أدى انهيار تنظيم "داعش" عند الحدود اللبنانية السورية، لخضوع مسلحيه لكل الشروط التي فرضت عليهم من قبل الحكومة السورية وحزب الله، لكن تنفيذ اتفاق انسحابهم إلى دير الزور، يبدو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحاول عرقلته، وهو الأمر الذي يكشف الاستياء الأمريكي من الدور المتعاظم لحزب الله في المنطقة أكثر من أي شيء آخر، فالردود الأمريكية الغاضبة غير مبررة. التحالف الدولي أعلن أن طيرانه دمر جسرًا بهدف عرقلة وصول قافلة تنقل مسلحي داعش من لبنان باتجاه مدينة البوكمال بريف دير الزور شرق سوريا، واعتبر المتحدث باسم التحالف ريان ديلون، أن نقل الإرهابيين من مكان إلى آخر ليس حلًا. المتحدث باسم البنتاجون إيرك باهون، صرح لعدد من وسائل الإعلام الأمريكية بأن الاتفاق الذي تم بين داعش من جهة وبين الحكومة السورية وحزب الله من جهة أخرى، لا يعني التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد داعش، وأن التحالف لن يلتزم به، وسيستهدف مسلحيه أينما وجدوا، وانتقد أيضًا الاتفاق ووصفه بأنه دليل على أن الحكومة السورية وحلفاءها لا يخوضون حربًا حقيقية ضد التنظيم، وإنما حرب كلام، حيث إنهم يسمحون لقوافل تقل مسلحي داعش بعبور أراضٍ يسيطرون عليها، على حد زعمه. مزاعم التحالف والبنتاجون بأن نقل المسلحين من مكان إلى آخر لا يشكل حلًا مردود عليها، فواشنطن قدمت الكثير من المقترحات المتعلقة بنقل المسلحين كحلول لتسوية الصراع في سوريا، فأمريكا رحبت بخطة المبعوث الأممي لسوريا استيفان دي مستورا، في شهر أكتوبر 2016، التي تقضي بخروج مسلحي جبهة النصرة الإرهابية طوعيا مع "أسلحتهم" إلى أي مكان يختارونه. في السياق ذاته كانت موسكو قد اعترضت على خطة أمريكية سعودية تشمل نقل مقاتلي "داعش" من الموصل إلى سوريا، وتقضي الخطة بنقل أكثر من 9 آلاف من مقاتلي "داعش" من الموصل إلى مناطق شرقية في سوريا لإشراكهم في عملية هجومية كبيرة يدخل ضمن أهدافها الاستيلاء على مدينتي دير الزور وتدمر. وكشف مصدر دبلوماسي روسي لوكالة "نوفوستي" الروسية، أن رئاسة الاستخبارات العامة السعودية تولت دور الوسيط والضمان للاتفاق مع مقاتلي "داعش" حول إخراجهم من الموصل، مشيرا إلى أن عملية بهدف مماثل نفذت خلال استعادة مدينة الفلوجة العراقية في يونيو من العام الماضي. وحول اتفاق الجرود، ذكر البنتاجون أيضًا أن الغارات لم تستهدف القوافل التي كانت تقل مسلحي تنظيم داعش لكونها تقل مدنيين وأطفالا ونساء، لكنه استهدف الطرقات التي يتوقع أن تعبر عليها تلك القوافل، ودمر جسرًا وأنه لم يسمح بأي حاله من الأحوال لتلك القوافل بالوصول إلى الحدود العراقية، لكي تكون مشكلة على العراق أو التحالف الدولي التعامل معها، وذكر البنتاجون أن اتفاقات من هذا النوع ليست حلًا. ويبدو أن الحديث الأمريكي يحاول الإيهام بأنه يتبع قواعد اشتباك تحدد عمل قوات التحالف الذي تقوده واشنطن في سوريا، حيث من المفترض أن تمنع هذه القواعد من أي استهداف مباشر لمدنيين