في الوقت الذي تشكك فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية في التزام إيران ببنود الاتفاق النووي، ويحاول فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تقليص العلاقات السياسية التي تُقيمها العديد من الدول الغربية والعربية مع طهران، سعيًا لعزل الدول اقتصاديًّا وعسكريًّا وسياسيًّا، تأتي تحركات الدبلوماسيين الإيرانيين ليُعيدوا المحاولات الأمريكية إلى نقطة الصفر، ويصعدوا من استثماراتهم واتفاقياتهم مع الدول الكبرى في العالم، ويتخذوا المزيد من الخطوات نحو تطبيق بنود الاتفاق النووي وإنهاء المزاعم الأمريكية. وصل وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، صباح أمس الأحد، إلى العاصمة اليونانية أثينا؛ للمشاركة في اجتماع الحضارات العشر العريقة في العالم، وهو الاجتماع الذي يشارك فيه عشر دول هي اليونان ومصر والصين وبوليفيا والهند والعراق وإيطاليا والمكسيك وبيرو إضافة إلى إيران، حيث التقى وزير الخارجية الإيراني مع العديد من المسؤولين اليونانيين، من بينهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية اليوناني، كما اجتمع ظريف مع نظيره الصيني وانغ يي، وبحثا سويًّا الأزمة السورية والوضع في شبه الجزيرة الكورية، حيث قالت وزارة الخارجية الصينية، اليوم الاثنين: إن الطرفان تبادلا وجهات النظر بشأن الأزمة السورية، والوضع في شبه الجزيرة الكورية، وغيرها من القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك. وأكد وزير الخارجية الصيني لنظيره الإيراني أن إيران تعتبر دولة مهمة بطريق الحرير القديم، كما تدعو بكين كبار المسؤولين من إيران للمشاركة في المنتدى المرتقب للتعاون الدولي في إطار استراتيجية «حزام واحد طريق واحد» المقرر عقده في 14و15 مايو المقبل في بكين، وأشار وانغ يي إلى أنه على إيرانوالصين العمل معًا من أجل ترسيخ السلام والتنمية في العالم، فيما أعرب ظريف عن دعمه للمبادرة الصينية. جاء توقيع الجانب الصينيوالإيراني على أولى العقود التجارية حول إعادة تصميم المفاعل النووي الإيراني «أراك» العامل بالماء الثقيل، ليكون الإنجاز الإيراني الأهم خلال هذا الاجتماع، حيث تأتي عملية إعادة تصميم المفاعل النووي في إطار تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة حول البرنامج النووي الإيراني، ووفق هذا الاتفاق سيتحقق الجانب الصيني من التصميم الجديد لمفاعل أراك المُصنع على يد خبراء إيرانيين؛ من أجل مطابقته للمواصفات ومعايير الأمان والسلامة الدولية، وستشمل إعادة تصميم تحديث مفاعل الماء الثقيل، بحيث لا يمكنه إنتاج بلوتونيوم مخصب بدرجة نقاء تمكن من استخدامه في صنع قنبلة نووية. ووصف العديد من المراقبين هذا الاتفاق بأنه يشكل منعطفًا في عملية إعادة تصميم وتحديث مفاعل أراك، الذي كان نقطة خلافية طويلة في المحادثات النووية قبل نحو عامين، حيث أكدت إيران مرارًا على أن مفاعل الماء الثقيل الذي تبلغ طاقته 40 ميجاوات من الكهرباء، يهدف إلى إنتاج نظائر مشعة لعلاج السرطان وغيره من الأمراض، نافية تمامًا أن تكون أي من أنشطتها النووية تهدف إلى إنتاج أسلحة، فيما كانت القوى الدولية تتشكك بشأن إنتاج قنبلة نووية من هذا المفاعل. أضف إلى ذلك أن هذا الاتفاق الذي تم توقيعه بين الصينوإيران، أمس الأحد، يعتبر خطوة مهمة في استمرار تنفيذ الاتفاق النووي الموقَّع بين إيران والسداسية الدولية في 14 يوليو 2015 بعد مفاوضات ماراثونية، حيث كان من بين عناصر الاتفاق، إعادة تصميم مفاعل أراك النووي ليتوافق مع مهمته الجديدة في توليد الطاقة، كما أنه من شأن هذا الاتفاق إنهاء المزاعم الأمريكية التي يسوقها الرئيس ترامب من أجل الإخلال بالاتفاق النووي والتراجع عنه. التوقيع الصينيالإيراني على إعادة تصميم مفاعل أراك يأتي بعد أيام من تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، اتهم فيه إيران بالقيام باستفزازات مستمرة مقلقة لزعزعة الاستقرار في دول بالشرق الأوسط، وأكد أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تراجع سياساتها تجاه إيران، وأضاف تيلرسون أن المراجعة لن تبحث مدى التزام إيران بالاتفاق النووي وحسب، وإنما ستدرس أيضًا سلوكها في المنطقة، الذي قال وزير الخارجية إنه «يقوض مصالح الولاياتالمتحدة في سوريا والعراق واليمن ولبنان»، وهي التصريحات التي رد عليها المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لو كانغ، قائلًا: إن الصين تأمل أن تتمكن جميع الأطراف من ضمان تنفيذ الاتفاق النووي، ومعالجة الخلافات بشكل مناسب، وتقديم إسهامات إيجابية فيما يتعلق بمنع الانتشار النووي وتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. تأتي تلك الخطوة عشية الاجتماع السابع للجنة المشتركة للاتفاق النووي، الذي من المقرر أن تستضيفه العاصمة النمساوية فيينا غدًا الثلاثاء، لبحث القضايا الفنية ومتابعة قضية معارضة بريطانيا لشراء إيران 950 طنًّا من الكعكة الصفراء، وتراجع أمريكا عن الوفاء بالتزاماتها إزاء الاتفاق النووي، فوفقًا لاتفاق فيينا تعقد اللجنة المشتركة اجتماعات دورية كل ثلاثة اشهر بحضور إيران وممثلي الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة «1+5»، لدراسة سير تنفيذ الاتفاق النووي والتباحث حول المشكلات والعقبات المحتملة، حيث من المقرر أن يرأس الاجتماع غدًا مساعد وزير الخارجية الايرانية، عباس عراقجي، ومساعدة منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، هيلغا اشميت. منذ اللحظة الأولى لإقرار الاتفاق التاريخي الذي أثمرته المفاوضات النووية في يوليو عام 2015، تقف الصين إلى جانب إيران في مواجهة محاولات أمريكا لإيجاد ذرائع وهمية لفرض المزيد من العقوبات على الجمهورية الإيرانية ومنعها من التحرر الاقتصادي والسياسي، خاصة بعد تنصيب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في يناير الماضي، حيث سبق أن فرضت إدارة ترامب عقوبات على قائمة تضم 25 شخصًا وكيانًا في فبراير الماضي، وتشمل تلك القائمة شركتين صينيتين وثلاثة أشخاص صينيين، وهو ما احتجت الصين عليه بشدة لدى الولاياتالمتحدة، وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية حينها إن «بكين قدمت احتجاجًا لدى واشنطن، وإن مثل هذه العقوبات لا تجدي نفعًا في تعزيز الثقة المتبادلة».