تحتل مصر المركز الحادي عشر على مستوى العالم في تصدير الفحم النباتي، وهو رقم يعني الكثير، ويحمل مخاطر كبيرة على البيئة والإنسان والنبات، وتتمثل المشكلة الأساسية في إنتاج الفحم من الخشب من خلال مكامير الفحم، التى اقترب عددها من 5 آلاف مكمورة على مستوى الجمهورية، 99٪ منها بمحافظات الدلتا، وتأتى محافظة القليوبية على رأس المحافظات التى تضم هذا النوع من صناعة الموت. ويمثل استمرار هذه المكامير أحد أبرز الانتهاكات البيئية التى تخالف الدستور الجديد الذي ألزم الدولة في مواده بتوفير بيئة آمنة وصحية للمواطنين كأحد أهم التزامات الحق في الصحة. محمود سيد، منسق فرع الجمعية الوطنية المصرية لحقوق الإنسان بالقليوبية، قال إن مكامير الفحم بمحافظة القليوبية أحد أبرز أشكال التلوث البيئي التي تتسبب في قتل المواطنين وإصابتهم بأمراض خطيرة، فقرى القليوبية تكتظ بأكبر عدد من المكامير وتعد من كُبريات مُنتجي الفحم النباتي في الجمهورية، حيث تضم حوالى 600 مكمورة بدأ انشاؤها منذ أكثر من 30 عاما، وتتمركز في عدة قرى أبرزها أجهور الكبرى . وأضاف ل"البديل" أن المكامير بالقليوبية تحضر الأخشاب من محافظات كالإسماعيلية والبحيرة والسويس، وتقوم بحرق هذه الأخشاب في مكامير كبيرة الحجم تصل مساحتها إلى 7 أمتار عرض و20 متر طول و6 أمتار ارتفاع، وتحول هذه الأخشاب عن طريق الحرق إلى فحم غير قابل للاحتراق، وتتغلف المحافظة بسماء سوداء معظم أيام السنة. وكشف سيد أن المكامير تنتج عنها أضرار جسيمة تلحق بالبيئة منها غازات سامة تقتل الحيوان والنبات، نتيجة لاعتماد مكامير الفحم على الحرق المكشوف، وهو ما يتسبب في أضرار على البيئة المحيطة كمجاري المياه، والأراضي الزراعية, بالإضافة للدخان والعوادم الناتجة عن احتراق الفحم وانبعاث ثاني أكسيد الكبريت وأول وثاني أكسيد الكربون، إذ يصل تركيز هذا الغاز في هواء منطقة المكامير إلى 1500 وحدة في المتر المكعب، في حين أن الحد المسموح به في البيئة الصناعية لا يتعدى 500 ملليجرام في المتر المكعب، وهو ما قد يتسبب في الجلطة الدماغية. وأوضح أن المحافظة فقدت حوالى 400 فدان من الأراضي الزراعية وتحولت إلى أراضي "بور" عن عمد نتيجة لقيام أصحاب المكامير بحرق الأخشاب في هذه الأراضي، معربا عن مخالفة ما يحدث للدستور. وعن المشكلات الصحية التي يعانى منها أهالي قرى صناعة المكامير، أكد أن سكان قرية أجهور الكبرى يعانون من انتشار الالتهاب الرئوي الحاد، والتهابات الشعب والحساسية المزمنة، والربو، وفيروس A، كما أن نسبة الإصابة بالسرطان بين سكان القرية يصل معدلها السنوي بين 7 إلى 10 حالات وهي في تزايد، وهو ما يعزى مباشرة إلى هذا النشاط الاقتصادي القاتل والمخالف للمعايير والاشتراطات البيئية. وقال سيد: "لا نسمع من كل وزير أو مسؤول سوى تصريحات عنترية لا تمت لأرض الواقع بصلة، فالوزارة والمحافظة اتخذتا عدة قرارات ولكن لا يتم تنفيذها، منها قرار رقم 355 للعام 1993 بحظر تشغيل مكامير الفحم من