في الوقت الذي لم تفتح فيه كل الدول العربية أفواهها اعتراضًا على قرار الكنسيت الإسرائيلي الأخير، والذي يدعو صراحة إلى سرقة الأراضي الفلسطينية لصالح المستوطنين الصهاينة، تسعى دول عربية لتعزيز التعاون مع هذا الكيان الغاصب، والذي أخذ مؤخرًا شكل التنسيق الأمني "الإلكتروني" بين المملكة السعودية وتل أبيب. التنسيق بين الرياض وتل أبيب أقرّت وزارة الأمن الصهيونية بتصدير برامج إلكترونية ومنتجات "سايبر"، تتعلق بالمجال الأمني والتجسس إلى السعودية، لافتةً إلى أن الأخيرة هي أحد أسواق التصدير الأمني لهذه المنتجات، ضمن سوق أوسع للتصدير الأمني، إلى دول أخرى إسلامية وعربية، لا تربطها ب"إسرائيل" علاقات دبلوماسية. موقع "إسرائيل ديفنس" العبري، المتخصص بالشؤون الأمنية والعسكرية، الذي أعاد نشر إقرار وزارة الأمن في "تل ابيب"، أشار إلى أن هذا الموضوع أثير قبل أيام في موقع "بلومبيرج" الأميركي، كاشفًا أن وزارة الأمن وافقت على صفقات "سايبر" إلى السعودية، وأضاف أن هذا التقرير وهذا الكشف، يؤكدان من جديد أن تصريحات رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، عن التعاون الإقليمي لم يأتِ من فراغ. وكانت مقابلة أجرتها وكالة "بلومبيرج" مع مؤسس شركة " IntuView" الإسرائيلية والمختصة بتطوير تقنيات محاربة القرصنة الإلكترونية قد كشفت عن هذا التعاون، حيث أكد "شموئيل بار" حصوله على تصديق وزارة جيش الاحتلال على تصدير المنتجات التقنية للسعودية. وتحدث "بار" عن توجه السعوديين له قبل عامين؛ وذلك بهدف شراء خدمات استخبارية متعلقة بالسايبر لصالح العائلة المالكة، حيث جرى تزويد السعوديين ببرمجيات ساعدتهم على متابعة الرأي العام السعودي على الشبكة العنكبوتية. ونفى "بار" وجود مقاطعة إسلامية أو عربية لشركته، قائلاً بأنه تلقى الإذن بالتصدير لكل الدول ما عدا لبنان وسوريا وإيران والعراق. وقال "بار" إن شخصًا من المستويات العليا في السلطة السعودية دعاه لمناقشة مشروع محتمل عبر برنامج سكايب، حيث أرادوا الحصول على مساعدته في التعرف على الإرهابيين المحتملين، وكان هناك حل وحيد، وهو أن يقوم "بار" بإنشاء شركة في الخارج؛ لإخفاء هوية «إنتوفيو» الإسرائيلية. وأكد أنها لم تكن مشكلة، وبدأ في تصميم برنامج للتعرّف على الجهاديين السعوديين يدعى «إنتوسكان»، والذي يجري عملية مسح ل 4 ملايين من منشورات فيسبوك وتويتر يوميًّا، ولاحقًا توسّعت وظيفته؛ لتشمل أبحاثًا حول الرأي العام تجاه الأسرة الحاكمة. وأضاف "بار" أنّه يقابل هذه الأيام بحرية مسؤولين سعوديين ومن باقي دول الخليج العربية في مؤتمرات خارجية وفعاليات خاصة. وقال بار: "السعوديون ودول النفط الغنية العربية سعداء للغاية بدفع ثمن المساعدة، ولا وجود للمقاطعة العربية". وتتطلّب المقاطعة العربية للكيان الصهيوني والمعمول بها منذ عام 1948 أن تجري الأعمال المشتركة من خلال شركات وسيطة في بلدان أخرى، لكنّ المساهمة الإسرائيلية في 6 دول عربية خليجية على الأقل لم تعد ممكنة الإخفاء. مشاريع التعاون الخليجية الإسرائيلية وفقًا لشموئيل بار