تمر خلال الشهر الحالي الذكرى التاسعة والستون لإعلان الأممالمتحدة عن قيام دولة إسرائيل (14 مايو عام 1948)، ومنذ ذلك الحين والشعب الفلسطيني في مواجهة مستمرة مع دولة الإحتلال، ورغم كل التضحيات التي قدمت من أجل إنتزاع حرية فلسطين على مدار العقود الماضية إلا أن مصير القضية الفلسطينية يبدو الآن في لحظة تاريخية فاصلة قد نصل معها إلى إلى التسليم الكامل، علنا ورسميا، ب«سلام بلا أرض»، حسب نبوءة المفكر الفلسطينى الراحل «إدوارد سعيد»، التي قالها عقب إتفاقية «أوسلو» منتصف تسعينيات القرن الماضى. في هذا السياق تأتي وثيقة حركة "حماس" الجديدة والتي تعترف فيها بحدود 1967، وفي السياق ذاته جرى الحديث خلال الأسابيع الماضية عن "صفقة القرن" التي يبدو أن الأنظمة المصرية والأردنية والسعودية في طريقها للاتفاق حول تفاصليها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي دون أن يفصحوا للشعوب العربية عن مضمون هذه الصفقة حتى الآن. في ظل هذه التداعيات تطرح البديل سؤال القضية الفلسطينية إلى أين؟ في محاولة لرسم صورة واضحة للمشهد الفلسطيني في إطار كل هذه المتغيرات. دولة غزة قال المفكر العربي سلامة كيلة "إن هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن قبولها بدولة على حدود سنة 1967، فقد تكرّر الموقف عديد المرات، منذ شاركت في الانتخابات التشريعية سنة 2006، وبعد أن نجحت في الحصول على الأغلبية. لكن، ربما هذه المرة ضمّنت "حماس" ذلك في برنامجها السياسي. طبعاً، مع تضمين البرنامج الموقف "المبدئي" من فلسطين واللاجئين ودولة الاحتلال الاستيطاني، والمقاومة والتحرير، ولقد أشرت حينذاك إلى أن حركة حماس تتبع خطى حركة فتح في تنازلاتها، لأن "فتح" وكل الفصائل الفلسطينية التي تعتبر الآن أن حل الدولتين الحل النهائي، كانت قد بدأت ب "تبليع" الشعب الفلسطيني الحل نقطةَ نقطة". وأضاف كيلة "حماس تفعل ذلك الآن، بعد أن بات حلّ الدولتين من الماضي، وظهر أنه لم يكن سوى وهم جرى تعميمه، لكي تقوم الدولة الصهيونية بالسيطرة على الأرض وبناء المستوطنات، وبات كل الحديث يجري عن "الدولة الواحدة"، فحلُّ الضفة الغربية بات مسيطراً على جزء أساسي من أرضها، وأصبحت المدن محاصرةً بالجدار والطرق الالتفافية والحواجز، كما أصبح الحل المطروح واضحاً بشكل لافت، ويقوم على إعطاء السكان "حكماً ذاتياً موسّعاً"، بعد ضم المنطقة ج التي تشمل الأرض، وكذلك جزءا من ب التي تشمل القرى. حيث تحاول الدولة الصهيونية التقدّم خطوة في طريق "الحل" التي تعني ضم الأرض وإخراج السكان من المعادلة، وهي تعتقد أن الوضع الأميركي الجديد يمكن أن يساعد في ذلك، وأن روسيا التي اعترفت بالقدسالغربية عاصمة للدولة الصهيونية يمكن أن لا تعارض هذا الحل". وأشار كيله إلى أنه "على ضوء ذلك، ما الهدف من خطوة "حماس" الجديدة؟ ستبدو بلا نتيجة، لأنها جاءت بعد أن فشل كل المسار الذي قام على "القبول بدولة على حدود سنة 1967′′، لكنها ليست ضربة طائشة في الهواء. وليست في معزل عما يدور من أحاديث عن "صفقة القرن" التي تعني تفاهم الدول العربية مع الدولة الصهيونية، على أساس إيجاد حل للمسألة الفلسطينية، لكن، لن يكون هذا الحلّ أبعد مما قرّرته الدولة الصهيونية منذ أمد بعيد، أي حكم ذاتي موسّع لسكان الضفة الغربية، وربما "استقلال" أكبر لقطاع غزة، لتكون، بالتالي، الدولة على حدود سنة 1967 هي دولة غزة.