البابا تواضروس مهنأ بذكرى دخول المسيح مصر: تنفرد به الكنيسة الأرثوذكسية    منظمة الصحة العالمية ل«الوطن»: الأطقم الطبية في غزة تستحق التكريم كل يوم    «عالماشي» يتذيل قائمة إيرادات شباك التذاكر ب12 ألف جنيه في 24 ساعة    وزير الكهرباء ينيب رئيس هيئة الطاقة الذرية لحضور المؤتمر العام للهيئة العربية بتونس    «التموين» تصرف الخبز المدعم بالسعر الجديد.. 20 قرشا للرغيف    بدء تلقي طلبات المشاركة بمشروعات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 1 يونيه 2024    «الإسكان»: تنفيذ 40 ألف وحدة سكنية ب«المنيا الجديدة» خلال 10 سنوات    نائب: الحوار الوطني يجتمع لتقديم مقترحات تدعم موقف الدولة في مواجهة التحديات    هل توافق حماس على خطة بايدن لوقف إطلاق النار في غزة؟    الأردن يؤكد دعمه جهود مصر وقطر للتوصل إلى صفقة تبادل في أقرب وقت ممكن    استشهاد طفل فلسطيني بدير البلح بسبب التجويع والحصار الإسرائيلي على غزة    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 عناصر بارزة في حماس خلال عمليات الأسبوع الماضي    بث مباشر مباراة ريال مدريد وبوروسيا دورتموند بنهائي دوري أبطال أوروبا    «استمتعتوا».. تصريح مثير من ميدو بشأن بكاء رونالدو بعد خسارة نهائي كأس الملك    ميدو: استمتعوا بمشهد بكاء رونالدو    محافظ القليوبية يتفقد أولى أيام امتحانات الشهادة الثانوية الازهرية بمدينه بنها    ابتعدوا عن أشعة الشمس.. «الأرصاد» تحذر من موجة حارة تضرب البلاد    «التعليم» تحدد سن المتقدم للصف الأول الابتدائي    تعذر حضور المتهم بقتل «جانيت» طفلة مدينة نصر من مستشفى العباسية لمحاكمته    خبير: شات "جي بي تي" أصبح المساعد الذكي أكثر من أي تطبيق آخر    الزناتي: احتفالية لشرح مناسك الحج وتسليم التأشيرات لبعثة الصحفيين اليوم    توقعات تنسيق الثانوية العامة 2024 بعد الإعدادية بجميع المحافظات    «الآثار وآفاق التعاون الدولي» ضمن فعاليات المؤتمر العلمي ال12 لجامعة عين شمس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024    طب القاهرة تستضيف 800 طبيب في مؤتمر أساسيات جراحات الأنف والأذن    مشروبات تساعد على علاج ضربات الشمس    إنبي يخشى مفاجآت كأس مصر أمام النجوم    متحدث "الأونروا": إسرائيل تسعى للقضاء علينا وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين    اليوم| «التموين» تبدأ صرف مقررات يونيو.. تعرف على الأسعار    اليوم.. بدء التسجيل في رياض الأطفال بالمدارس الرسمية لغات والمتميزة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 1 يونيو 2024    فتوح يكشف حقيقة دور إمام عاشور وكهربا للانتقال إلى الأهلي    مسيرة إسرائيلية تستهدف دراجة نارية في بلدة مجدل سلم جنوب لبنان    رئيسا هيئة الرعاية الصحية وبعثة المنظمة الدولية للهجرة يبحثان سبل التعاون    هل لمس الكعبة يمحي الذنوب وما حكم الالتصاق بها.. الإفتاء تجيب    بث مباشر من قداس عيد دخول العائلة المقدسة مصر بكنيسة العذراء بالمعادى    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم السبت 1 يونيو 