أغلب الحكام العرب تحدثوا عن الحل الدائم والشامل للقضية الفلسطينية، ولا يوجد أحد منهم عرّف ما هو الحل العادل، وإنما قالوا حلًّا عادلًا ضمن رؤية حل الدولتين، والسؤال هنا: هل حل الدولتين هو الحل العادل؟ القمة العربية والتأكيد على حل الدولتين كحال معظم الزعماء العرب أكد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي, في خطابه في القمة العربية ال 28، على أن مصر كانت وما زالت تسعى للتوصل لحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، يستند لإقامة الدولة على حدود عام 67 وعاصمتها القدسالشرقية. وعلى هامش القمة العربية عُقدت أمس قمة ثلاثية مصرية أردنية فلسطينية، بمشاركة الرئيس السيسي، والملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في إطار تنسيق المواقف بشأن القضية الفلسطينية، والتركيز على حل الدولتين. الحديث المصري الذي يتناغم مع السلطة الفلسطينية حول حل الدولتين تكرر كثيرًا في الآونة الأخيرة، فالسيسي تحدث عنه في ظل حديثه عن السلام الدافئ، وفي خطابه أمام الأممالمتحدة، وفي لقائه الأخير مع أبو مازن في القاهرة. خدعة حل الدولتين تسير الجامعة العربية والقمة العربية بخطى ثابتة على طريق التنازل التدريجي عن القضية الفلسطينية وتصفيتها، فالحديث عن حل الدولتين في الأساس كشرط للمصالحة مع العدو الإسرائيلي هو حديث ملغوم، فمن جهة حل الدولتين ليس حلًّا عادلًا للقضية الفلسطينية، وتقاسم الأرض مع العدو ذي الطموح السرطاني في المنطقة، والذي احتل الأراضي الفلسطينية المقدسة، إنما يعبر عن عجز الدول العربية عن مطالبتها بكامل الأراضي الفلسطينية، خاصة أن إسرائيل المعتدية لا تقبل بحل الدولتين، ففي زيارته الأخيرة لواشنطن أكد رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على فكرة الدولة اليهودية وتراجع عن حل الدولتين، وهو الرأي الذي وافقه فيه أيضًا الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب. ومن جهة أخرى لا تنتظر الدول العربية حل الدولتين لتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، فالقمة العربية التي تنادي باستعادة الأراضي العربية المحتلة كشرط للمصالحة مع العدو الإسرائيلي، يرتبط معظم المشاركين فيها بعلاقات ودية مع الكيان الصهيوني، ففي المكان الذي تعقد فيه القمة وهو الأردن، به سفارة إسرائيلية، ولا يختلف حال عمّان عن القاهرة، وفي التوقيت الذي عقدت فيه القمة نجد أن هناك مناورات عسكرية مشتركة بين الإمارات وإسرائيل في اليونان، ومعظم دول الخليج وعلى رأسها السعودية تجاهر بعلاقاتها مع تل أبيب، والسودان في طريقها لمحاولات خجولة للتطبيع مع إسرائيل، وبالتالي المصالحة العربية الإسرائيلية قائمة على قدم وساق بغض النظر عن حل الدولتين. وبالنسبة لموضوع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، نجد أن البيان الختامي للقمة العربية يطالب الدول بعدم نقل سفاراتها إلى القدس، وهنا نلاحظ أن الدول العربية من حيث المبدأ لم تجرؤ على ذكر الولاياتالمتحدةالأمريكية بالاسم، فأمريكا هي الدولة الوحيدة التي تحاول حاليًّا نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وبسبب تبعية الدول العربية للقرار الأمريكي لم يستطيعوا توجيه النقد لها، وهذا له مؤشر خطير، فمن جهة واشنطن داعم رئيسي لتل أبيب في سياساتها العنصرية والاستيطانية، ومن جهة أخرى فإن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ينسف بالأساس الحل الواهن المتمثل ب "حل الدولتين" الذي يتبناه العرب، فهنا نجد أن الزعماء العرب اقتصر موقفهم على مناشدة الدول على عدم نقل سفارتهم إلى القدس دون أي مواقف إجرائية، فعلى سبيل المثال الدول العربية قادرة على قطع العلاقات الدبلوماسية مع كل دولة تنقل سفارتها إلى القدس، فنقل الدول سفاراتها إلى القدس هو اعتداء على كل مقدسات الدول العربية والإسلامية وهو اعتداء صريح على فكرة حل