ستستمر السعودية خلال عام 2017 في متابعة اثنين من أهدافها الرئيسية التي حددها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، والذي تولى الحكم في يناير 2015، وهما الحد من الاعتماد على النفط والحد من الإنفاق الحكومي، حيث يهدف إلى وضع المملكة كقوة إقليمية يمكنها أن تواجه أي تهديد. يشرف محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، والذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، على الإصلاحات في البلاد، وقد وعد بالشفافية ومساءلة الحكومة، وتوفير المزيد من الفرص الاقتصادية للمواطنين في المملكة. لكن الإصلاح سيكون عبارة عن كفاح سيزيفي، نسبة إلى سيزيف، أحد أكثر الشخصيات مكرا بحسب الميثولوجيا الإغريقية، لأن الدولة توظف ثلثي السكان، كما أن نظام الاستحقاقات خلق لديهم ثقافة الاعتماد، وبالتالي سيكون من الصعب على السعوديين الخروج من برنامج الإعانات والصدقات الذي تقدمه الحكومة، ومن ثم يتأقلمون على اقتصاد دولة ليست هي اللاعب المهيمن. لتحقيق الأهداف، ستضطر الحكومة لخفض الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم والطاقة ودعم المرافق، بالإضافة إلى فرض أشكال جديدة من الضرائب مثل القيمة المضافة، وضرائب الأراضي، وخلق بيئة تنافسية لشركات القطاع الخاص لخلق فرص عمل أكثر في المستقبل، وبالتالي، فإن أسرة آل سعود الحاكمة سيتوجب عليها إعادة تشكيل العقد الاجتماعي مع رعاياها، حيث حسبما هو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، الشعب السعودي سيطلب منه الكثير ربما أكثر من التصريحات الرسمية للحكومة. أصبحت الإصلاحات في السعودية أكثر إلحاحا، وذلك بسبب الانخفاض المستمر لأسعار النفط، والعجز المتزايد في الميزانية الذي بلغ 16% من الناتج الإجمالي المحلي في عام 2015، بالإضافة إلى تراجع احتياطي النقد الأجنبي، من 745 مليار دولار إلى 545 مليار دولار في عام 2014. رؤية محمد بن سلمان 2030، والتي أطلقها في إبريل 2016، وخطة التحويل الوطنية التي أعلن عنها بعد ذلك بشهرين، أوضحت السياسات التي ينوي اتباعها حتى عام 2020، بلا شك الخطتان طموحتان، وتهدفان إلى اتباع ديناميكية الإقلاع عن بعض العادات والتفكير خارج الصندوق، حيث تحديد الأهداف المالية، وسرد المسؤوليات الإدارية الجديدة، واقتراح العديد من المبادرات وأساليب قياس الأداء، ولكن الأمير لم يحدد كيف سيحقق هذه الأفكار، لأن التنفيذ السليم سيكون بالغ الأهمية لنجاح الخطة، حيث أعرب العديد من المراقبين عن شكوكهم في قدرة الإدارة السعودية الحالية على تنفيذ الخطة بصورة فعالة. مما لا شك فيه، أن النظام الاقتصادي الحالي في السعودية لا يمكن تحمله، حيث النفط هو مصدر الدخل الأساسي، وهو مورد محدود دون وجود إمدادات بديلة، مثل احتياطات الصخر الزيتي، وتكنولوجيات الطاقة البديلة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، وبالتالي مع انخفاض سعره لن تتمكن الحكومة من السيطرة على الرواتب أو الفوائد. وللتأكيد، بدأ بن سلمان، اتخاذ إجراءات غير مسبوقة، حيث خفض الدعم على الطاقة، والرواتب لموظفي الدولة بنسبة 16%، ومناقشة خطط لخصخصة القطاعات الاقتصادية المختلفة مثل الرعاية الصحية والمياه والكهرباء، والأهم من ذلك أن الحكومة السعودية تدرس طرح جزء من شركة النفط أرامكو للخصخصة. تأمل الحكومة في توليد نحو 100 مليار دولار من بيع العائدات، وتمويل إنشاء أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، ومن ثم الاستثمار في الأصول لتنويع مصادر إيراداتها، ولكن بالطبع هذه الخطة تحمل الكثير من المخاطر، أهمها أن الميزانية العمومية لأرامكو واحتياطات النفط المؤكدة سيتعين مراجعتهما، ولن يتمتعا بالحصانة السيادية، ومثل هذه المراجعة تكشف مدى الحاجة للإصلاح السياسي، وهو الذي لم تضعه رؤية 2030 في حساباتها. تغيير النظام السياسي ضرورة، لأن السعوديين لن يستجيبوا بشكل جيد لتخفيض الدعم الحكومي، إذا رأوا أن العائلة الحاكمة لا تزال تستفيد من سخاء الدولة. وعلى الرغم من أن الإصلاح السياسي مسألة حساسة للغاية بالنسبة للعائلة المالكة، وبغض النظر عن المسؤول عن هذه الاصلاحات السياسية، فإن السعودية لن تتمكن من تنويع اقتصادها دون إصلاح النظام السياسي، وإلا فإن الترتيبات القائمة ستنهار في نهاية المطاف. لايف منت