من جديد عاد الصخب حول أزمة نقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس؛ حيث أشعل نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، فتيل الأزمة بتصريحات جددت الأمل في قلوب الصهاينة، لكنها في الوقت نفسه، أعادت التحذيرات والتهديدات العربية والفلسطينية للولايات المتحدة، التي تتردد إدارتها الجديدة في اتخاذ قرار نهائي بشأن المسألة. اشتعال الفتيل مجددًا قال نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، إن الرئيس دونالد ترامب "يدرس هذا الأمر بجدية"، وأضاف في كلمة أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية "أيباك"، وهي جماعة ضغط أمريكية قوية موالية لإسرائيل: "بعد عقود من الحديث فقط، يدرس رئيس الولاياتالمتحدة، بجدية، مسألة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس". التصريحات جاءت بعد زيارة مثيرة للجدل أجراها وفدا أمريكيا يمثله رئيس اللجنة الفرعية، رون دا سانتوتس، وعضو الكونجرس، دينس روس، الذي عمل في الماضي موفدا أمريكيا لعملية السلام، للقاء رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومسؤولين إسرائيليين في بلدية القدس، وبحث الوفد نقل السفارة إلى القدس، كما تفقد مواقع مقترحة لمقرها في القدسالمحتلة، وكشف التليفزيون الإسرائيلي حينها أن الزيارة كانت لمدة يوم واحد فقط، والهدف الرئيسي منها الفحص الدقيق لنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، سواء من الناحية العملية على واقع الأرض أو من الناحية السياسية. تردد أمريكي ومخاوف ترامب اللافت أن الإدارة الأمريكية أخذت الكثير من الوقت لبحث مسألة نقل السفارة، حيث كان ترامب وعد مرارًا أثناء حملته الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس عقب تنصيبه، الأمر الذي رحبت به إسرائيل بشدة، لكن تردد الإدارة الأمريكية جعلت الكيان الصهيوني يتوجس خيفة من التراجع عن الخطوة، خاصة أن نبرة الرئيس الأمريكي المرتفعة خلال حملته الانتخابية خفّت كثيرًا بعد تقلده منصبه. وأكد العديد من المراقبين أن نقل السفارة سوف يعود على أمريكا بالضرر، حيث ستتوسع رقعة المواجهة العربية-الإسرائيلية لتصبح عربية- إسرائيلية أمريكية، ومن المتوقع أن تتخذ العديد من الدول العربية والأوروبية والغربية قرارات تدين فيها أمريكا، وستدخل واشنطن في أزمات بمنأى عنها في الوقت الراهن، خاصة مع تصاعد أزمات الإدارة الأمريكية الجديدة مع العديد من الدول الأوروبية. ويرى بعض المراقبين أن السبب السابق ليس الوحيد الذي يجعل الإدارة الأمريكية مترددة، بل تدرك جيدًا أن الدول العربية ليست في موقف قوي لاتخاذ قرار يعارض الموقف الأمريكي، كما أن الأخيرة لن تكترث كثيرًا بالأزمات مع الدول العربية، لكن السبب الذي قد يكون وراء تأخر الوعد الانتخابي الترامبي، أن التنفيذ يعني اعتراف واشنطن نهائيًا بدولة إسرائيل، وبالتالي أصبحت القدس عاصمة لها ولا داعي لوضعها على طاولة المفاوضات، ما يعارض السياسة الأمريكية على مدار الأعوام الماضية، حيث كانت الولاياتالمتحدة ترفض رسميًا، شأن باقي دول العالم، الاعتراف بضم إسرائيلي للقدس الشرقيةالمحتلة منذ 1967، حتى التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني حول مكانة القدس التي تعد حاليا موضع مفاوضات ثنائية، ما يعني أن الخطوة الأمريكية سوف تصدر شهادة وفاة للمفاوضات المتعثرة منذ سنوات، وفي هذه الحالة لن تعترف الدول العربية أو الأوروبية أو الغربيةبالولاياتالمتحدةالأمريكية وسيطًا نزيهًا في أي مفاوضات مقبلة، وتسقط أمريكا بالنسبة للطرف الفلسطيني وربما بالنسبة لدول العالم أجمع. واستنادًا إلى ما سبق، رجح العديد من المراقبين ألا يُقدم الرئيس ترامب، على اتخاذ الخطوة التي ستفتح عليه أبواب خلافات في غنى عنها، خاصة أن مشروعه الانتخابي يحمل عنوان "أمريكا أولًا" أي مفترض ألا يتخذ خطوات من شأنها أن تتعارض مع المصالح الأمريكية، وأرجع المراقبون اللهجة المرتفعة التي تبناها ترامب في هذا الشأن خلال حملته الانتخابية إلى محاولاته كسب تأييد 25% من يهود أمريكا للتصويت لصالحه، إضافة إلى حشد أصوات الأمريكيين المقتنعين بأن السياسة المهتزة لأوباما أضعفت مكانة الولاياتالمتحدة في العالم، وتحديدًا في الشرق الأوسط، حيث سينظر هؤلاء لخطوة ترامب بعين الرضا ما يُمكنه من كسب أصواتهم. نشوة تصحبها مخاوف إسرائيلية على الجانب الآخر، فإن رغبة إسرائيل المُلحة في إقرار هذه الخطوة وتنفيذها من الجانب الأمريكي، لا تمنع وجود مخاوف إسرائيلية متداولة هناك، يتركز غالبيتها على اشتعال الأوضاع والتوترات بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة، التي حذرت مرارًا من أن الخطوة من شأنها أن تصب الزيت على نار الانتفاضة الفلسطينية المشتعلة تحت الرماد، حيث أكد مراقبون أنها ستؤدي إلى اضطرابات داخلية عميقة في الأراضي المحتلة، قد تدخل فيها حركة حماس وتجد فيها فرصة لتصفية الحسابات التي أصبحت ثقيلة مع الكيان الصهيوني، بل قد تصل هذه الاضطرابات إلى حزب الله الذي بالتأكيد سيعارض الخطوة الأمريكية. وعمل الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، لسنوات على تأجيل قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مبررًا ذلك بأن الخطوة قد تزعزع استقرار تل أبيب، حيث حذر سابقًا من أن نقل سفارة الولاياتالمتحدة إلى القدس من شأنه أن يؤدي إلى تفجير الوضع، وقال: على الفريق الرئاسي الجديد الانتباه لأن هذه مادة متفجرة، عندما يتم اتخاذ خطوات أحادية مفاجئة تتعلق ببعض القضايا الجوهرية والحساسيات المتعلقة بأي جانب فإن ذلك قد يفجر الوضع.