بعد الأزمة الحادة بين الدول الخليجية (السعودية والإماراتوالبحرين) وقطر، وعلاقة ترامب المضطربة بتيار الإسلام السياسي وحاضنته في الشرق الأوسط، يثار في الآونة الأخيرة الكثير من التساؤلات حول مصير القواعد الأمريكية فيها. ومع إعلان قطع الدول الخليجية لعلاقتها مع قطر، برفقة دول إسلامية وعربية أخرى، تسارعت الدول المشاركة في القرار في إيقاف إجراءات السفر والمواصلات مع جارتها الحدودية، لكن أكبر حلفاء الرياض، وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية، فتحتفظ بأكبر تواجد عسكري لها بمنطقة الشرق الأوسط، في قاعدة "العديد" الجوية على الأراضي القطرية، فما مدى تأثير كافة هذه التطورات عليها؟ وهل من الممكن أن يتم نقلها؟ وإلى أين؟ تحوى القاعدة الأمريكية الواقعة على بعد أكثر من 30 كيلومترًا جنوب غربي الدوحة حوالي 11 ألف عسكري أمريكي، وتضم أطول ممر للهبوط الجوي في منطقة الخليج، والممتد على مسافة 3.8 كيلومتر، وتتخذ القاعدة موقعًا لتجهيز 120 مركبة جوية. وتعتبر قاعدة العديد العسكرية في قطر من أهم القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، ففى عام 2016 استخدمت القاعدة كنقطة انطلاق ضربات القصف الجوي التي نفذتها طائرات «B-52» ضد أهداف تابعة لتنظيم "داعش" في العراق وسوريا، كما استخدمها البنتاجون في بداية حملته في أفغانستان ضد طالبان، حيث كانت طائرات "F-16" وطائرات المراقبة "E-8C Joint Stars" تنطلق من هذه القاعدة كمقر لها، والتي أصبحت محطة رئيسية لإعادة تعبئة الوقود. وتضم العُديد المقرات الرئيسية لكل من القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية والمركز المشترك للعمليات الجوية والفضائية والجناح ال 379 للبعثات الجوية، كما يقوم المركز المشترك للعمليات الجوية والفضائية في العديد بالإشراف على القوة الجوية الأمريكيةبأفغانستان وسوريا والعراق و18 دولة أخرى، وبه موظفون عسكريون من القوات الجوية والبحرية والجيش وقوات مشاة البحرية الأمريكية "المارينز". وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية والعسكرية لقاعدة العديد بالنسبة لأمريكا، إلا أن الولاياتالمتحدة أكدت في تصريحات للبنتاجون أن "القوات الجوية والبنتاجون لديهما بالطبع مخططات احتياطية"، متعلقة بالقاعدة، تم وضعها للجوء إليها في حال وقوع تطورات غير متوقعة، لكن أشارت في نفس الإطار إلى أنه من غير المحتمل في الوقت الراهن إغلاقها، في ظل الأزمة الدبلوماسية بمنطقة الخليج. وتزامن مع الأزمة الأخيرة بين الخليج وقطر مطالبات وتصريحات أمريكية عدة تؤشر بأنه من المحتمل نقل القواعد الأمريكية من قطر إلى منطقة أكثر أمنًا، حيث أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي ايد رويس في وقت سابق أن الولاياتالمتحدة تعتزم نقل قاعدتها العسكرية بقطر إلى بلد آخر إذا لم تغير الدوحة من تصرفاتها الداعمة لجماعات متشددة. وقال رويس فى ندوة عقدت مؤخرًا «أعتقد أنه فى حال لم تتغير تصرفات قطر، فطبعًا ستكون لدينا إرادة بالتطلع لخيارات أخرى للقاعدة العسكرية»، معتبرًا أنه من غير الملائم أن تستضيف قطر القوات الأمريكية وفى ذات الوقت تدعم حركات متشددة، بدوره اعتبر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت جيتس أن مغادرة القوات الأمريكية مراكزها في قطر «مسألةٌ معقدة»، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن واشنطن قد تفكّر فعليًّا في بدائل، لارتباط الدوحة بجماعات إرهابية. السعودية القبلة الأكثر ارتياحًا للولايات المتحدةالأمريكية، والتي تربطها معها في الوقت الراهن علاقات جيدة، وتعد أبزر الحلفاء لها في الشرق الأوسط، هي السعودية، ففي حال إقدام واشنطن على قرار مثل نقل قاعدة العديد، فستكون أحد أبرز الاحتمالات هي المملكة، أولًا نظرًا لموقعها القريب من قطر، ثانيًا لأن السعودية دائمًا ما كانت الملاذ الآمن للقواعد الأمريكية، حيث كانت تتمركز القيادة الجوية العسكرية المركزية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط في السعودية، والتي انتقلت أواخر مارس عام 2002 من قاعدة الأمير سلطان الجوية إلى قطر بهدف توفير المرونة التشغيلية لقيادة الحرب فى المنطقة، وأصبحت القاعدة هي مركز قيادة عمليات الشرق الأوسط. وكانت واشنطن أسست قاعدة الملك عبد العزيز في الظهران، شرق المملكة، في حرب الخليج الثانية، سنة 1991، وكان الهدف من القاعدة التي ضمّت طائرات حربية أمريكية حماية المملكة من أي تهديد خارجي. الإمارات هي من الدول المرشحة أيضًا لاستضافة هذه القاعدة، لا سيما بعدما نشر موقع «إنترسبت» الأمريكي جزءًا من الرسائل الإلكترونية المنسوبة للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، التي تمت قرصنتها من حسابه، بعدما تم اختراقه، وأظهر تحركات إماراتية للضغط لنقل القاعدة الأمريكية من قطر. وكشفت الرسائل، وفقًا لموقع «هافنجتون بوست» الأمريكي، أن «عتيبة» دعا صراحة لنقل القاعدة الأمريكية من قطر، وفي تصريحات صحفية للجنرال تشارلز والد نائب القائد السابق للقيادة الأوروبية الأمريكية، قال إن الإمارات هي الخيار الثاني الذي قد تلجأ إليه الولاياتالمتحدةالأمريكية لنقل قاعدة العديد من قطر، فنظرًا لاقترابها من قطر، ستتمكن القاعدة من تأمين أغلب أهداف الولاياتالمتحدة المنشودة. البحرين ولدى أمريكا قاعدة بحرية في البحرين، تتمركز فيها القيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس الأمريكي، وتعد هذه القاعدة هي القاعدة الأساسية في المنطقة للأنشطة البحرية لدعم عملية الحرية الدائمة، وفي ضوء ذلك رجح بعض المراقبين الأمريكيين أن تكون وجهة واشنطن لاختيار الدولة البديلة لقطر بشأن قاعدة العُديد هي البحرين، لا سيما وأن نقل القاعدة في هذا البلد سيوفر للبحرية الأمريكية المتواجدة في البحرين الدعم اللوجستي والتوريد والحماية. وعلى الرغم مما تشهده البحرين من اضطرابات أمنية، إلا أن ذلك لا يمنع من نقل قاعدة عسكرية جديدة إليها، وإن كانت هذه الاحتمالية ضعيفة مقارنة بالدول الخليجية الأخرى.