شهدت الإدارة الأمريكية، خلال الأيام القليلة الماضية، أجواء من العبث والفوضى والارتباك، بداية من رفض القضاء الأمريكي قرار ترامب المثير للجدل والذي يمنع رعايا سبع دول عربية وإسلامية من دخول واشنطن، مرورًا بالتحقيق مع مستشار الرئيس للأمن القومي، مايكل فلين، بعد أن دارت حوله شبهات التنسيق السري مع روسيا، وصولًا إلى رفض الفريق البحري المتقاعد، روبرت هاروارد، ترشيح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، له في منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي، ليضع ترامب في أزمة حرجة، خرج منها مؤخرًا بتعيين الجنرال "إتش. آر. ماكماستر"؛ ليكون المستشار رقم 26 في الأمن القومي. أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أمس الاثنين، تعيين الجنرال "إتش. آر. ماكماستر" مستشارًا لشؤون الأمن القومي، حيث وصف "ترامب" الجنرال "ماكماستر"، في تصريح صحفي أدلى به من منزله في مارا لاغو بولاية فلوريدا، بأنه "الرجل الذي يتمتع بميزات وخبرات رائعة"، فيما قال الجنرال "ماكماستر" خلال تعريف مقتضب عن نفسه إلى الصحافة إلى جانب الرئيس الأمريكي: أتطلع إلى الانضمام إلى فريق الأمن القومي، وبذل كل ما في وسعي لتعزيز وحماية مصالح الشعب الأمريكي. وأضاف "ماكماستر" متوجهًا ل"ترامب": أود أن أؤكد أنه شرف كبير لي أن أستمر في خدمة الوطن، وأعرب أن امتناني لك لمنحي هذه الفرصة. يأتي تعيين "ماكماستر" خلفًا للجنرال المتقاعد "مايكل فلين"، الذي استقال قبل أسبوع، على خلفية اتهامه بتهديد الأمن القومي الأمريكي، وذلك بعد أن تم الكشف عن محادثات أجراها "فلين" مع السفير الروسي لدى واشنطن، سيرجي كيسلياك، حين كان "باراك أوباما" رئيسًا للبلاد، وخلال هذه المحادثات ناقش "فلين" العقوبات الأمريكية على روسيا مع السفير الروسي، الأمر الذي يُعده القانون انتهاكًا؛ حيث يُمنع على المواطنين العمل الدبلوماسي دون صفة رسمية تخول لهم ذلك. "ماكماستر" لم يكن البديل الأول ل"فلين"، بل سبق أن رشح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الفريق البحري المتقاعد، روبرت هاروارد، الذي رفض عرض ترامب للمنصب لأسباب وصفها بأنها "شخصية"، فيما قالت مصادر سياسية إن السبب هو قلق "هاروارد" من طريقة إدارة البيت الأبيض. من هو ماكماستر؟ "هربرت رايموند مكماستر" ولد في 24 يوليو عام 1962، في مدينة فيلادلفيا بالولاياتالمتحدةالأمريكية، ودرس في جامعة ولاية كارولينا الشمالية في تشابل هيل، والأكاديمية العسكرية الأمريكية، ليخدم بعد ذلك في الجيش الأمريكي عام 1984، ويستمر فيه لمدة 32 عامًا، حيث شارك في حرب الخليج الثانية عام 1991، وقاد فرقة الصقور، كما شارك في حرب العراق عام 2004، وقاد الفرقة المدرعة الثالثة التي أوكلت إليها مهمة تأمين مدينة تلعفر، وأصبح خبير شئون مكافحة التمرد في العراق، وشارك "ماكماستر" أيضًا في حرب أفغانستان بين العامين 2004-2006، كما تم اختياره عام 2010 ليكون نائبًا لقائد التخطيط في قوة المساعدة الأمنية الدولية في كابولبأفغانستان، وتولى أيضًا رئاسة لجنة الشفافية بشأن أفغانستان. في عام 2014، أدرجت مجلة التايم الأمريكية "ماكماستر" بقائمة أكثر عشرة أشخاص تأثيرًا في العالم لذلك العام، حيث قالت المجلة عنه حينها: قد يكون أفضل من يتمتعون بفكر المحارب في القرن الحادي والعشرين، كما أطلق الجنرال المتقاعد "ديف بارنو"، الذي قاد قوات الحلفاء في أفغانستان بين عامي 2003 و2005، على "ماكماستر" لقب "مهندس مستقبل الجيش الأمريكي"، وذلك في مقال كتبه عنه، ونال "ماكماستر" العديد من الميداليات والأوسمة جراء خدماته والحروب التي شارك فيها، من أبرزها وسام النجمة الفضية لشجاعته. مُعادٍ لحرب فيتناموروسيا "ماكماستر" معروف بالتعبير عن رأيه بصراحة وحسم، حيث سبق أن انتقد علانية دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية في حرب فيتنام، وظهر ذلك في كتاب من تأليفه بعنوان "التقصير في الواجب"، الذي عبر فيه عن هذا الانتقاد علانية، وحلل فيه "ماكماستر" سياسات الرئيس الأمريكي الأسبق، ليندون جونسون، ووزير دفاعه، روبرت ماكنامارا، ووصفها ب"الأكاذيب التي قادت إلى حرب فيتنام". في ذات الإطار فإن مواقف "ماكماستر" تشير إلى أنه يناصب العداء لروسيا، حيث يعتبرها تمثل تهديدًا للولايات المتحدة، على عكس سلفه "مايكل فلين"، الذي كان يرى في موسكو حليفًا سياسيًّا كبيرًا وهامًّا، وتعتبر روسيا نقطة خلافيه كبيرة وشائكة في الوقت الحالي داخل إدارة "ترامب"، حيث شكك مسؤولون ديموقراطيون في أن المسئولين داخل إدارة ترامب يهددون الأمن القومي الأمريكي من خلال التقارب مع روسيا واعتبارها حليفًا سياسيًّا على حساب حلف الناتو، الذي يعتبر الصديق التاريخي والوفي لواشنطن، وهو ما سبب حرجًا كبيرًا للرئيس الأمريكي، خاصة بعد الأزمة مع "فلين"، ما دفع ترامب إلى محاولة اختيار شخصية لا تميل بشكل كبير إلى روسيا، حتى لا تكون محل انتقاد جديد من معارضي "ترامب" في البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، وهو ما ظهر في إشادة السيناتور جون ماكين، رئيس لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ، وأحد أبرز منتقدي ترامب، باختيار "ماكماستر"، واصفًا إياه بالمميز، قائلًا "أحيي الرئيس ترامب على هذا القرار"، لكن هذا الأمر رأى فيه مراقبون احتمال أن يؤثر بشكل كبير على العلاقات الروسية الأمريكية، التي يحاول ترامب تعزيزها منذ تنصيبه.