في ألمانيا، يبدو خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مثيرا للسخرية واليأس، ويعوق النمو الثقافي والسياسي في تركيا، ولذلك لم تعد مواقفه الرجعية مسألة مضحكة. حين يتحدث أردوغان، مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أو وزير الخارجية، يقدم نفسه باعتباره الرجل القومي، وحامي الأتراك. فعل مصطفى كمال أتاتورك الشيء نفسه، ولكن أخلاقه كانت أفضل كثيرا من أردوغان. هاجم أردوغان، وزير الخارجية الألماني سيجمار جابريل، قائلا إنه شخص لا يعرف مكانه، وتابع: "من يظن نفسه حين يتحدث مع الرئيس التركي؟" بعض الألمان يتذكرون الماضي حين يستمعون إلى كلمات أردوغان، خاصة من ولدوا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، إذ يذكرهم الرئيس التركي بالمعلمين الأتراك الصارمين ومواقفهم الاستبدادية التي سرعان ما أصبحت جزءا من الماضي، وإن كان بعض هؤلاء المعلمين قد نالوا بعض التعاطف، فإن أردوغان لا يحظى ولا يستحق أي تعاطف معه، بل على العكس من ذلك، إذ يعد موقفه الاستبدادي محاولة للتلاعب التاريخي. توضح المقارنة بين أردوغان وأتاتورك المأزق التاريخي الذي وقعت فيه تركيا، فلا يمكن المقارنة بين الشخصين، حيث يعد أتاتورك مجرد منافس خيالي للرئيس التركي. يتذرع أردوغان بالتاريخ العثماني ومن ثم الإسلامي، حيث يريد أن ينأى بنفسه عن علمانية أتاتورك، ولكن اعتماده على هذه الأيدولوجية العنيدة لن تمنحه حلولا طويلة الأجل، ولن تصل به إلى سياسة أتاتورك. ما يجمع أردوغان وأتاتورك حقا، هو استغلالهما الكامل لثقافة الخوف، ويرجع هذا في أصله إلى الإمبراطورية العثمانية، حين كان الغرب ينظر إليها على أنها رجل أوروبا المريض، وفي ضوء التدهور السريع للسلطة، طور الأتراك الشعور بأنهم محاصرون من قبل الأعداء، وأدت الأخطاء السياسية التي ارتكبتها الدولة العثمانية إلى خسائر إقليمية مؤلمة، مما منح الأكراد شعورا بأن جيرانهم يعملون ضدهم، ومن هنا ولدت القومية التركية. تستغل النخب السياسة منذ ذلك الحين هذا الشعور الجماعي، فقد اعتمد أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، على النغمة القومية التي يستخدمها أردوغان اليوم، كما أن ما يشترك فيه الزعيمان هو رغبتهما في استعادة نغمة أساطير الماضي للشعب التركي. يستخدم أردوغان الماضي والتاريخ للتعويض رمزيا عن خسارته الحقيقية للسلطة، هذا العذر قد يكون ممكنا أثناء السنوات الأولى من توليه منصبه، ولكنه أصبح نهجه المستدام وسيتبعه للفوز في الانتخابات الرئاسية عام 2019. لا يرى أردوغان مشكلة في وهم الأتراك بأساطير الماضي، وهو على استعداد لمنع وصولهم إلى الحاضر من أجل نجاحه السياسي الشخصي.