تزايدت وتيرة الخلافات بين حزب الشعوب الديمقراطي الكردي والحكومة التركية في الفترة الأخيرة، على خلفية اعتقال السلطات التركية لرئيسي الحزب صلاح الدين دميرداش، وفيغان يوكسكداغ، و9 من نوابه لإحالتهم إلى المحكمة بتهمة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني المحظور، الأمر الذي أدى إلى زيادة الاشتباك السياسي، وإعلان الحزب الكردي المعارض بأكمله تعليق نشاطه التشريعي. في عام 2013 شهدت العلاقات بين الأكراد والحكومة التركية فترة سلام دعمها الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان، ولكن ما إن بدأ حزب الشعوب الدميقراطي الكردي في تموضعه السياسي داخل تركيا ودخوله البرلمان لأول مرة متخطيًا حاجز ال10% في الانتخابات البرلمانية إلا وشعرت الحكومة التركية وظهيرها السياسي حزب العدالة والتنمية والمعارضة التركية بالخطر، وذلك على خلفية النزعة الانفصالية لدى الأكراد وتغيير موازين القوى داخل المشهد البرلماني في تركيا، الأمر الذي واجهته الحكومة التركية بقمع الأكراد وتفجير عملية السلام التي وقفت فعليًا في مارس 2015. واتهمت الحكومة التركية النواب الأكراد بتهم تتعلق بدعم الإرهاب والدعاية له، ومن هنا أعلنت الدولة التركية القطيعة مع الحزب السياسي الكردي الوحيد الذي استطاع أن يفرض نفسه ككتلة سياسية مهمة بدخوله البرلمان، وذلك بالدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة تؤمن لحزب العدالة والتنمية أكثر من النصف في البرلمان لتمرير تعديلات دستورية تعزز من سلطة الرئيس، خاصة وأن المعارضة القومية التركية لا ترفض هذا التوجه طالما تحققت مساعيهم في القضاء على الأكراد. وكان لصلاح الدين ديمرطاش، المسجون حاليا، تصريح وجهه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد فوز حزبه بالانتخابات عام 2015، ربما يوضح الصورة الحالية أكد فيه: "لن يسمح حزبي لك بأن تصبح رئيسا تنفيذيا" في إشارة إلى مطالبات أردوغان بتعديل الدستور ويوافق عليه البرلمان لتوسيع السلطة الرئاسية، ورفض ديميرطاش وقتها، الأمر الذي أدى لتوتر علاقة الحزب الكردي مع السلطة في تركيا، وبات صوت السلاح أعلى من صوت النواب الأكراد في البرلمان. وأعلن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بعد اعتقال نوابه، أن الرئيس التركي أردوغان، عقد صفقة مع زعيم حزب الحركة القومية المعارض دولت بهتشيلي، تتعلق بتصفية الكتلة البرلمانية الكردية في البرلمان مقابل دعم الحزب القومي مساعي أردوغان لترسيخ النظام الرئاسي في البلاد. ويستدل الحزب في حديثه بأن هذه الاعتقالات التي طالت نواب حزبه ورئيسه جاءت بعد يوم واحد فقط من لقاء هام جمع أردوغان ورئيس الحزب القومي في القصر الرئاسي في العاصمة أنقرة، وقال البيان الرسمي الحكومي إن اللقاء ناقش آخر التطورات الداخلية وأهمها ملفات إعادة عقوبة الإعدام والحرب ضد الإرهاب وتغيير الدستور بما يضمن تحويل نظام الحكم في البلاد إلى رئاسي. وتشهد العلاقات بين حزبي العدالة والتنمية الحاكم، والحركة القومية المعارض، في الفترة الاخيرة تقاربا غير مسبوق، تطور عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد في منتصف يوليو الماضي، حيث يدعم الحزب بشكل مفتوح إجراءات الحكومة ضد المتمردين الأكراد والضالعين بمحاولة الانقلاب. وظهر هذا التقارب بعد تقارير تحدثت عن كثرة الانتقادات الموجهة لبهتشيلي على خلفية تساهله مع الحكومة مقابل دعمها له في مساعيه لإخماد التمرد من أقطاب المعارضة له داخل الحزب، ويؤكد مراقبون أن رئيس حزب الحركة القومية يشعر أنه مدين لأردوغان، إذ أنقذه من معارضين كادوا يطيحون به من زعامة الحزب، وبعد هذا التقارب والتعاون يتم الحديث الآن عن صفقة أكبر يتم العمل عليها مع الحكومة تهدف إلى إيصال البلاد إلى انتخابات برلمانية مبكرة، تطيح بالأكراد، وترفع من حصة الحزبين في البرلمان التركي. ويرى مراقبون أن الانتخابات المبكرة، بعد الإطاحة بالأكراد، تعني تقاسم مقاعد البرلمان ال550 فعليًا بين 3 أحزاب هم حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية الذي من المتوقع أن يحصد الجزء الأكبر منها لتأمين الأصوات اللازمة لعرض التغيير الدستوري على الاستفتاء الشعبي العام، وربما يتمكن الحزب بدعم من حزب الحركة القومية من تأمين ثلثي مقاعد البرلمان وبالتالي تمرير الدستور الجديد من خلال البرلمان دون الحاجة للاستفتاء الشعبي. وقبل أيام، أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أن حزب العدالة والتنمية أتم التحضيرات المتعلقة بتغيير الدستور والانتقال بالبلاد إلى النظام الرئاسي، وقال: "الخطوة التالية تتمثل في عرض مقترحنا حيال هاتين المسألتين على البرلمان بأقرب وقت ممكن"، وهو ما لا يمكن أن يمر بدون دعم كامل من حزب الحركة القومية. ويحتاج أي تعديل قانوني في الدستور إلى دعم 330 نائبا في البرلمان من أجل طرح التعديلات على الاستفتاء الشعبي العام، وثلثي أعضاء البرلمان من أجل تعديله مباشرة دون طرحه على الاستفتاء. وتعتبر الحركةُ القومية، الأكراد عدوًا لدودًا لها في الداخل التركي، الأمر الذي يستخدمه أردوغان لصالحه لتوسيع نفوذه السياسي وتحويل تركيا لنظام رئاسي، وفي هذا الإطار يقول الزعيم القومي دولت بهتشيلي، في تصريحات له أنه يؤيد قرار القضاء التركي التحقيق مع زعماء من حزب الشعوب الديمقراطي المساند لتنظيم "بي كا كا" الإرهابي، وقال: "لن يهنأ شهداؤنا بالراحة في قبورهم، ولن يرتاح وجداننا القومي ما لم يقف الانفصاليون الذين يثمنون أهداف الإرهاب أمام القانون ويحاسبون على أفعالهم". وفي خطاب سابق له قبل أيام، طالب بهتشيلي، بسرعة اتخاذ الإجراءات من أجل طرح التعديل الدستوري الخاص بإعادة عقوبة الإعدام، مؤكدا أن حزبه سيدعم هذا المقترح الذي سيقدمه الحزب الحاكم، وفي تصريحات أخرى ألمح إلى إمكانية دعم حزبه لتصويت البرلمان من أجل طرح النظام الرئاسي على الاستفتاء الشعبي العام، في خطوة أثارت غضب أحزاب المعارضة الأخرى في البلاد.