أشار البيت الأبيض في بيان له أمس الجمعة إلى أنه لم يعد يسمح لقضايا حقوق الإنسان بأن تصبح نقطة نزاع علنية مع مصر، في تحول كبير آخر بعيدا عن سنوات من السياسة الخارجية الأميركية المتبعة من قبل رؤساء كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي. في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس دونالد ترامب لاستضافة نظيره المصري عبد الفتاح السيسي يوم الاثنين القادم في أول زيارة له للبيت الأبيض منذ توليه السلطة عام 2013، يقول مسؤولون بالبيت الأبيض إن الزعيمين سيركزان على مسائل أمنية واقتصادية وعلى الرغم من أن سجل حقوق الإنسان لا يزال يشكل مصدر قلق، إلا أن ترامب يفضل التعامل معه بشكل غير علني. أشاد بيان البيت الأبيض بالرئيس السيسي لشن حرب قوية ضد الإرهابيين وبذل الجهود لتعزيز الاقتصاد المصري، دون الإشارة تماما إلى حملته على المعارضين المحليين. وقال البيان إن "الرئيس السيسي اتخذ عددا من الخطوات الجريئة منذ توليه الرئاسة عام 2014، بما في ذلك الدعوة إلى إصلاح واعتدال الخطاب الإسلامي والبدء في إصلاحات اقتصادية شجاعة وتاريخية". ويأتي قرار تهميش قضايا حقوق الإنسان في مصر بعد أيام من إعلان إدارة ترامب للكونجرس أنها سترفع شروط حقوق الإنسان المفروضة من قبل الرئيس باراك أوباما وتستأنف مبيعات الأسلحة إلى البحرين، وهي حليف حيوي آخر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والبلد المضيف للأسطول الخامس الأمريكي. هذه التحركات مجتمعة تعزز الرسالة بأن ترامب يعتزم جعل التعاون الأمني حجر الزاوية في نهجه تجاه المنطقة دون أن تصبح حقوق الإنسان عقبة في طريق تحقيق ذلك. وفي هذا الصدد، قالت سارة مارجون، مديرة هيومن رايتس ووتش في واشنطن،"إن اختيار غض الطرف من الرئيس ترامب بشأن مخاوف حقوق الإنسان في مصر ليس مفاجئا، بل يعني أن الكونجرس سيضطر إلى التدخل والاستمرار في استخدام سلطاته للحد من الدعم الأمريكي لذلك بالنظر إلى مدى خطورة حجم القمع والانتهاكات في عهد السيسي". أعلن خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ أنهم سيقدمون قرارا يحث مصر على تخفيف قمع المعارضة. وحث السيناتور الجمهوري، ماركو روبيو، ترامب على "الضغط من أجل الإفراج عن السجناء السياسيين في مصر وتشجيع مصر على إتاحة مساحة أكبر للمجتمع المدني وحرية التعبير". وقد انتقد تقرير وزارة الخارجية السنوي لحقوق الإنسان، الذي اختار وزير الخارجية ريكس تيلرسون عدم الحضور شخصيا كما فعل أسلافه، حكومة السيد السيسي لقمع الحريات المدنية والحرمان من الإجراءات القانونية الواجبة. وأشارت إلى اختفاء قسري للمعارضين والاعتقالات التعسفية ومضايقات بمجموعات المجتمع المدني والحد من حرية وسائل الإعلام المستقلة. وحاول كل من الرئيسين بوش والسيد أوباما لتحقيق التوازن بين مخاوفهما بشأن الأوضاع الداخلية في مصر والتحالف الطويل الأمد مع الولاياتالمتحدة.. وعندما قرر جورج بوش أن يتخذ من مصطلح تعزيز الديمقراطية موضوعا رئيسيا في رئاسته، أبقى حسني مبارك على مسافة بعيدة ودفعه إلى إطلاق سراح المعارضين وإجراء انتخابات، على الرغم من أنه لم يحرز سوى تقدم أعرج وخفف من ذلك لاحقا في فترة ولايته. عندما اندلعت احتجاجات الربيع العربي في عام 2011، ضغط باراك أوباما على مبارك للتنحي ودعم الانتخابات التي أدت إلى صعود محمد مرسي. وبعد الإطاحة بمرسي ، رفض أوباما أن يطلق عليه انقلابا عسكريا ولكنه قطع بعض مبيعات الأسلحة عن مصر على أمل تخفيف حملة القمع ضد المعارضين في مصر. في نهاية المطاف، لم يسفر هذا الإجراء عن نتائج، لذلك رفع أوباما تجميد الأسلحة، لكنه قام بتغيير بعض قواعد التمويل ولم يدعو السيسي إلى البيت الأبيض. وقال مسؤولون من البيت الأبيض إن ترامب لا يرى انه أمر بناء جعل الخلافات حول حقوق الإنسان علنية، مضيفين أن النهج الذي يتبعه هو معالجة هذه القضايا بطريقة أكثر سرية. في الوقت نفسه، قال المسؤولون الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، أن البيت الأبيض لا يستطيع الالتزام بالمحافظة على حزمة مساعدات مصر عند المستويات الحالية، مستشهدين بمراجعة الميزانية الأخيرة التي قدمها ترامب. كان الرئيس ترامب قد اقترح تخفيضات كبيرة في ميزانية وزارة الخارجية. وفي حين أن المساعدات العسكرية لإسرائيل ستبقى دون مساس، فإن التخفيضات في المساعدات المقدمة لمصر لا تزال قيد النظر، وفقا للمسؤولين الأمريكيين. وبصرف النظر عن المساعدات، من المرجح أن يناقش ترامب والسيسي تصنيف جماعة الإخوان المسلمين التي عينتها مصر كجماعة محظورة. كان الرئيس السيسي قد ضغط لتسمية جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية، وهو الأمر الذي رفضه أوباما. وكان مستشارو ترامب يناقشون مثل هذا التصنيف منذ توليه مهام منصبه في يناير، ولكن الزخم الداخلي لهذه الخطوة تباطأ بسبب القلق من أنه سيؤدي إلى عزل المسلمين الأكثر اعتدالا ودفعهم نحو الجماعات العنيفة مثل تنظيم القاعدة وداعش. كانت رحلة واشنطن متوقعة بشدة في مصر، حيث يرى أنصار السيسي مشهد مصافحة عامة في البيت الأبيض سيكون بمثابة تصديق رمزي لزعيم طال انتقاده لسجله في مجال حقوق الإنسان. ومن المتوقع أن يرافق السيسي وفد تجاري أملا في جذب استثمارات أجنبية. ولكن بشكل غير معلن، قال مسؤولون غربيون إن المسؤولين المصريين أعربوا عن قلقهم من الحديث عن خفض المساعدات الأميركية وسعوا إلى تهدئة التوقعات حول ما يمكن أن تنتجه هذه الرحلة بشكل ملموس.