شهدت الآونة الأخيرة بداية تصدع التحالف بين حركتي النداء والنهضة التونيسيتين على خلفية عدد من المشاهد والمواقف أعطت مؤشرات كثيرة بوجود خلافات عميقة بين الكتلتين، الأمر الذي يدفع باتجاه فك الارتباط الذي أسس له لقاء باريس بين الرئيس الباجي قائد السبسي، وراشد الغنوشي في صيف العام 2013. التباين في المواقف بين الحركتين معروف منذ بناء التحالف الذي تشكلت على إثره الحكومات المتوالية منذ تولي الرئيس السبسي، ولكن هذا التباين كان صامتًا أمام تعهدات الجانبين بتنحيته جانبًا مقابل السير بالبلاد إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي أعقب فترة حكم النهضة التونسية منفرده بعد ثورة 2011، وهو أمر كان له أثر بالغ السوء على البلاد داخليًا وخارجيًا، بينما ما يحدث الآن هو انكشاف هذا التباين إلى حد إحراج رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي. مبادرة السبسي كانت مبادرة الرئيس السبسي بشأن «المساواة بين المرأة والرجل في الإرث»، و«السماح للمرأة التونسية المُسلمة بالزواج من غير المسلم»، التي أثارت الكثير من الجدل، هي العقبة التي قال مراقبون إنها قد تنهي التحالف بين النداء والنهضة، حيث وضعت النهضة وزعميها راشد الغنوشي في مأزق جديد متعلق بجوهر أدبيات الحركة وثوابتها الفكرية وهويتها ومرجعيتها الإسلامية. بهذه المبادرة زعزع الرئيس التونسي مكانة الغنوشي على الصعيدين الإقليمي والدولي، خاصة علاقته بالإسلاميين وجماعة الإخوان المسلمين، وظهر ذلك برفض الكثير من الإسلاميين وأعضاء الجماعة في الخارج هذه المباردة والإساءة حتى للرئيس التونسي، الذي كفره القيادي الإخواني وجدي غنيم المقيم بتركيا، إلى جانب أن صمت الغنوشي أمام المبادرة أظهر مدى ضعفه داخل حركته التي تعاني أصلا من صراع داخلي وشرخ حاد بأبعاد سياسية وفكرية. في نفس الوقت فأن هذه المبادرة السبسية التي مازالت تثير الجدل داخل الأوساط التونيسية، بدأت رسم علقة جديدة بين الرئيس التونسي والغنوشي، الذي لم يمنع الصمت الذي التزمه من بروز معركة قد تبدأ في المشهد السياسي بين الحركتين أذا ما حكم الجانبين العقل ليس فقط بين زعمائهم بينما لاصغر اعضاء الحركة، الأمر الذي يعتبر من التحديات الواسعة في استمرار الارتباط بين الحركتين. الخلاف الحكومي والوزاري الخلاف بين حركة النهضة والنداء ليس ناتجا فقط عن مبادرة السبسي، إذ إن هناك مؤشرات على عدم التوافق فيما يخص المشهد السياسي، فثمة معلومات نشرتها بعض الصحف التونيسية تؤكد أن الائتلاف الحكومي التونسي يشهد توترات داخلية على خلفية موضوع التعديل الوزاري، ويقول مراقبون إن هناك حالة من عدم اليقين بشأن مصير التحالف الحكومي. وفي حين بدأ رئيس وزراء تونس يوسف الشاهد، بالتشاور مع الأحزاب التونسية بشأن التعديل الوزاري ظهر على السطح وجود خلافات كبيرة وتبيانات تتعلق بحجم التعديل بين الأحزاب التونسية الكبيرة خاصة بين النهضة ونداء تونس. وقال مراقبون إن نداء تونس يطالب بتقييم شامل لكل الحقائب، بينما تفضل حركة النهضة تعديلاً جزئياً يشمل المناصب الشاغرة وتأجيل التعديل الكبير لما بعد الانتخابات البلدية وإقرار موازنة العام المقبل، وجاء بيان النهضة الأخير ليؤكد هذا الطلب، وقال إنه لا داعي للاستعجال في إجراء التعديل الشامل، وإن الحكومة عليها أن تحافظ على أكبر قدر من الاستقرار، وهو ما يتعارض مع رؤية النداء للموضوع. وفيما يخص تفاصيل التعديل، كشفت وسائل إعلام أن الشاهد يرى ضرورة أن يكون وزير الداخلية الهادي مجدوب، على قائمة المغادرين، ويتفق "النداء" في ذلك مع الشاهد ومع الرئيس السبسي، فيما تعارضه "النهضة" لأن خطوة كهذه قد تهدد استقرار البلاد، وفق تصور الحركة التي تعتبر أن هناك تحسناً في الأداء الأمني على كل المستويات، ولكن يبدو أن الوزير نفسه يريد أن يغادر، وبقي الاتفاق على البديل، وهو ما برزت في شأنه أيضاً خلافات كبيرة بين الحزبين الكبيرين.