كانت قضية الطلاق الشفوي بين أهم الصراعات الخفية التي حدثت مؤخرًا بين الأزهر والسلطة، حيث طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من شيخ الأزهر والقائمين على الأمور الشرعية وضع تشريع لمنع الطلاق الشفوي، باعتباره سبب زيادة أعداد المطلقات بمحاكم الأسرة، وظهر كلام السيسي في عيد الشرطة يوم 24 من يناير الماضي. وظل الأزهر بمؤسساته صامتًا لعشرة أيام، ولم يصدر أي بيان له علاقة بالطلاق الشفهي، واكتفى علماؤه بالقول، إن الموضوع محل دراسة وبحث من هيئة كبار العلماء، إلى أن أعلنت هيئة كبار العلماء موقفها من القضية في الرابع من الشهر الجاري ببيان واضح وصريح، أكدت فيه وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، دون اشتراط إشهار أو توثيق. جاء بيان هيئة كبار العلماء واضحًا وصريحًا ضد السلطة ممثلة في الرئيس السيسي، الذي كان يريد من الأزهر أن يتورط في أمر شرعي وديني وينقلب على العقيدة، انطلاقاً من المسؤولية الشرعية للأزهر ومكانته في وجدان الأمة التي أكدها الدستور، وقال البيان، هيئة كبار العلماء ترى أن ظاهرة شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق؛ لأن الزوج المستخف بأمر الطلاق لا يعيقه أن يذهب للمأذون أو القاضي لتوثيق طلاقه، علمًا بأن جميع إحصاءات الطلاق المعلن عنها هي حالات مثبتة وموثقة سلفًا إما لدى المأذون أو أمام القاضي، والعلاج الصحيح لهذه الظاهرة يكون في رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكل أنواعها، وتثقيفهم. بعض المتابعين وصف بيان الأزهر بأنه شديد اللهجة للسطلة نفسها، حينما قال البيان: «وتهيب الهيئة بكل مسلم ومسلمة التزام الفتاوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء، والاستمساك بما استقرت عليه الأمة؛ صونًا للأسرة من الانزلاق إلى العيش الحرام». علماء السلطة لكن مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، برر تصريحات السلطة بما يظهر رفضه المكتوم لبيان هيئة كبار العلماء، حيث قال في تصريحات صحفية: الرئيس السيسي متخوف من قضية الطلاق الشفوي؛ لأنها مشكلة كبيرة وتحتاج إلى عناية خاصة من الجهات كافة من مؤسسات دينية ومراكز الأبحاث الاجتماعية وعلماء الاجتماع والنفس، والجهات المعنية كافة؛ للبحث عن أسباب الطلاق وطرق علاج هذه الظاهرة. لم يكن مفتي الجمهورية وحده هو الذي يدافع عن السلطة في قضية الطلاق الشفوي، فهناك علماء من الأزهر وقفوا مع السلطة في صراعها مع الأزهر، فالدكتور سعد الدين الهلالي خلال الندوة التي أقيمت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب لمناقشة كتاب استقلال المرأة في الإسلام للشيخ محمد الغزالي، قال صراحة: اللي بيحللوا الطلاق الشفهي أعداؤنا ولازم نقف قدامهم، وتبعه الدكتور خالد الجندي أيضًا في تصريحات صحفية قائلًا: الطلاق الشفوي يكون من الزواج الشفوي، لكن ازاي الواحد يتزوج بورقة ويطلق بكلمة؟! معترضًا على بيان هيئة كبار العلماء. من جانبه قال الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للديار المصرية: عدم احتساب الطلاق الشفوي «مصيبة سوداء»، ومن شأنه إحداث فتنة اجتماعية لا قِبَل لنا بها، وسيخلق مشكلات جديدة لبلادنا، فقد يطلق الرجل زوجته في اليوم 10 مرات ويدعي أنه كان يهرج. الطيب ينتصر وحسم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب الجدل مرة أخرى بعد بيان هيئة كبار العلماء في برنامجه الجمعة الماضية عبر التلفزيون المصري، حينما علق على قضية الطلاق الشفهي من الناحية العلمية قائلًا: لا أريد أن أدخل في المتاهات الأخرى والردود على ما يكتب أو يقال أو يبث في القنوات؛ لأن هذا من وجهة نظري تضييع للوقت وللجهد معًا، فقط أحب أن ألفت نظر المشاهد الكريم إلى أن المزايدة على الأزهر في هذا الموضوع تجاوز للحد، وأيضًا تجاوز للحق. وتابع: كنا نتمنى من بعض المنتسبين للأزهر ألَّا يقحموا أنفسهم في القضايا الفقهية الشائكة، وأن يتركوا للمجامع والهيئات المتخصصة في الأزهر الشريف بيان الحكم الشرعي في هذه القضية، قضية الطلاق الشفهي، ولدينا وثائق علمية حتى لا يزايد علينا أحد في الصحف ولا في القنوات. وأكد الإمام الأكبر أن المشكلة تكمن في أن كثيرًا من القضايا تُتخيل ثم تطرح في المكاتب المكيفة التي لا صلة لها بالواقع المعيش، وهذا خطأ مبين، فلابد من النزول إلى الناس ومخالطتهم لمعرفة مشكلاتهم، ومن ثم وضعها أمام المختصين، كل في مجاله، والاجتهاد لإيجاد حلول لها.