دائما ما تختلف الثقافات من شعب إلى آخر، فلكل مجتمع طبيعته الخاصة التي ينفرد بها لتميزه عن غيره فبالنظر إلى شكل وطبيعة الاحتفالات ب«آل البيت» عند المصريين سنجدها على النقيض عند العراقيين، يتضح هذا الاختلاف في المفارقة بين مظاهر وأسباب الفرح والحزن عند الشعبين، فدائما ما يحيي الشعب العراقي ذكرى الوفاة لأولياء الله الصالحين وما يتخلل الذكرى من ندب ونواح وعديد، فعلى العكس يحتفل المصريين دائما بذكرى الميلاد عن طريق ترديد المدائح والقصائد التى تظهر محبتهم آل البيت النبي، ومحبتهم لأولياء الله الصالحين. كلاهما يتفقان على حب «آل البيت»، لكن كل منهم يعبر عن مدى حبه بطريقته فالحزن العراقي له جذور تاريخية عميقة تعود لأول حضارة ظهرت في وادي الرافدين، وقد تمكن ذلك الحزن من تكوين الإنسان العراقي من خلال عوامل عديدة ظلت امتدادا لتفاقم الحزن واستمراره عبر عصور العراق التاريخية. العراق بحسب كتاب «الفكر السياسي في العراق القديم» يقول الدكتور عبد الرضا الطعان، إن أسباب الحزن في العراق تعود إلى عدة عوامل تتمثل في «البيئة الطبيعية، والعوامل الدينية، والعوامل السياسية». فنجد أن لطبيعة الأرض والمناخ أثرهما الكبير في تكوين سيكولوجية الإنسان العراقي فمن حيث طبيعته كان يبدو محروما من التحديدات الدقيقة، ولذلك فإنه كان يتعرض باستمرار للغزو والنهب من قبل سكان الجبال القادمين من الشرق أو من قبل القبائل من الغرب، فنتيجة القمع المستمر للشعب على مر الأزمان يولد شيئا من دوام الكآبة والانقباض في النفس، ويضفي مسحة من التشاؤم على عامة الشعب. العوامل الدينية أما عن تأثر الشعب العراقي بالعوامل الدينية فتأصل الحزن لديه يعود إلى رواية الخلق البابلية، فمع بداية ظهور أولى الحضارت في العراق القديم كانت هناك صراعات وحروب بطبيعتها أثرت على فكر وبناء الشخصية العراقية، حتى جاءت ثورة الإمام الحسين واستشهاده، حيث أصبح استشهاده في 61 ه معلم الحزن العراقي، ومنذ ذلك اليوم ومواكب الحزن الجماعي في العراق تندب بأرقى، وأعمق أناشيد الحزن لذلك الاستشهاد. العوامل السياسية فيما تعرض العراق إلى عوامل سياسية خارجية قاسية على مر الأزمان سواء أكان ذلك من جهة الشرق، أو الغرب لأنه محط أطماع منذ أقدم العصور نظرا لطبيعته وموقعه الجغرافي فكان عرضة للهجمات، والكوارث الخارجية التي تستبيح أرضه وشعبه، جرى التعبير عن هذه الأزمات بمشاركة وجدانية اقتضى الحال أن تكون بمستوى الفجيعة ثم تحول هذا التعبير، عبر تكرار الفواجع وما صاحبها من تعزيز إلى تقليد، حتى صار من غير اللائق اجتماعيا أن يكون الانفعال هادئا أو باردا في مواساة من كان انفعاله ملتهبا. مصر أعادت الاحتفالات بذكرى «آل البيت» المصريين إلى سيرتهم الأولى حيث عرفت مصر القديمة، عبادة كثير من الآلهة والربات، اللاتى ولدن من المعتقدات الشعبية، السائدة لدى الفراعنة آنذاك، وكان لكل ربة وإله عيد خاص، ووزع الكهنة الذين وضعوا التقويم للمصريين القدماء، الأعياد على مدار السنة. وتشير دراسات وتقديرات إلى أن الاحتفالات في مصر القديمة، كانت تستغرق ثلث العام، وأنه ليس هناك شعب آخر استمتع بالاحتفالات والمهرجانات الدينية أكثر من الفراعنة، ومن ضمن ما كانت تشهده مصر القديمة من أعياد، عيد «حتحور» ربة الحب والفرح والموسيقى والسعادة