كانت الكتاتيب فخرًا لمن تعلم وتخرج فيها في القرن الماضي، واهتمت الأسرة بالتعليم وتحفيظ القرآن بشكل كبير، ويظهر ذلك في المنافسات التي كانت تعقد بين العائلات في القرى، والتي تجلس جميعًا للاستماع إلى تلك الطلاب؛ سواء بتلاوة القرآن أو التحدث عن علم جيد تعلمه في الكتاب، وهناك نماذج كثيرة برزت ونبغت موهبتها داخل الكتاب، ولم تعد الكتاتيب متواجدة إلا القليل منها مع تطور في شكلها.. «البديل» تكشف السبب وراء اخنفائها. الكُتَّاب في الإسلام كانت بداية الكُتَّاب مع الإسلام وعهد النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» وانتشر في البلاد خضعت للفتح الإسلامي، وكان المسلمون يرسلون أبناءهم لتعلم القراءة والكتابة وعلوم الدين والخط والحساب، وكان الرسول يعتق الأسرى في الغزوات مقابل تعليم 10 من المسلمين القراءة والكتابة. كُتَّاب في كل قرية انتشرت الكتاتيب في القرن الثاني الهجري وأصبح في كل قرية كتاب، عبارة عن حجرة بمنزل أحد المعلمين يخصصها لاستقبال الأطفال أو حوش فسيح يتسع للتلاميذ، وكان هذا الكتاب مقصد كل الطبقات؛ الغني والفقير بلا فرق، فالكل يسعى إلى تزويد أبنائه بالعلم، وكل مسجد يجاوره كُتَّاب، والكثير من الشيوخ أو «سيدنا» كما كان يلقب، يعلِّم الأطفال بدون أجر، أو بأجر بسيط جدًّا لتلبية ضرورات الحياة. وذكر شهاب الدين عبد الرحمن في كتابه «الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية»أن «قد كثر الاهتمام بكتاتيب الأيتام خلال عهود الزنكيين، والأيوبيين والمماليك، فهذا نور الدين زنكي يبني في كثير من بلاده مكاتب للأيتام ويجري عليهم وعلى معلميهم الجرايات الوافرة». «سيدنا» ومكانته الشيخ المسؤول عن الكتاب يسمى «سيدنا» ويتمتع بمكانة كبيرة بين التلاميذ وأهالي القرية، وكان يلقي الدروس في إحدى حجرات منزله أو مكان منفصل، ويجلس الطلاب على الأرض حوله في دائرة، وهو في منتصفها أو يجلسون في صفوف متتالية في حالة الأعداد الكبيرة، وربما يتم استخدام الريشة واللوح والحبر للكتابة والتعلم داخل الكتاتيب، وكان الطلاب يحفظون على اللوح ما يتعلمونه من سيدنا، وفي اليوم التالي يمتحنهم فيما تلقوه ويكافئ من حفظ ويعاقب من لا يلتزم بتعليماته باستخدام الفلكة «أداة للضرب على القدم». ماذا يتعلم الطالب داخل الكتاتيب كانت رغبة الآباء الأولى أن يحفظ أبناؤهم القرآن الكريم ويتعلموا أمور الدين قبل الالتحاق بالأزهر الشريف، ويتلقى الطلاب داخل الكتاتيب الكثير من العلوم في اللغة والأدب والحساب والكتابة والأحاديث، كل شيء يدرس داخل الكتاب بالإضافة إلى الأخلاق وحسن السلوك والمعاملة وطاعة الله وبر الوالدين واحترام الكبير، رغم بساطة الكتاتيب التي كان أساسها من الحصير ومصطبة يجلس عليها سيدنا، هو ما يختلف عن التطور الذي يشهده التعليم الآن، إلَّا أنه تخرج فيها العديد من النماذج البارزة في المجتمع. أسباب اختفاء الكتاتيب ظهرت رياض الأطفال «الحضانات» بشكل كبير بهدف تنمية الطفل من الجانب الاجتماعي وتمهيده لدخوله المدرسة، وأخد دور الكتاتيب يتقلص شيئًا فشيئًا، ولم تعد متواجدة إلَّا نادرًا مقارنة بالحضانات، وعزف الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى الكتاب. قال أحمد علي، ولي أمر أحد الطلاب: الكتاب تخرج فيه عباقرة بمجالات مختلفة في الماضي، لكن الزمن اختلف والأساليب تطورت، والحضانة الآن بها معلمون ومدربون متخصصون ومؤهلون علميًّا للتعامل مع الأطفال نفسيًّا، وتأسيسهم بشكل علمي ووسائل حديثة مع التطور التكنولوجي الذي وصل للأطفال على العكس من الأساليب البدائية في الكتاب. وأضاف ل«البديل»: «السبب في اختفاء الكتاب، يرجع إلى اعتماد ثقافة أغلب شيوخه على أسلوب إرهاب الطفل وتخويفه حتى يسيطر عليه، مما يخلق منه مع الوقت شخصية مهتزة وغير قادرة على اتخاذ أي قرارات في حياته، كما أنه أصبح يعتمد فقط على تحفيظ القرآن، على عكس زمان كان يعلم القراءة والكتابة والحساب». واستكمل: وفي الحقيقة لديَّ تخوف آخر، وهو أن معظم كتاتيب اليوم أصبحت يسيطر عليها بشكل كبير تيارات دينية تميل أغلبها إلى التشدد، وبعضها يكون مدفوعًا بتوجهات سياسية لنفس تلك التيارات، وتسعى لتمرير أفكارها الخاصة أو الجماعة التي يتبعها، للأطفال، بدلًا من تنمية مهارات التفكير لدى الأطفال، وحثهم على تكوين رأيهم الخاص، وهو ما تنجح فيه الحضانات المهنية حاليًا. وسرد الشيخ عبد المجيد البربري، من محافظة المنوفية، وأحد الشيوخ بالكتاتيب، ل«البديل» قصته مع الكتاب، قائلًا: زمان كانت الإمكانيات على أدنا وأدواتنا بسيطة، وكنا بنعلم الأولاد الحروف الأبجدية بالتشكيل وتحفيظ القرآن، كانت أجرتنا بسيطة وبنراعي ظروف الناس، كل واحد ومقدرته، إما كيلة حبوب «غلة أو درة»، أو 5 تعريفة أو 10 قروش، دلوقتي الدنيا اتغيرت والأهالي بقت تودي أولادها الحضانة، والكتاب شبه اختفى من الريف؛ لأن سكان الريف تمدنوا وأصبحوا يقلدون أهل البندر.