في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة العراقية إقناع إقليم كردستان بالتنازل عن مبدأ الانفصال عن الدولة، ومع محاولات إيرانية وتركية حثيثة لمنع هذا الاستفتاء، جاء قرار مجلس محافظة كركوك ليزيد الطين بلة، ويفتح صفحات جديدة من التنافس والصراع السياسي في العراق. كركوك نحو الانفصال صوّت مجلس محافظة كركوك، أمس الثلاثاء، بغالبية أعضائه على شمول المحافظة في استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق المقرر إجراؤه يوم 25 سبتمبر المقبل، حيث صوت 24 عضوًا من إجمالي 41 من أعضاء المجلس لصالح تقديم طلب للمفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء في كردستان العراق لإجراء الاستفتاء بالمحافظة، فيما امتنع اثنان عن التصويت، وهو ما سيترتب عليه تقديم خطاب رسمي باسم مجلس المحافظة للمفوضية للمطالبة بإجراء الاستفتاء بكركوك. جلسه التصويت شابتها العديد من التوترات، حيث تمت عملية التصويت بحضور محافظ كركوك نجم الدين كريم، وباقي الأعضاء من مختلف المكونات، بينهم 3 أعضاء من المسيحيين والعضو بالقائمة التركمانية عرفان كركوكي، فيما امتنعت الجبهة التركمانية والكتلة العربية عن حضور الجلسة، وقدم الطرفان في وقت سابق خطابًا رسميًا إلى رئاسة مجلس المحافظة يفيد بمقاطعتهما للجلسة على خلفية إدراج الاستفتاء بجدول الأعمال، حيث يرفض التركمان والعرب شمول محافظة كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها باستفتاء كردستان. تصويت محافظة كركوك جاء بعد أن أعلن المجلس الأعلى للاستفتاء في كردستان، أن إجراء عملية الاستفتاء بالمناطق الواقعة خارج إدارة الإقليم يتطلب التقدم بطلبات من مجالس المحافظة والأقضية والنواحي لإجراء الاستفتاء فيها، حيث يعيش أكثر من 2.5 مليون شخص بالمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، وتحاول الأخيرة حشد الأصوات في هذه المناطق لصالح الانفصال، وهو ما ظهر حينما قررت المفوضية العليا للاستفتاء والانتخابات بكردستان تخصيص 11 ألف صندوق اقتراع للعملية في تلك المناطق. أطراف رافضة حكومة بغداد تعتبر على رأس الأطراف الرافضة لانضمام كركوك إلى الاستفتاء، فرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، لم يأل جهدًا في منع قيادة كردستان من تنفيذ استفتاء الانفصال أو على الأقل تأجيله، لكن في الوقت الذي يخوض فيه محادثات ماراثونية مع كردستان تخرج كركوك لتزيد الضغوط عليه، وذلك في الوقت الذي تغلق فيه العراق ملف داعش عسكريًا بعد تحريرها للعديد من المدن الاستراتيجية مثل الموصل وتلعفر، وانتقد العبادي، قرار مجلس محافظة كركوك واصفًا إياه بأنه "مرفوض وخاطئ"، مؤكدًا أنه "إجراء غير دستوري ولا قيمة له"، وأضاف العبادي أن القرار يؤدي إلى اتساع هوة الخلافات بين بغداد وأربيل. من جانبها رفضت الكتلة التركمانية قرار المجلس، قائلة إن إدارة كركوك التي يهيمن عليها الأكراد وقائمة كركوك المتآخية أثبتوا مجددًا أنهم لم يعودوا يعترفون بأي شراكة في المحافظة وينتهجون نهجًا أحاديًا انفراديًا ضاربًا بعرض الحائط الدستور العراقي والقوانين النافذة، فيما رد عضو ائتلاف دولة القانون محمد العكيلي، على القرار بالقول بأن هذه الخطوة من شأنها أن تزيد الخلاف، خصوصًا أن كثيرًا من الملفات بقيت بلا حلول بسبب التعنت الكردي، كما اعتبر المكون العربي أن التصويت الذي تم غير دستوري، وقال: لسنا