شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية سجالًا مستمرًا بين البلدين حول الجرائم الفرنسية بحق الشعب الجزائري، ولكن يبدو أن فرنسا لم تتخلّ عن نظرتها الاستعمارية للجزائر، وهو ما تمثل مؤخرًا في شقين أحدهما اقتصادي والآخر سياسي. الشق الاقتصادي قبل يومين، طالب كريستيان ايستروزي، رئيس منطقة "آلب كوت دازور" الفرنسية، طالب الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال، بالتدخل لرفع الحظر على استيراد تفاح منطقة "آلب". الطلب الذي جاء على شكل "أمر" موجه للسلطات الجزائرية، جاء بعد الأزمة التي يعيشها منتجو التفاح في منطقة الآلب بعد وقف عمليات استيراده من قبل الجزائر، وحسب ما جاء في بيان المسؤول الفرنسي، فإن السوق الجزائرية كانت تستورد 40 بالمائة من مبيعات تفاح منطقة "آلب". وتحدث كريستيان ايستروزي، في بيانه عن الجزائر وكأنها لا تزال مستعمرة، ستنحني لطلبه وتستورد آلاف الأطنان من تفاحه، وذهب إلى حد المطالبة بوضع "كوتة" 20 ألفا من التفاح يجب على الجزائر استيرادها من هذه المنطقة الفرنسية. الحكومة الجزائرية ردت على "الأمر" الفرنسي٬ باستحالة تمكين مستوردي التفاح من إدخال "كيلوجرام واحد" من هذا المنتج في الظرف الراهن٬ بعدما قارب حجم الإنتاج الوطني الجزائري 5 ملايين قنطار٬ غطت السوق الداخلية وسمحت برفع مداخيل الفلاحين. الشق السياسي سياسيًا، أثارت تصريحات المرشح الفرنسي المستقل، إيمانويل ماكرون، في الجزائر جدلا في فرنسا حول ماضيها الاحتلالي للجزائر والذي وصفه ماكرون بأنه جريمة ضد الإنسانية، إذ أهاجت تصريحات ماكرون الأحزاب السياسية في فرنسا خاصة في أوساط اليمين واليمين المتطرف وقدامى فرنسيي الجزائر. وكان ماكرون، قد قام في 14 من الشهر الجاري، بزيارة للجزائر استمرت يومين، أكد فيها أهمية "دور الجزائر" في تاريخ بلاده "وفي مستقبلها"، مشيرا إلى أن "هذه الزيارة أمر لا غنى عنه أثناء حملة انتخابية رئاسية فرنسية". كلام ماكرون ضد الاحتلال الفرنسي جاء خلال مقابلة تلفزيونية على قناة الشروق الجزائرية خلال حلوله ضيفا عليها، وقال فيها إن "الاستعمار يشكّل جزءًا من التاريخ الفرنسي، إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، لقد كان بربرية حقيقية"، مردفا أنه يجب على الفرنسيين تقديم اعتذار لمن تضرروا من هذا الاستعمار. ولا تبدو الأحزاب اليمنية في فرنسا مقتنعة بجرائم باريس إبان حقبتها الاستعمارية على الجزائر، الأمر الذي دفع هذه الاحزاب لمهاجمة تصريحات ماكرون، حيث وصف دافيد راشلين، مدير حملة مارين لوبين، رئيس الحزب اليميني الجبهة الوطنية، تصريحات ماكرون ب"غير المقبولة"، وب"الشتيمة في حق فرنسا"، ولم تخف المرشحة الرئاسية اليمينية عداءها للجزائر، داعية، في تصريحات استفزازية، إلى التعامل مع الجزائر تماما كما يتعامل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع المكسيك. كما كتب فرانسوا فيلون، مرشح الحزب الجمهوري، على حسابه بتويتر، أن تصريحات ماكرون تمثل "مقتا للتاريخ الفرنسي"، وأعلن "هذه التوبة المستمرة تضرّ بسمعة مرشح لرئاسة الجمهورية". بينما كتب رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي، جون فريديرك بواسون، أن أقوال ماكرون "إساءة لفرنسا"، وأنها "تعبر عمن هو غير مؤهل لتسيير