الدولتين المزعومة، والتي تتضمن أن تكون القدسالشرقية عاصمة لفلسطين، كما أن اقتصار الموقف العربي على مناشدة الدول العربية دول العالم عدم نقل سفاراتها إلى القدس دون إجراءات تنفيذية هو بمثابة إعطاء إجازة مرور عربية لدول العالم بنقل سفاراتهم للقدس. ومن حيث المبدأ فإن القدس ككل لاقت تبريكات من دول عربية بكونها عاصمة للكيان الصهيوني، فقبل الحديث عن تقسيم عادل للقدس بشقيها الشرقي والغربي، نجد أن هناك أطرافًا دبلوماسية عربية عقدت اجتماعاتها في القدس مع ممثلين عن حكومة الاحتلال الإسرائيلي، فوزير الخارجية المصري، سامح شكري، عقد لقاء مع نتنياهو فيها شهر يوليو الماضي، وفي عام 2012 أثارت زيارة مفتي مصر السابق، علي جمعة للقدس الشريف وهو تحت الاحتلال الإسرائيلي حالة من الجدل بين الأوساط الدينية والسياسية، واعتبرها كثيرون حينها خطوة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ناهيك عن أن بعض المسؤولين الفلسطينيين يلتقون مع نظرائهم الصهاينة في القدس، وبالتالي فمعظم الزعماء العرب الذين يسعون لتطبيع علاقاتهم مع العدو لا يعنيهم ما إذا كانت القدسالشرقية عاصمة لفلسطين من عدمها، ولكن ما يعنيهم هو التذرع بالقدسالشرقية وحدود 67 للمصالحة مع العدو الإسرائيلي. القدسالشرقية تعتبر القدسالشرقية العاصمة الموعودة للدولة الفلسطينية، على الرغم من أن مكاتب ووزارات السلطة الفلسطينية تقع في رام الله، التي تعتبر عاصمة إدارية حاليًّا. بعد الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948 وحدوث "النكبة"، تم تقسيم القدس إلى جزأين؛ الجزء الشرقي ذي الغالبية العربية المطلقة (مسلمين ومسيحيين)، وقع تحت الحكم الأردني، والجزء الغربي ذي الغالبية اليهودية بعد تهجير الفلسطينيين منها، وقع تحت الحكم الإسرائيلي. بعد حرب 1967 "النكسة" أصبح الجزء الشرقي من المدينة تحت السيطرة الإسرائيلية بعد احتلاله، كما تم إلحاقه بالقدسالغربية، مع الكثير من القرى بالضفة الغربية. في عام 1980 أصدر الكنيست الإسرائيلي قرارًا أطلق عليه قانون القدس، نص على أن القدس موحدة وعاصمة أبدية للدولة العبرية، والذي لم يحظ بأي اعتراف عالمي يذكر، سوى اعتراف الولاياتالمتحدة عام 1995 ودول قليلة أخرى، إلا أن الرئيس الأمريكي يقوم كل ستة أشهر بتأجيل قرار تصديق الكونغرس على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. حل الدولتين.. والسيناريو التركي توقفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، نهاية إبريل 2014، دون تحقيق أية نتائج تذكر، بعد 9 شهور من المباحثات برعاية أمريكية وأوروبية؛ بسبب رفض إسرائيل وقف الاستيطان، وقبول حدود 1967 كأساس للمفاوضات، والإفراج عن معتقلين فلسطينيين قدماء في سجونها. وهنا فالحديث عن حل الدولتين كإطار لمفاوضات مصالحة جديدة مع العدو لحل القضية الفلسطينية يحيط به العديد من علامات الاستفهام، ففكرة التصالح مع العدو الإسرائيلي لا تقتصر على القدسالشرقية وحدود 67، فإسرائيل التوسعية تعترف بأن حدودها من الفرات إلى النيل، وبالتالي طموحاتها الاستعمارية تتعدى فلسطين أصلًا، وأخيرًا تبنت تل أبيب فكرة الدولة اليهودية علنًا والولاياتالمتحدة التي سيزورها كل من السيسي وأبو مازن الشهر المقبل دعمت المطلب الإسرائيلي، وبالتالي التحركات العربية الأخيرة قد تمهد لمصالحة عربية إسرائيلية على غرار المصالحة التركية الإسرائيلية، فأنقرة قالت إن تطبيع علاقاتها مع تل أبيب هو من أجل فك الحصار عن غزة، وبعد ذلك طبعت أنقرة علاقاتها مع العدو الإسرائيلي دون فك الحصار عن القطاع، مقابل اعتذار وحفنة من الدولارات، أي من الممكن أن تتم مصالحة عربية إسرائيلية لمجرد قبول شكلي لإسرائيل بحل الدولتين غير العادل في الأساس، خاصة بعدما صعدت تل أبيب لهجتها التفاوضية بطرح فكرة الدولة اليهودية، الأمر الذي سيسوّق على أنه انتصار عربي يمهد لمصالحة مع العدو الإسرائيلي.