تحل علينا اليوم الذكرى ال42 لوفاة الموسيقار فريد الأطرش الذي لقب ب"موسيقار الأزمان" و تغنى بألحانه أشهر المطربين والمطربات وترك بصمة في عالم الغناء والموسيقى في الوطن العربي، بموهبتة الشاملة وبراعته في العزف على العود وأمتعنا بأفلامه واستعراضاته الغنائية. ابن الأمراء "آل الأطرش" إحدى العائلات العريقة بسوريا، فهي عائلة الأمراء التي تسكن منطقة جبل العرب أو جبل الدروز جنوبسوريا، في عام 1910وتحديدا يوم 21 إبريل ولد فريد فهد فرحان إسماعيل الأطرش، وكان لوالده زيجات عديد حيث تزوج مرتين قبل الزواج من الأميرة علياء حسين المنذر التي أنجب منها خمسة أولاد وهم: أنور وفريد وفؤاد و وداد وآمال (الشهيرة ب أسمهان). تربي فريد الأطرش في بيت موسيقي حيث كانت والدته المطربة علياء المنذر تجيد ألوان الغناء السورية ووكذلك غناء لبنان والأردن وفلسطين، وكان نضال والده ضد الفرنسيين سببا في تشتت العائلة حيث اضطرت والدته إلى الهرب بصحبة أبنائها إلى القاهرة عام 1917، من الفرنسيين الذين قرروا اعتقال أفراد عائلته والانتقام من وطنية الوالد في أبنائه. داخل أحياء القاهرة عاش فريد الأطرش في حجرتين صغيرتين مع عائلته بعد أن كان يعيش في قصور عائلة آل الأطرش في سوريا، والتحق بمدرسة الخرنفش الفرنسية، وغير لقب عائلته بين زملائه في المدرسة فعرف باسم فريد كوسا على الرغم من كون هذا الفعل يضايقه كثيراً إلا أنه ظل هكذا، وانقطعت أخبار والده حتى وفاته في عام 1925. وتدهور الحال واضطرت أمه غناء الموشحات التركية والمواويل البدوية في روض الفرج لتغطية مصاريف أبنائها، كانت تذهب للعمل بصحبة فريد وفؤاد، في إحدى المرات كان يغني "فريد" داخل المدرسة فسمعه هنري هوواين، وراح يشيد بصوته وغنائه أمام المدرسين وفي عائلة الأطرش، فقامت المدرسة بطرده، والتحق بعد ذلك بمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك، ثم استكمل تعليمه بمعهد الموسيقى. الصدفة تقوده إلى الإذاعة وعمل "فريد" في بيع القماش وتوزيع الإعلانات لمساعدة والدته في مصروفات البيت، لكن كانت الأموال التي يحصلها نهاية الشهر زهيدة جدا، فعمل عازف عود بفرقة "بديعة مصابني" ثم احترف الغناء وكان صوته العذب وعزفه سببا في دخوله الإذاعة حينما سمعه في إحدى المرات مدحت عاصم، الذي قدمه بعد ذلك إلى الإذاعة. كان يعزف للإذاعة على العود مرة في الأسبوع، ثم تقدم لامتحان الغناء أمام اللجنة في الإذاعة، وسجل أغنيته الأولى "يا ريتني طير لأطير حواليك" كلمات وألحان يحيى اللبابيدي، التي حققت نجاحا كبيرا وذاع صيته كمطرب وملحن، فأصبح يغني في الإذاعة مرتين في الأسبوع، ولم يحصل على مقابل مادي سوى 150 قرشا، كان الراتب زهيد جدا ولم يحل أزمته المالية وفقر أسرته. نجاح غير مسبوق في السينما داخل فريد عالم السينما في الأربعينات حيث يعتبر فيلم "انتصار الشباب" عام 1941 أولى مشاركاته السينمائية، وتلى هذا الفيلم مجموعة من الأعمال البارزة والتي حققت نجاحا كبيرا، واستطاع فريد الأطرش اكتساب قاعدة جماهيرية كبيرة حيث قام خلال الفترة من 1941 حتى 1975 ببطولة 31 فيلما سينمائية، أبرزهم "شهر العسل، بلبل أفندي"، كما يعتبر فيلم "حبيب العمر" من أشهر أعماله لأنه حقق أرباحا طائلة، وخاض تجربة التأليف عبر فيلم "قصة حبي" والذي كان أيضًا من إنتاجه. وكان فريد الأطرش يتسم بالجرأة الشديد، ففي 7 فبراير عام 1955، كان الموعد المحدد لافتتاح فيلم "عهد الهوى" وكان العرض الأول بحضور جميع صناع الفيلم، ولكن فريد كان مريضاً فكتب جواب وأرسله إلى رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر "سيدى الرئيس، من عادتى أن أحضر ليلة العرض الأول لأفلامى لكنى فى هذه المرة مريض، لذا أرجو أن تحضر (عهد الهوى) بدلا منى وأن تحيي الجماهير نيابة عني، وكان التوقيع: فريد الأطرش"، وذلك وفقاً لجريدة الأهرام. انتظر الأطرش رد الرئيس جمال عبد الناصر عليه ففي ليلة الافتتاح فؤجى الجميع بحضور عبد الناصر بصحبته عبد الحكيم عامر أمام سينما ديانا التي تتواجد بشارع عماد الدين، وحضر العرض الأول نيابة عنه، وجلس في المقصورة الخاصة بفريد الأطرش وبعد انتهاء الفيلم قام بتحية الجمهور. ملك العود ترك فريد الأطرش بصمة مهمة في عالم الغناء والموسيقى فهو أحد أعلام الفن العربي حيث لقب ب "موسيقار الأزمان"، وانتشرت ألحانه بشكل كبيرة وعرف ب"ملك العود" فكان يلحن لجميع الفنانين والفنانات العرب أشهرهم: "أسمهان، إسماعيل ياسين، سميرة توفيق، تحية كاريوكا، ثريا حلمي، سامية جمال، سيد سليمان، شادية، فايزة أحمد، صباح، عصمت عبد العليم، فتحية أحمد، ليلى الجزائرية، مها صبري، نادية جمال، دلال الشمالي، وديع الصافي، عصام رجي، نادية فهمي، وردة الجزائرية، محرم فؤاد..". كما تغني فريد من كلمات أشهر شعراء عصره من بينهم "أحمد بدرخان، أحمد خميس، أحمد رامي، أحمد شفيق كامل، أحمد منصور، إسماعيل الحبروك، الأخطل الصغير، أمين صدقي، بيرم التونسي، توفيق بركات، حسين شفيق المصري، أبو السعود الإبياري، كامل الشناوي، محمد حلمي حكيم، محمود فتحي إبراهيم، مدحت عاصم..". موت أسمهان يتسبب في موته كان خبر وفاة أسمهان في حادث سيارة بمثابة صدمة ا لم يفق من بعدها فريد الأطرش، حيث تعرض إلى ذبحة صدرية وبقي سجين غرفته وأصابه شعور الوحدة ولم يرافقه سوى المجلات والجرائد والتحدث مع أصدقائه، وكان يرى أن العمل وحده القادر على علاجه ولكنه سقط ثلاث مرات أثناء العمل، حتى أصيب بأزمة قلبية حادة في عام 1974، ورحل عن عالمنا واحد من أعلام الموسيقى في الوطن العربي عن عمر يناهز 64 عام.