، لقد فكت "حماس" الارتباط مع جماعة الإخوان المسلمين كما يظهر من نص البرنامج، ويبدو أن ذلك هو المقدمة لكي تحصل على "الجائزة"، أو أنها تتكيّف بما يسمح لها أن تحصل على "الجائزة". والأهم هنا هو عدم ذكر ارتباطها بالجماعة، بل اعتبرت أن "مرجعيتها" هي الإسلام "في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها". مرحلة حرجة في ذات الإطار، يرى الكاتب والمحلل السياسي وعضو معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية التابع لحركة حماس عبد الله العقاد أن القضية تمر بمراحل حرجة جدًا، في ظل المتغيرات الإقليمية وحالة السيولة السياسية التي تضرب الإقليم، وما يستتبع ذلك من انشغال الساحة الإعلامية عن متابعة القضية الفلسطينية بما هو قائم في الاقليم. وحول الوثيقة الجديدة لحركة حماس قال العقاد "الوثيقة التي تقدمت بها حماس لتخاطب بها آخر، وبما يكشف عن هويتها كحركة تحرر ومقاومة فلسطينية إسلامية، ويؤكد ما هي مؤمنة به من مبادئ ومنطلقات وقيم، يتأكد بها الحفاظ على الثوابت الوطنية الفلسطينية، وبما يدعو المجتمع الدولي للوقوف عند مسؤولياته؛ لإنهاء معاناة ما يزيد عن ستة ملايين مهجّر، وذلك بعودتهم إلى ديارهم وتعويضهم عما فتقدوه، وما لحق بهم جرّاء تهجيرهم القسري، وهذا ما نص عليه حقيقة القرار الدولي 194، ولهذا كان حق العودة في نص الوثيقة السياسية لحماس (جوهر القضية) وأضاف "أزالت الوثيقة الخلط بين مرحلية العمل الثوري؛ فجعلت الدولة ثمرة التحرير، في الوقت الذي تعاطت فيه الوثيقة بإيجابية مع مرحلية الحل، بالقبول بقيام دولة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشريف، بشرط أن يكون في إطار توافق وطني، ولا يلغي حق الأجيال بالحق بكامل التراب الوطني الفلسطيني، وعدم الاعتراف بشرعية الكيان على الأرض الفلسطينية، مع عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها". وأكمل "بخصوص صفقة القرن التي يجري الحديث عنها من خلال تصريحات جاءت على لسان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، غير أنه لم يُكشف شيءٌ منها بشكل رسمي يمكن الرد عليه، لكن المحدد في ذلك أن المقاومة لا ينبغي لها أن تعرض حلولا وتقترح مخارج؛ فهذا ليس دورها لأن مشكلتها الأساسية مع الاحتلال الجاثم على الأرض والإنسان.. دورها أن تقاومه بكل الوسائل المشروعة، فهي واضحة الهدف والجهة، وعلى الاحتلال أن يشعر بكاهل احتلاله من خلال العمل المقاوم المستمر؛ فيبادر هو بعرض الحلول وإن عبر جهات دولية أو إقليمية، ولا يمنع أن تتفاعل معها قوى المقاومة وفق الرؤية والبرنامج وبما يحقق المصالح الوطنية في إطار توافق وطني". مناورة سياسية من جانبه قال القيادي السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وسام الفقعاوي "من الواضح أن حركة حماس تحاول أن تقدم نفسها بطريقة جديدة من خلال وثيقتها، التي تتجاوز بها الكثير مما جاء به ميثاقها التأسيسي الذي صيغ قبل ثلاثين عامًا تقريبًا، فوثيقتها الجديدة مصاغة بقدر عالٍ من مراعاة النواحي السياسية والقانونية بما يعطيها بعدًا علمانيًا، إلى حد ما، والجديد الذي قدمته حماس في وثيقتها ويبدو تطورًا ايجابيًا هو أولا: في تعريفها لنفسها، باعتبارها حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، بما يوحي محاولتها توطين نفسها فلسطينيًا، وتحديد علاقتها مع الجماعة الأم "جماعة الإخوان المسلمون"، وثانيًا: في تعريفها للشعب الفلسطيني ووحدته بكل مكوناته الدينية والثقافية والسياسية، وتأكيدها على قيم الحق والعدل والحرية والكرامة، ورفضها للاضطهاد القومي والديني والطائفي، كما رفضت جميع أشكال التطرف والتعصب الديني والعرقي والطائفي. وثالثًا: تعريفها للمشروع الصهيوني، وللصراع معه، والذي اعتبرته الوثيقة بين الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، وليس صراعًا دينيًا مع اليهود لكونهم يهودًا، ورابعًا، تأكيدها على إدارة العلاقات الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار، وتعزيز وحدة الصف والعمل المشترك". وأضاف الفقعاوي "أما الملاحظات على الوثيقة التي تستدعي الوقوف مليًا أمامها، هي رغم تأكيدها على تحرير كامل فلسطين، إلا أنها تحت ما دعته بصيغة التوافق الوطني، تقبل بإقامة "دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967" بما يعتبر تراجعًا