أو أطفال أو نساء في حال كان التحالف غير قادر على التميز بين مسلحي داعش والمدنيين، وبالفعل هناك جرائم من قبل قوات التحالف وقعت ضد ضحايا مدنيين، وحين سئل عنها المتحدث باسم البنتاجون كتلك التي حدثت في الرقة على سبيل المثال عندما كان التحالف يستهدف مسلحي داعش، رد باهون، بأنهم حاولوا عدم استهداف المدنيين، "لكن هناك خسائر بشرية عرضية لا يمكن تجنبها" على حد قوله. حديث البنتاجون عن الجرائم الأمريكية ضد المدنيين بسطحية ووصفها بالعرضية فيه الكثير من الاستخفاف بالدماء التي سالت، فنحو 500 مدني قتلوا في القصف الجوي الأمريكي على أحد أحياء الشطر الغربي من مدينة الموصل قبل نهاية مارس الماضي، وفي شهر مايو الماضي ارتفع عدد القتلى الذين سقطوا بنيران تحالف واشنطن، منذ 23 سبتمبر 2014 إلى 7986 قتيلا بينهم 1481 مدنياً سوريا. المفارقة أن واشنطن قدمت أسبابا إنسانية قالت إنها منعتها من استهداف حافلات داعش المتجهة من الجرود إلى البوكمال، وتناست أن لحزب الله أسبابه الإنسانية التي جعلته يمضي في طريقه لإبرام اتفاق الجرود. وأصدر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بيانًا يرد من خلاله على الانتقادات العراقية لإخراج عناصر جماعة داعش الإرهابية إلى منطقة البوكمال الحدودية مع العراق، وأوضح من خلاله الأمور الإنسانية والسياسية التي اقتضت إبرام مثل هذا الاتفاق، وقال البيان إن الذين تم نقلهم ليسوا أعداداً كبيرة، وإن 310 من المسلحين المهزومين المنكسرين المستسلمين الفاقدين لإرادة القتال لن يغير شيئًا في معادلة المعركة في محافظة دير الزور التي يتواجد فيها كما يقال عشرات الآلاف من المقاتلين. الجدير بالذكر أن الأمين العام لحزب الله كان قد أوضح في خطابه الأخير أن الصفقة كانت تضم مدنيين أيضًا، حيث شمل الاتفاق إجلاء 670 مدنيا و26 جريحا، و310 مسلح من "داعش". وأكد بيان حزب الله، بالأمس، أنه كان للبنان قضية إنسانية وطنية جامعة هي قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين من قبل داعش منذ عدة سنوات، وكان الطريق الوحيد والحصري في نهاية المطاف هو التفاوض مع هؤلاء المسلحين لحسم هذه القضية الإنسانية الوطنية. ويرى مراقبون أن الغضب الأمريكي ليس لأن حزب الله سمح بنقل مسلحي داعش إلى الحدود السورية العراقية، فواشنطن هي بالأساس من أعطت الضوء الأخضر لأنقرة لفتح حدودها أمام أفراد الفصائل المسلحة لتتنقل بحرية بين الحدود التركية والسورية والعراقيةواللبنانية، ولكن واشنطن تريد أن ترد الصاع لروسيا عندما رفضت الأخيرة طلبًا أمريكيًا بنقل مسلحي داعش من الموصل إلى سوريا، ومن جهة أخرى تحاول واشنطن تنغيص أي إنجاز يحسب لحزب الله كقوة فاعلة تحارب الإرهاب الداعشي وغيره، كجزء من محاولاتها المعتادة في شيطنة الحزب المقاوم ضد الكيان الصهيوني، ناهيك عن أن حركة حزب الله بنقله مسلحي داعش إلى مناطق حدودية تتواجد فيها قوات أمريكية، تحمل في طياتها رسالة مبطنة لواشنطن مفادها "هذه بضاعتكم ردت إليكم".