يزور وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، منطقة الخليج منذ اندلاع الأزمة الخليجية، في جولة تعد الأولى له، بدأها من الكويت ثم سيذهب إلى قطروالإمارات العربية المتحدة لبحث سبل نزع فتيل الأزمة. دعت موسكو منذ بدء الأزمة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ثانية، لحل النزاع بالطرق الدبلوماسية، ووقفت على مسافة واحدة من كل الأطراف، بل كانت قِبلة لوزراء خارجية دول خليجية وعربية لاطلاع مسؤوليها على تطورات الأزمة وأبعادها. روسيا ليست بعيدة عن أجواء الأزمة الخليجية وتفاصيلها المعقدة، لكن يبدو أنها فضلت الانتظار لحين تتضح مسارات الوساطة الناشطة على أكثر من مستوى، سواء كان إقليميًّا أو حتى دوليًّا، وفي هذا السياق يرى متابعون أن جولة وزير الخارجية الروسي إلى المنطقة تأتي في إطار المقاربة الروسية المبنية على أهمية تسوية الخلافات بالحوار وتجنب التصعيد. المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قالت، إن جدول أعمال جولة لافروف إلى منطقة الخليج يتضمن بحث الأزمة السياسية بين قطر وأربع دول عربية، إضافة إلى تسوية الأزمة السورية، وأكدت أن موسكو تدعو الدوحة وعددًا من العواصم العربية الأخرى إلى التخلي عن المواجهة وبحث الخلافات حول طاولة المفاوضات. دخول موسكو على خط الوساطة الخليجية لا يمكن تصوره بعيدًا عن الملفات الإقليمية الأخرى، التي تضلع بدور رئيسي فيها، مما يشير إلى أن هناك استثمارًا روسيًّا سياسيًّا قد يتضمن إثارة حزمة الملفات الإقليمية العالقة. لافروف سيسعى أيضًا لتعزيز الدور الروسي في منطقة الخليج، وإيجاد موطئ قدم لموسكو يمكن الكرملن من تسويق الأداء الروسي في المنطقة، مستفيدًا من العثرات غير المحسوبة للتحركات الأمريكية، بما في ذلك ابتعادها عن النزاهة في وساطتها الخليجية، كما أن واشنطن لم تقدم حتى الآن صيغًا موضوعية لحل الأزمة. وتأتي الزيارة الروسية للمنطقة قبل أسابيع من الجولة المقبلة للمفاوضات السورية السورية في آستانا، وروسيا تعي جيدًا الدور الخليجي في الأزمة السورية، ويرى مراقبون أن زيارة لافروف لن تبتعد كثيرًا عن تناول الملف السوري أكثر من مناقشة الأزمة الخليجية، فالجدية في بحث تلك الأزمة يستلزم بالضرورة زيارة للرياض كطرف أصيل في الأزمة، كما أن روسيا أكدت أنها تدعم الوساطة الكويتية، وبالتالي لا جديد تقدمه روسيا في ملف الأزمة الخليجية. الاهتمام الروسي بالدوحة أكثر من الرياض له ما يبرره، فالدوحة أعلنت عن تقاربات جديدة مع طهران حليفة موسكو فيما يخص عودة العلاقات الدبلوماسية معها، كما أن الدوحة تحتاج إلى المنافذ الإيرانية لكسر الحصار المفروض عليها برًّا وبحرًّا وجوًّا من شقيقاتها الخليجيات، وبالتالي تبقى الظروف سانحة للافروف للحصول على ضمانات قطرية فيما يخص الأزمة السورية. من جهة أخرى، العلاقات الروسية التركية توصف حاليًا بأنها شبه مستقرة، وبالتالي لن تفوت موسكو الفرصة في استثمارها في علاقاتها مع قطر، فأنقرة داعم أساسي للدوحة في خلافها الخليجي، وبالتالي أيضًا يمكن لقطر في تلك الظروف تمرير بعض التنازلات في سوريا، في ظل التقارب الروسي التركي الإيراني، خاصة أن روسيا تعلم أن الدوحة لن تمرر زيارة لافروف لها من دون إرسال رسائل إلى واشنطن، خاصة أن الأخيرة لها موافق ضبابية من أطراف الأزمة الخليجية، كما أنها من الحين للآخر تلوح بسحب قواعدها العسكرية من الدوحة، وتتهمها بدعم الإرهاب. وكما أن للدوحة رسائل لواشنطن، فإن لروسيا رسائلها هي الأخرى للبيت الأبيض، فزيارة موسكو للدوحة من شأنها أن تشعل الضوء الأحمر في المكتب البيضاوي، فواشنطن لا تريد بحال من الأحوال خسارة طرف خليجي حليف لها لصالح روسيا، الأمر الذي يبدو أن موسكو متنبهة إليه ولا تريد إثارة واشنطن، خاصة في ظل التوافق الروسي الأمريكي الحالي، حول مناطق خفض التوتر في سوريا، مما دفع موسكو لتسليط الضوء على الملف السوري أكثر من موضوع الوساطة في الأزمة الخليجية، فزيارة لافروف للإمارات اليوم، أعلن فيها أنه على المعارضة السورية الابتعاد عن لغة التهديد والعودة إلى طاولة المفاوضات، مؤكدًا أن موسكو ستدعم جهود الرياض في توحيد المعارضة السورية، ذكر الرياض، ويرى مراقبون أن لافروف أراد مسك العصا الخليجية من المنتصف، فصحيح أن روسيا استثنت الرياض من جولتها، لكنها في الوقت ذاته تدعم تحركاتها السياسية في الملف السوري، وبالتالي موسكو لا تنحاز لطرف خليجي على حساب الآخر. وقال لافروف، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان في أبو ظبي اليوم: على المعارضة أن تتصرف بشكل واقعي وتتخلى عن الإنذارات النهائية، التي لا تتماشى مع تلك القواعد التي أقرها مجلس الأمن الدولي، وأكد مجلس الأمن أن السوريين يجب أن يقرروا بأنفسهم مصير بلدهم، ولا توجد أي شروط مسبقة، مؤكدًا أن موسكو معنية بتنسيق الجهود مع الإمارات العربية المتحدة في مجال تسوية الأزمات في سوريا والعراق واليمن وليبيا. في المقابل أكد وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد آل نهيان، أن توحيد المعارضة جزء من إنجاح مساري أستانا وجنيف، مشيدًا بجهود موسكو والقاهرة في إقناع وفود المعارضة على المشاركة في اجتماع الرياض. زيارة لافروف للمنطقة قد تبعث برسائل أخرى إلى واشنطن، مفادها أن لروسيا دورًا مهمًّا في منطقة الشرق الأوسط، حيث لم تعد واشنطن اللاعب الوحيد فيه.