وزير البيئة، وقرار رقم 7\2012 من محافظ القليوبية، وقرار تخصيص قطعة أرض بصحراء بلبيس بمحافظة الشرقية لنقل المكامير، وقرار المهندس عدلي زايد، محافظ القليوبية الأسبق، الخاص بنقل المكامير إلى مدينة الخانكة لبعدها عن الكتلة السكنية، بالإضافة لقرار وزير البيئة، الصادر يوم 19/ 1/ 2016 بشأن وقف تصدير الفحم إلى الخارج، وقرار محافظ القليوبية الأخير رقم 482 لسنة 2016 بشأن تشكيل لجنة لتوفيق أوضاع مكامير الفحم النباتي بنطاق المحافظة. ولكن لم تنجح أي من القرارات السابقة في القضاء على المشكلة". وأكد أن الهدف ليس القضاء على المكامير وتشريد مئات العمال الذين يمتهنون هذه المهنة، ولكن المطالبة بتقنين هذه الصناعة بما لا يضر بالبيئة والإنسان، من خلال حظر عمل المكامير التي تستمر في استخدام الطرق التقليدية لصناعة الفحم ولا تلتزم باستخدام الأفران المطورة التي تقلل من نسبة التلوث، وفتح تحقيق فوري في أسباب عجز وزير البيئة عن القضاء على مكامير الفحم المُخالفة التي تعمل في المناطق السكنية حتى الآن، بالإضافة إلى توفير آلية تضمن شفافية الوصول لأصحاب الأعمال الحقيقيين المالكين لمكامير الفحم لتيسير مساءلتهم أمام القانون في حال مخالفتهم لقرارات المحافظ أو وزير البيئة، فضلا عن تغليظ عقوبة مخالفة قرارات أو اشتراطات وزارة البيئة فيما يتعلق بعمل المكامير، مع وضع خطة طويلة الأمد لنقل المكامير للمناطق الصحراوية غير الآهلة بالسكان، وتوفير أفران حديثة ومطورة بهدف الحفاظ على البيئة وصحة العاملين بالمكامير، وأخيرا توفير العلاج المجاني لكل من تثبت إصابته بمرض ناتج عن عمل مكامير الفحم. من جانبه، يرى الدكتور حمدي عرفة، خبير الإدارة المحلية واستشاري تطوير المناطق العشوائية، أن أزمة مكامير الفحم تتكاتف عدة أسباب لاستمرار خطورتها، أولها غياب دور ومسؤولية البيئة في مواجهتها لأنها وزارة دولة ومن ثم لا توجد لها أفرع في المحافظات التي تعانى من المكامير وغيرها من الملوثات البيئية، وثانيها الفساد المتغلغل في الإدارة المحلية والذى يترتب عليه تحرير محاضر إدارية روتينية ضد أصحاب المكامير ثم تلقى في الأدراج دون تحقيق أو متابعة. أضاف أن ضعف الإمكانيات والمعدات على مستوى المحافظات يعرقل عملية إزالة المخالفات والتعديات، فضلا عن القيود المفروضة على المحافظ وفقا لقانون الإدارة المحلية 43 لسنة 1979الذى أوكل للمحافظ سلطة الإشراف العام على كافة مرافق المحافظة، ولكن فيما يتعلق بالمكامير فهي تخضع لوزارة الدولة لشؤون البيئة. أما عن الحلول، فيطالب عرفة، بضرورة إنشاء مديريات لوزارة البيئة في كافة المحافظات لتراقب وتتفحص المخالفات البيئية وتكافحها، مع إعطاء صلاحيات للمحافظين منزوعي الصلاحيات على جميع المرافق، بالإضافة إلى ضرورة التفتيش الدوري من وزارة التنمية المحلية على الإدارات الهندسية بديوان عام كل محافظة والمسؤولين عن تصاريح الإنشاء ومراجعة كافة المحاضر الإدارية الموجهة للمكامير المخالفة والتحقيق فيها.