لدى القدماء المصريين. كما حرص المصريين على إدخال البهجة والسرور على أنفسهم في الأعياد، عن طريق التنزه والموسيقى ومشاهدة الرقص الديني للمعبودات والفرعون لإدخال البهجة والسرور على النفس وتبادل التهاني بالأعياد، وحضور الاحتفالات جماعة وأسر، بداية من الأسرة الملكية وحتى أسر العامة والموظفين. الموالد الشعبية ظهرت الموالد الشعبية في مصر على أيدي الفاطميين، في القرن العاشر الميلادي، أما الاحتفالات الشعبية بموالد الأولياء والقديسين فتعد امتدادا تاريخيا لما كان يفعله القدماء المصريين في احتفالاتهم بموالد الفراعنة والآلهة، وهذا دليل على أن المصريين لازالوا يتمسكون بمعطيات ثقافية نشأت مع الدولة الفاطمية التي حكمت مصر ما يقارب القرنين من الزمان، وذلك رغم محاولات طمس آثار الفاطميين وثقافتهم. مظاهر البهجة والفرح دائما ما تكسو الموالد الشعبية فالإنشاد الديني وحلقات الذكر والغناء والأكل والشرب والحلويات هي الغالبة على المشهد، طقوس لعب عليها الفاطميون ليتمكنوا من تشكيل المزاج الشعبي الديني لدى المصريين، فحينما دخلوها وجدوا أن لأهل المحروسة ارتباطا شديدا بالثقافة الفرعونية والقبطية، وأن المزاج الشعبي يربط بين الاحتفال من جهة، والأكل والشرب والغناء من جهة آخرى، وحتى يومنا هذا لا يزال المصريون يتمسكون بمعطيات ثقافية نشأت مع الدولة الفاطمية. التواصل النفسي بحسب دراسة «الموالد.. دراسات للعادات والتقاليد الشعبية» يقول الدكتور فاروق أحمد مصطفى، إن الضمير الشعبي والعقل الجمعي المصري حولا الموالد من مجرد احتفالية دينية إلى صيغة طقسية دنيوية ودينية، تندمج فيها ذات الفرد مع ذات الجماعة، وتتحقق فيها حالة من الهروب من الروتين اليومي، والتواصل النفسي والإحساس بالترابط والتآلف. ويؤكد أن المشاركة الجماهيرية في الاحتفال، تحول الجمهور من مجرد متلق سلبي إلى مشارك فعال، فيسقط الحاجز بين الإبداع والتلقي، وتنفذ العروض الشعبية إلى وجدان وعقل الجمهور بيسر وسهولة ومن ثم يمكن المرء أن يتفاعل مع التجارب الإنسانية. تكامل الحضارتين بالنظر إلى الموروث الديني والثقافي والتاريخي عند الشعبين العراقي والمصري سنجد أن لهم تأثيرهم القوي والواضح من خلال ما تعرض له الشعبين منذ قديم الأزل، وبالرغم من اختلاف هذه الموروثات بين الشعبين إلا أن الحضارتين المصرية والعراقية تعدان من أقدم الحضارات في العالم، وحسب المؤرخين فمن الواضح أنهما عاصرتا بعضهما. وهناك عدة تأثيرات متبادلة بين الحضارتين المصرية القديمة وحضارة بلاد الرافدين «العراق» ومن أمثلة صور التفاعل بين الحضارتين أنه عن مصر أخذت بلاد الرافدين نظام الهرم المدرج فى بناء معابدها، وعن بلاد الرافدين أخذت مصر استخدام الأختام وفن رسم الحيوانات المجنحة، وفى عهد «تحتمس الثالث» امتدت الفتوحات المصرية إلى بلاد الرافدين. كما عاصرت الحضارة المصرية القديمة بعض حضارات قامت فى بلاد الشرق الأدنى القديم، ومنها حضارة بلاد الرافدين، وحضارة بلاد الشام، وحضارة جنوب الجزيرة العربية، تلك الحضارات تأثرت بالحضارة المصرية القديمة فى كل مظاهرها، وأثرت أيضا فى الحضارة المصرية فى بعض المظاهر، وذلك يعني أنه حدث تفاعل بين حضارة مصر القديمة، وحضارات الشرق القديم، وحدثت علاقات التأثر والتأثير بين هذه الحضارات جميعاً.