت وزارة الخارجية الروسية: نحن نعتبر ما حصل عملًا عدائيًا صريحًا وانتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي من قبل واشنطن، وأضافت: ندعو السلطات الأمريكية إلى العقلانية وإعادة المقرات الدبلوماسية الروسية، وإلا فإن كامل المسؤولية جراء التدهور المستمر في العلاقات بيننا تقع على عاتقها. الإجراءات الأمريكية الأخيرة وما سبقها من إجراءات روسية أقل حدة، تشكل انتكاسة جديدة للعلاقات الدبلوماسية والسياسية بين القوتين النوويتين والتي كانت قد بدأت تعود إلى مجاريها بعد تنازل الرئيس الأمريكي عن وجه نظره المتعنتة تجاه الملف السوري وإيكال إدارة هذا الملف إلى موسكو، لكن يبدو أن الإجراءات الجديدة ستدخل البلدين في دوامة الفعل ورد الفعل، حيث تعتبر كل منهما أي إجراء تتخذه هو رد فعل على إجراء سابق اتخذه الطرف الآخر.