كبيرًا أمام الواقع الذي أكد أن خيار الدولتين لم يعد واقعيًا أو قابل للتحقق، وأن الاحتلال الإسرائيلي تجاوزه تمامًا بإجراءاته على الأرض وابتلاعه لما يقرب من نصف الضفة الغربية، وتهويد القدس، وعزل القطاع، وتأكيد ضرورة الاعتراف فلسطينيًا وعربيًا بيهودية "دولة إسرائيل". وأكمل قيادي الجبهة الشعبية "الملاحظة الأخرى التي تستدعي التدقيق، تأكيد الوثيقة، الانفتاح على مختلف دول العالم، وسعيها لبناء علاقات متوازنة معها، متجاوزة بذلك وضوح اصطفاف العديد من دول العالم ضد حقوق ومصالح وأهداف الشعب الفلسطيني والأمة العربية كذلك، ودعمها شبه الكامل للاحتلال الإسرائيلي، وفي مقدمة ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهنا قد يفهم ما جاء على لسان السيد خالد مشعل،رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في مقابلته مع فضائية "سي إن إن"، بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يملك "جرأة التغيير"، ليدعوه إلى صناعة السلام في الشرق الأوسط، وحل منصف للقضية الفلسطينية..!! فهل لا يعلم السيد مشعل، أن الولاياتالمتحدة كانت ترعى ما يسمى "عملية السلام" بمفهومه لما يزيد عن ربع قرن، لكنها في المقابل رعت وحمت "إسرائيل" ومصالحها وأمنها وتفوقها واستمرار تقدمها، لذلك لم يكن ما صنعته سوى استسلامًا للأطراف العربية ومنها الطرف الفلسطيني، ولن يكون أي طرف جديد مهما اعتقد أنه يملك أوراق قوة سوى مستسلمًا جديدًا ومفرطًا كبيرًا؟! تطبيع مقابل حماية الأنظمة وعن تصوره للظروف الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية، قال الباحث في الشأن الفلسطيني محمد سيف الدولة " الموقف الآن سلام بدون فلسطينيين ولا دولة فلسطينية ولا انسحاب من الاراضي المحتلة فى 1967، ولا من أى جزء منها. سلام بين العرب و(اسرائيل) من أجل "مصالح مشتركة" ليس من بينها فلسطين والحقوق المشروعة للشعب الفسطينى ومركزية الصراع العربى الصهيونى، وكل هذا الكلام الذى عفا عليه الزمن!، فإسرائيل لم تعد دولة احتلال وفصل عنصرى وكيان استيطانى إرهابى دأب على ارتكاب جرائم حرب وإبادة فى حق الفلسطينيين والشعوب العربية، وانما اصبحت دولة طبيعية من دول المنطقة تتعرض لذات التهديدات والمخاطر الإرهابية التى تعانى منها دول الجوار العربى (وليس دول الطوق)، وهو ما يخلق فيما بينها مصالح مشتركة فى مواجهة هذه المخاطر". وأضاف سيف الدولة "هذه هى النسخة الحديثة من الموقف الأمريكى الاسرائيلى العربى الموحد، الذى يتم التلميح به منذ فترة طويلة، إلى ان تم إعلانه رسميا فى المؤتمر الصحفى المشترك بين ترامب ونتنياهو، ولقد كان أول من دعا الى هذه الفكرة هو عبد الفتاح السيسى فى حديثه مع وكالة أسوشيتدبرس على هامش الدورة 70 للجمعية العامة للامم المتحدة عام 2015، حين طالب بدمج اسرائيل فى المنطقة وتوسيع السلام معها، ليشمل دولا عربية أخرى، لمكافحة الإرهاب الذى يهدد الجميع، ليكون بذلك أول رئيس عربى يفصل بين السلام مع اسرائيل وانسحابها إلى حدود 4 يونيو 1967. قبل ذلك كان الموقف الرسمى الوارد فى مبادرة السلام العربية الصادرة فى مارس 2002، هو مبدأ الأرض مقابل السلام؛ فالانسحاب الاسرائيلى وإعطاء الفلسطينيين دولة على أرض 1967، هو شرط للسلام العربى مع اسرائيل. أما اليوم فالمبدأ الجديد هو "أمن الأنظمة العربية مقابل السلام العربى الاسرائيلى". وحول مباردة حركة حماس قال سيف " حماس تكرروا خطيئة أبو عمار ومنظمة التحرير الفلسطينية، الذين بدأوا بذات الصيغة المراوغة عام 1974، فسقطوا فى مستنقع اوسلو عام 1992، فأي ميثاق لاى حركة فلسطينية أو عربية، ينص على القبول نهائيا او مرحليا، بدولة على حدود 1967، هو انحراف عن الثوابت الوطنية وتنازل عن الحقوق التاريخية، حتى لو تضمن بنودا ونصوصا ترفض الاعتراف باسرائيل، ففى الحديث عن حدود 1967 تنازلا ضمنيا عن باقى فلسطين".