ملزمين بأي إجراءات مستقبلية قد تؤدي إلى تغيير حال المحافظة. من جانبها استشاطت تركيا، التي تبذل قصاري جهدها لمنع الأكراد من تكوين دولة مستقلة لهم، غضبًا من قرار مجلس كركوك، ونددت بالتصويت معتبرة أن تصرفات الإقليم الكردي الخطيرة تضر باستقرار المنطقة، واعتبرت وزارة خارجيتها في بيان أن تصويت مجلس كركوك حلقة ضمن سلسلة الأخطاء التي يشكل قرار إقليم كردستان العراق إجراء الاستفتاء أولى حلقاتها. أهمية كركوك تعتبر كركوك خارج الحدود الإدارية لإقليم كردستان العراق، حيث إنها منطقة نزاع بين بغداد وأربيل، لكن قوات البشمركة الكردية تسيطر عليها وعلى آبار النفط في المنطقة منذ تمدد "داعش" في المنطقة، كما تهيمن القوى السياسية الكردية على منصب المحافظ، وتتشارك في عضوية مجلس المحافظة قوى سياسية تمثل الأكراد والعرب والتركمان. على جانب آخر، فإن محافظة كركوك غنية بالنفط الذي يعد موردًا للميزانية العامة للعراق ومصدرًا من مصادر الثروة الوطنية لكل الشعب العراقي، الأمر الذي يجعلها مكسبا سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا لكل من حكومة بغداد وإقليم كردستان الذي سعى حثيثًا لضمها إليه لتجنب أي ضائقة اقتصادية بعد الانفصال عن الدولة العراقية، وطالما كان الإنتاج النفطي في المحافظة موضع خلاف وجدل بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والسلطات العراقية. مؤشرات سابقة اتجاه كركوك نحو الانفصال لم يكن مفاجئًا بالنسبة للمتابعين للملف العراقي، فقد سبق أن أظهرت هذه المحافظة العديد من المؤشرات التي كشفت نية المجلس الذي يسيطر عليه الأكراد خوض الاستفتاء إلى جانب كردستان، وطالب محافظ كركوك والعضو في الاتحاد الوطني الكردستاني نجم الدين كريم، في أبريل الماضي، برفع علم كردستان إلى جانب علم العراق في جميع دوائر المحافظة واعتماد اللغة الكردية رسميًا إلى جانب العربية، الأمر الذي اعتبره الرافضون للقرار خاصة النواب العرب والتركمان، قفزًا على التوافقات السياسية بل تجاوزًا أيضًا لمقتضى المادة 140 من الدستور العراقي، التي تصنف كركوك كإحدى المناطق المتنازع عليها والتي يرجع الحسم فيها للتفاهم بين الأطراف العراقية المختلفة. دعم كردستاني واضح قرار كركوك الاتجاه نحو الانفصال جاء مع تأكيد رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، تمسك الأكراد بموعد الاستفتاء وممارسة حقهم البديهي في تقرير المصير، وشدد على أنه بعد رفض العراق لهم كشركاء فإن الخيار هو الاستفتاء والاستقلال، وقال بارزاني، في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط"، أمس الأربعاء، إن الفرصة الوحيدة لإرجاء الاستفتاء هي الحصول على ضمانة خطية قاطعة من بغداد وواشنطن والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بقبول نتائج الاستفتاء في حال إرجائه 6 أشهر أو سنة، مؤكدًا أن الدولة الكردية المستقلة ستتمسك بحرية قرارها. وعن خطته في حال قررت فصائل الحشد الشعبي استرجاع كركوك، التي قررت المشاركة في الاستفتاء، بالقوة، قال: مستعدون للتفاوض مع بغداد حتى بعد الاستفتاء على موضوع الحدود بما فيها كركوك، لكن كركوك مدينة كردستانية، هويتها هوية كردستانية، ومستعدون أن نجعل منها نموذجًا يحتذى به في التعايش القومي والديني والمذهبي، لكن أي قوة تفكر في أن تسترد كركوك بالقوة سيواجهها كل شعب كردستان المستعد للموت إلى آخر شخص للدفاع عنها.