البلاد". وحتى فيما يتعلق باليسار الفرنسي، فقد تجنَّب مرشح اليسار، بنوا آمون، وصف الاستعمار الفرنسي لشمال إفريقيا ب"الجرائم ضد الإنسانية"، مكتفيًا بالتأسف عن "المظالم التي حدثت هناك"، ومتعهدًا بالنظر فيها، حال وصوله إلى قصر الإليزيه لخلافة الرئيس الحالي فرانسوا أولاند. ويرى عدد من الشخصيات الفرنسية أن الاحتلال الفرنسي أسهم في نقل الحضارة إلى الدول المستعمرة، ومن هؤلاء الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي. تصريحات ماكرون ينتمي ماكرون لحزب "إلى الأمام"، وسبق له أن شغل منصب وزير الاقتصاد في حكومة مانويل فالس. الجانب المضيء في تصريحات ماكرون تتمثل في وصفه الاحتلال الفرنسي للجزائر بالجريمة الإنسانية، لكن حتى تصريحاته لصالح الجزائر تخفي وراءها الكثير من علامات الاستفهام، ويبدو أن ماكرون لا يقدم الخدمات المجانية للجزائر، فالتصريحات جزء مهم من الدعاية الانتخابية له في واقع الحال، إذ من الممكن أن تكسبه تأييد الجالية الجزائرية في فرنسا المقدرة بنحو مليونين، منهما مليون ناخب، ومعها الجالية المغاربية عموما والعربية والإفريقية بشكل أوسع، خاصة أن ماكرون نجح بالفعل في الإطاحة ب"لوبان" من الناحية النظرية، إذ أظهرت استطلاعات الرأي الصادرة في فرنسا، أمس الإثنين، أنه سيفوز على منافسته ب58% من الأصوات مقابل 42%. وعلى المستوى الشعبي الفرنسي تشير استطلاعات الرأي إلى أن 51% من الفرنسيين يؤيدون وصف الاستعمار الفرنسي بأنه جريمة ضد الإنسانية، بحسب شركة "IFop" الفرنسية الكبرى لدراسات الرأي العام، ما يعني أن تصريحات ماكرون لن تقلّص من شعبيته، وإنما قد تحسم المسار الانتخابي برمّته، وتكبح صعود اليمين المتطرّف في البلاد، الأمر الذي سيوظف لصالح المرشح المستقل. الجرائم الفرنسية الجرائم الفرنسية في الجزائر لا تعد ولا تحصى، فحينما دخلتفرنسا مدينة الأغواط الجزائرية عام 1852 م، أبادت ثلثي سكانها، حرقا بالنار، وفي ليلة واحدة. وأجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الجزائرفي الفترة من1960 – 1966، وقدأسفرت عنعدد غيرمحدد منالضحايا يتراوح بين27 ألفو100 ألف. وعندما خرجتفرنسامنالجزائرعام 1962، كانتقدزرعتوراءها عددا منالألغام أكثرمنعدد جميع سكان الجزائروقتها، 11 مليون لغما. واحتلتفرنساالجزائرلمدة 132 سنة، أباد الفرنسيون خلالها مليون مسلمفي أول 7 سنوات بعدقدومهم، ومليون ونصفمليون في آخر7 سنوات قبلرحيلهم. وقدر المؤرخ الفرنسي جاك جوركي أن مجموع الذينقتلتهمفرنسا في الجزائرمنذقدومها عام 1830 حتى رحيلها عام 1962 هم10 ملايينمسلم. الجدير بالذكر، أن فرنسا احتلتتونسمدة 75 عاما، والجزائر136 عاما، والمغرب 44 عاما، وموريتانيا 60 عاما واحتلتالسنغال (%95 منسكانه مسلمون) لمدة 3 قرون. وتطالب الجزائر، رسميا وشعبيا، منذ الاستقلال عام 1962، باعتذار رسمي لفرنسا عن "جرائمها" الاستعمارية، فيما تقول سلطات باريس إن الأبناء لا يمكن أن يعتذروا عما ارتكبه الآباء والأجداد. وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، قد اعترف أمام البرلمانيين الجزائريين، في عام 2012، ب"المعاناة" التي تسبب فيها الاستعمار الفرنسي "الجائر والوحشي" للجزائر، لكن بعض الجزائريين انتقدوا خطابه لأنه لم يتضمن اعتذارا صريحا عن تلك الفترة.