ومصادر مطلعة فإن المشاريع بين تل أبيب وبعض الدول الخليجية، كالسعودية والإمارات، كانت كالآتي: استثمار مجموعة من الشركات الإسرائيلية الناشئة في أوروبا والولايات المتّحدة أكثر من 6 مليارات دولار في البنية التحتية الأمنية للإمارات، باستخدام مهندسين صهاينة. وشاركت نفس الشركات في مشروع لإدارة الزحام في مكّة، وتعمل شركات إسرائيلية أخرى في الخليج من خلال شركات وهمية في مجال تحلية المياه وحماية البنية التحتية والأمن الإلكتروني وجمع المعلومات الاستخباراتية. وفي عام 2012، عندما اخترق الهاكرز نظام شركة أرامكو السعودية، تم دعوة الإسرائيليين للمساعدة في فك الأزمة. ورغم رفض مسؤولين سعوديين التحدّث بشكل رسمي حول العلاقات الممكنة مع الكيان الصهيوني، تم الكشف عن التعاون المشترك بين الرياض وتل أبيب من خلال عضو الكنيست عن حزب "العمل" إريئيل مرغاليت، والذي قال حينها إنّ شركات إسرائيلية ساعدت الشركة السعودية أرامكو في مواجهة هجمات سايبر. كما أن أحد المشاريع التي كُشف عنها هو ما يتعلق بشركة AGT، التي نفّذت مشروعًا ضخمًا لحماية حدود ومنشآت حساسة في الإمارات العربية المتحدة، وهو مشروع امتد تنفيذه لسنوات، وشاركت في تنفيذه وفي جزء كبير منه شركات أمنية "إسرائيلية". ولفت بار إلى أن صفقات المنتجات الأمنية والتكنولوجية لدول الخليج ليست أمرًا جديدًا، بل هي حقيقة واقعة ومتواصلة، أيضًا في السنوات الماضية. الجدير بالذكر أن تقريرًا للقناة العاشرة العبرية، في 18 سبتمبر الماضي، كان قد كشف عن أن "السايبر" الإسرائيلي لا يعمل فقط لحماية المعلومات، وإنما هناك أيضًا "سايبر" هجومي، تنشره الشركات الإسرائيلية في العالم، ويشغله خبراء إسرائيليون أحيانًا، ويُباع إلى الأنظمة الديكتاتورية التي تقمع شعوبها، مثل تركيا وموزمبيق وكينيا ونيجيريا والمكسيك، وأنظمة عربية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وكانت شركة الأبحاث IVCقد أصدرت عشية المؤتمر تقريرًا خاصًّا عن شركات "السايبر" الإسرائيلية، واعتبرت عام 2016 هو عام "السايبر" الإسرائيلي، وكشف التقرير أن هناك 430 شركة إسرائيلية تعمل في هذا المجال، مقارنة ب 20 شركة فقط في العام 1996، وأن 81% من هذه الشركات الحالية هي ملكية خاصة، وأن 19 شركة منها فقط هي شركات حكومية، فعدد الشركات التي يتم إنشاؤها سنويًّا في تزايد (بمعدل 66 شركة "سايبر" سنويًّا)، إضافة إلى ذلك ذكر التقرير أن 55% من الشركات معروضة للبيع، أو بيعت، كما ذكر التقرير أنه يوجد في الكيان الصهيوني أكثر من 40 مركزًا لتطوير تكنولوجيا المعلومات، تقدم خدماتها لشركات إسرائيلية بيعت لمستثمرين أجانب، بمعنى آخر أنه يتم إنشاء الشركة في إسرائيل، ثم تباع للخارج، على أن يبقى التطوير التكنولوجي والخبراء داخل إسرائيل. هذا ويتزامن الكشف الصهيوني عن التنسيق الأمني بين الرياض وتل أبيب مع تعرض السعودية لهجمات إلكترونية، حيث قالت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، المنظّمة لقطاع الاتصالات، إن هجمات إلكترونية استهدفت عدة مواقع في المملكة.