قبل 3 أشهر، كانت رزان مصطفى سعد، الطفلة التي لم تتخط عقدها الأول، تلهو مع أقرانها في الشارع، وبينما هي تجري وتصرخ وتنطلق في كل مكان، توقفت فجأة عن اللعب، ووضعت يدها على أذنها اليُمنى، وخاطبت والدتها التي كانت تجلس في الجوار بكلمات مقتضبة: "أمي أنا مش سامعة أي حاجة". أسرع بها والديها إلى الأطباء بعدما تأثرت العين اليُمنى أيضًا بصورة مفاجئة أفقدتها التركيز والرؤية الواضحة، فطلب منهم طبيب المخ والأعصاب إجراء أشعة مقطعية عاجلة على المخ لتشخيص حالتها بصورة دقيقة وبعد اطلاعه على نتائج الأشعة التي تكلفت أكثر من 3 آلاف جنيه أخبرهم بالصدمة: "بنتكم عندها ورم على المخ"، وطالبهم بأن يذهبوا بها فورًا إلى مستشفى سرطان الأطفال 57357. وبحسب تقارير مستشفى الأطفال الجامعي التخصصي -أبو الريش، الصادر بتاريخ 25 أبريل الماضي، التي حصلت "البديل" على صورة منه، تم تشخيص حالة رزان بأنها تعاني من ورم بالغدة النخامية، وتم إجراء عملية جراحية لها لتركيب "صمام أومايا" بالورم لسحب المياه الزائدة والمريضة ما تزال تحت العلاج داخل المستشفى وتحتاج إلى عملية جراحية أخرى لاستئصال الورم. الصدمة قال والدها الأربعيني مصطفى سعد ل"البديل"، إنهم بعدما اتجهوا برزان إلى مستشفى 57 بسبب استمرار شكواها من الألم المتكرر في الرأس نتيجة تشعب الورم الذي يضغط على عصب العين اليُمنى ومركز البلع لديها ويُفقدها الاتزان طول الوقت، انتظروا لساعات طويلة أمام العيادات الخارجية على بوابات المستشفى الشهير. بعد صعوبة دخوله، اضطر والدها قطع كشف طبي ب500 جنيه، وأخذ دوره لمقابلة استشاري الأورام داخل مستشفى سرطان الأطفال 57357، فأكد لهم أن ورم رزان حميد وتوجد مياه زائدة على المخ في حاجة عاجلة إلى سحب هذا السائل الناتج عن إفرازات الورم، وقال لهم حرفيًا: "إحنا آسفين ليك مش هنقدر نقبلها حاول تتصرف بره عشان مش هتدخل هنا.. مافيش مكان"، واستخرج لهم جواب من إدارة المستشفى بتحويلهم إلى مستشفى أبو الريش الجامعي. داخل مستشفى أبو الريش، تم تركيب "صمام أومايا" بالورم للطفلة من وراء أذنها اليُسرى يصل إلى المعدة وتم سحب السائل الزائد منه بمعدل 60 سنتيمتر يوميًا، واستمروا على هذا الوضع لأكثر من أسبوعين، حتى صدر لهم إذن بالخروج وإعطائهم كشف بالمتابعة لسحب السائل الزائد. الأمل الأخير والد رزان قال إن جميع الأطباء الاستشاريين الذين تم عرض حالة رزان عليهم، أكدوا أن أملهم الوحيد في مستشفى 57357 وأي تدخل جراحي خارجها نسبة النجاح ضعيفة وستكون العملية محكوم عليها بالفشل، وقبل 10 أيام ذهب بابنته إلى هناك للمرة ال13، وقطع كشفا خارجيا من جديد، ونظرًا لخطورة حالتها وتأخرها، اتصل الاستشاري برئيس القسم قائلًا له: "عندنا حالة مريضة تستدعي الدخول"، لكنه رفض قبولها دون إبداء أسباب واضحة حتى أخبرهم طبيب أبو الريش منذ 3 أيام عقب سحب 2 سنتيمتر من السائل الزائد أن "الأومايا اتقفلت" ولا بد من تدخل جراحي سريع. ووجه والد رزان رسالة أخيرة لإدارة مستشفى 57357 التي ترفض قبول الحالات التي سبق لها إجراء عمليات جراحية لاستئصال الورم أو الإشعاع الذري أو الكيماوي، لكن ابنته لم تتعرض لذلك، وأنه مستعد أن يتحمل جميع تكاليف إجراء العملية الجراحية لاستئصال ورم ابنته في شكل تبرعات يضعها للمستشفى، قائلًا: "الحقوا بنتي قبل ما تروح مني وهي واقفة على رجليها النهاردة مش عارفين بكرة هتكون فين.. دخلوها وكل اللي أنتم عاوزينه أعمله لكم ولو ماتت بعد العملية أنا مؤمن بالله بس تدخل المستشفى وتتعالج". ما يقرب من 100 ألف جنيه أنفقها ذوي رزان على علاجها وإجراء الفحوصات والتحاليل الطبية والأشعة اللازمة لها في العيادات الخاصة، لكن دون جدوى وبمرور الوقت حالتها تتأخر وبصرها يضعُف والورم يزداد على المخ وتنتظر الأمل الأخير في العلاج بأحدث الأجهزة الطبية داخل مستشفى سرطان الأطفال 57357. عنبر الموت خلال البحث والاطلاع على التقارير الطبية، توصلنا إلى أن القسم ذاته، المكان الذي كانت تُعالج فيها الطفلة جنى جمال، التي ماتت يوم الجمعة الماضي بعد إصابتها بسرطان في قاع المخ وخضوعها للعلاج الكيميائي والإشعاع الذري داخل المعهد القومي للأورام، بعد رفض دخولها مستشفى 57357، ولم يتبق في العنبر الذي كان يحوي نحو 17 طفلا مصابا بالسرطان كانوا محتجزين به وماتوا جميعًا لنقص الإمكانيات باستثناء الطفلة رزان وحالة أخرى ما تزال تبحث عن فرصة أخيرة للعلاج. وقال الدكتور وائل عويضة، نائب مدير مستشفى 57357، إن إدارة المؤسسة لا ترفض دخول أحد من الأطفال المرضى، لكنهم يلتزمون بقواعد تنظيمية للدخول حسب تشخيص الحالة ودورها في قوائم الانتظار، قائلًا: "مافيش حاجة عندنا اسمها نرفض حد أو نقبله". وأضاف عويضة ل"البديل" أن النظام الأساسي الذي تقوم عليه مستشفى 57357 وتلتزم به منذ إنشائها في 2007 ألا تكون الحالة المرضية المترددة عليها سبق لها إجراء أي عمليات جراحية أو إشعاع ذري في أماكن أخرى، موضحًا أنه توجد طاقة استيعابية محدودة جدًا، ومن الوارد ألا يكون توفر لها مكان للعلاج داخل المستشفى.