ليس للصين دور رئيسي، حين يتعلق الأمر بالأزمات والصراعات المتعددة التي تشعل الشرق الأوسط اليوم، سواء كانت الحرب على داعش أو الصراع في ليبيا أو المواجهات المحيطة بقطر أو الحرب في اليمن، ويبدو أن بكين ليست ذات مصلحة كبيرة في أي من هذه القضايا. يمكن للتصورات أن تكون خادعة، والواقع أن الصين مستثمر اقتصادي في عديد من بلدان المنطقة، تتخطى الاتحاد الأوروبي وروسياوالولاياتالمتحدة كونها أهم شريك تجاري في عدة بلدان، ومن المتوقع أن يؤدي مشروع "حزام واحد طريق واحد" لتعزيز العلاقات الاقتصادية الصينية في المنطقة. تجلب المصالح الاقتصادية المصالح السياسية والأمنية، والسؤال هنا إلى أي مدى يمكن للصين أن تصبح قادرة ومستعدة للمشاركة السياسية في الشرق الأوسط؟ تعد مشاركة الصين في المنطقة أمرا ضروريا وليس اختياريا، لاسيما أن وارداتها من النفط مصدرها الشرق الأوسط وخاصة من دول الخليج، والأهم أن الصين لديها مصلحة كبيرة في توطيد علاقتها التجارية مع المنطقة، إن لم توسعها. تواجد الصين في شمال إفريقيا ليس كبيرا، حيث وصل حجم تجارتها مع مصر في عام 2015 إلى 12.9 مليار دولار، وما تزال العلاقات التجارية عبر الحافة الجنوبية من البحر المتوسط تهيمن عليها دول الاتحاد الأوروبي، وفي منطقة شرق البحر المتوسط، أصبح الوجود الاقتصادي للصين أكبر، لتبرز تركيا بمثابة أهم شريك تجاري بمبلغ 21.6 مليار دولار لعام 2015، كما أنها أهم الشركاء الاقتصاديين لسوريا، فهي تسيطر على 50% من تجارة البلاد. تتركز أكبر بصمة اقتصادية للصين في منطقة الخليج، وليس غريبا أن تحظى السعودية بأكبر بمنصب وأكبر شريك تجاري بقيمة 52 مليار دولار لعام 2015، أما ثاني أكبر شريك هي الإمارات العربية المتحدة بمبلغ 48 مليار دولار، وتحتل إيران المركز الثالث بقيمة 34 مليار دولار، وهي تساعد إيران في تطوير محاطتها النووية، وتشارك الرياض في بناء مترو الأنفاق. توسيع العلاقات الاقتصادية سيترتب عليه آثار سياسية أيضا، وبالنسبة للصين سيكون هناك مصالح أكبر تدفعها لحماية خطوط اتصالاتها البحرية الرئيسية، وسيتعين عليها التعامل مع معظم الحكومات وليس القطاعات الخاصة. تظهر تجارة الأسلحة الصينية، حيث باعت بكين أسلحة بقيمة مئات الملايين من الدولارات لسوريا والعراق وإيران واليمن، ومع ذلك، في الوقت الراهن، لا تزال الصين لاعبا صغيرا نسبيا في تجارة الأسلحة في الشرق الأوسط، على سبيل المثال، بين عامي 2012 و2016، كانت مسؤولة فقط عن 0.12% من واردات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، و0.1% لمصر والإمارات العربية المتحدة، أقل من 0.4% للعراق و0.7% إلى تركيا و12.3% إلى إيران، ومع ذلك، أبرمت بكين في العام الماضي مع الرياض صفقة أسلحة شملت شراء طائرات بدون طيار. وسط هذه العلاقات الصينية مع بلدان الشرق الأوسط، لا يمكن تصور خروج الصين من الجدل السياسي، ومن الواضح أن بكين تأمل في الحفاظ على سمعتها بعيدا عن الانطباعات الإمبراطورية. تتحدث الصين بحسم عن رغبتها في استعادة طريق الحرير القديم، الذي غاب لعدة قرون، والأهم أنها ترتقي باستراتجيتها تجاه الشرق الأوسط، ودوما تعلن عن عدم تدخلها في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط، وتتبع نهجا حذرا، والهدف، إبقاء جميع الأطراف الفعالة أطرافا صديقة، أو على الأقل لا تخلق أي أعداء. تدعم الصينإيران في برنامجها النووي، وهذا النهج يحمل مخاطر في طياته، وسيؤثر على مصالح الولاياتالمتحدةوروسيا أيضا، لكن يرى العديد من المحللين أن الصين لا تكترث لأمريكا باعتبارها الجهة الخارجية الفعالة الرئيسية، وقد تصبح روسيا أكثر توترا بسبب فيضان الاستثمارات الصيني الذي قد يغزو سوريا، حيث بدأ مشاريع البنية التحتية؛ لإعادة إعمار سوريا والعراق بعد خروج داعش منهما. يكمن خطر آخر في إصرار الصين على إبقاء النظم القديمة في المنطقة، الذي يتشابه مع الدعم الأمريكي والبريطاني لشاه إيران بعد الثورة 1979. على الصين دراسة انتشار التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط بعناية، ويقال إن أكثر من مائة من الأويغور الصينيين، انضموا لصفوف داعش على مدى السنوات القليلة الماضية، وبالتالي من مصلحة بكين عدم الاشتباك مع السكان المسلمين في منطقة شينجانغ. تأمل الصين في أن تحل استثمارتها الاقتصادية الضخمة محل الوجود العسكري في المنطقة، فهي لا ترغب في استخدام القوة وتقديم نفسها كونها إمبراطورية جديدة تفرض إرادتها على المنطقة، وحتى الآن تعد المشاركة العسكرية الصينية متواضعة، فقد أنشأت قاعدة بحرية في جيبوتي، ولديها قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في لبنان، وبعض المستشارين العسكريين في سوريا، لكنهم لا يشاركون في التحالف على داعش، وبالتالي، الصين سعيدة بالتوسع الاقتصادي تحت المظلة الأمنية الأمريكية. لا يمكن أن تستمر الولاياتالمتحدة في تقديم المظلة الأمنية للصين، وربما تضطر الصين لزيادة وجودها العسكري في الشرق الأوسط لضمان أمن مصالحها الاقتصادية. توسيع وجود الصين العسكري في المنطقة سيظهر تحديات ومخاطر جديدة لبكين، في كيفية التعامل مع الولاياتالمتحدة والهند، فالتوسع الاقتصادي في الشرق الأوسط يعني التوسع العسكري، وبالتالي على الصين التدقيق في تعقيدات الشرق الأوسط، ووضع استرايجية أكثر وضوحا بشأن طريقة تعاملها في المنقة ككل، بما فيها اتخاذ بعض الخيارات السياسية الصعبة، فإن لم تكن بكين مستعدة لاختيار من بين هذه الخيارات، سيختار غيرها. المقال من المصدر: اضغط هنا