2024    مفاجأة بشأن عيد الأضحى.. مركز الفلك الدولي يعلن صعوبة رؤية الهلال    شهر بأجر كامل.. تعرف على شروط حصول موظف القطاع الخاص على إجازة لأداء الحج    «إنت وزنك 9 كيلو».. حسام عبد المجيد يكشف سر لقطته الشهيرة مع رونالدو    سيول: كوريا الشمالية تشن هجوم تشويش على نظام تحديد المواقع    تقديم إسعاد يونس للجوائز ورومانسية محمد سامي ومي عمر.. أبرز لقطات حفل إنرجي للدراما    لسنا دعاة حرب ولكن    تطورات الحالة الصحية ل تيام مصطفى قمر بعد إصابته بنزلة شعبية حادة    دعاء التوتر قبل الامتحان.. عالم أزهري ينصح الطلاب بترديد قول النبي يونس    «دبحتلها دبيحة».. عبدالله بالخير يكشف حقيقة زواجه من هيفاء وهبي (فيديو)    لمواليد برج الجوزاء والميزان والدلو.. 5 حقائق عن أصحاب الأبراج الهوائية (التفاصيل)    ماهي ما سنن الطواف وآدابه؟.. الإفتاء تُجيب    «القضية» زاد الرواية الفلسطينية ومدادها| فوز خندقجي ب«البوكر العربية» صفعة على وجه السجان الإسرائيلي    مدرس بمدرسة دولية ويحمل جنسيتين.. تفاصيل مرعبة في قضية «سفاح التجمع» (فيديو)    عاجل.. طبيب الزمالك يكشف موعد سفر أحمد حمدي لألمانيا لإجراء جراحة الرباط الصليبي    "أزهر دمياط" يعلن مشاركة 23 طالبا بمسابقة "الأزهرى الصغير"    طبيب الزمالك: اقتربنا من إنهاء تأشيرة أحمد حمدي للسفر إلى ألمانيا    وزارة المالية: إنتاج 96 مليار رغيف خبز مدعم في 2025/2024    أ مين صندوق «الأطباء»: فائض تاريخي في ميزانية النقابة 2023 (تفاصيل)    أعراض ومضاعفات إصابة الرباط الصليبي الأمامي    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلم الأخضر
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 16 - 03 - 2010

في جامعة بارما الإيطالية كانت بداية الالتحاق بكلية الصيدلة قسم الكيمياء الصيدلية، تلتها جامعة مودنا قسم الأعشاب الطبية، وذلك لسببين؛ الأول أن بلادنا بحاجة إلي تطوير هذا الفرع من المجال الصيدلي علي أسس علمية وبحاجة إلي تشريع قوانين لفرع الصيدلة الطبيعية، الثاني أنني بالفطرة أميل لنتاج الطبيعة وألوانها لا سيما الأخضر! ليس فقط لأن والدي مهندس زراعي ، ولا لأن أفضل أساتذتي بالجامعة 'البروفيسور ألبرتو بيانكي' خبير علم النبات؛ مازال..
حتي الآن يدعوني لحضور الندوات العلمية ويعلمني بها-رغم أنه أحيل علي المعاش، وإنما لأنني من جيل الشباب الذي نشأ بين أحضان مصر وترعرعت حواسه وهو يشاهد برنامج صباح الخير يا مصر وسماع أغنية الصباح:"عايزنها تبقي خضرا..الأرض اللي في الصحرا.. ونقدمها لمصر هدية حاجة جميلة ومعتبره.." ثم خرجت أغنية مشروع توشكي، ومشروع سداد ديون مصر ومشروع شرق التفريعة ومشاريع أخري كثيرة تحمسنا لها ثم نظرنا حولنا فاكتشفنا أن آخر مشروع شعبي ناجح كان مشروع القرش لصناعة الطرابيش محليا في أوائل القرن التاسع عشر! وأن ما شاهدناه في التلفاز المصري مجرد فرقعة إعلامية لخداعنا.
واكتشفت أنني من بلد النيل الذي يحتوي علي أكثر من ثلث آثار العالم؛ غير أن رجل الأعمال أحمد عز 'أمين التنظيم بالحزب الوطني' قدم إلي مجلس الشعب- في بداية 2010 – مشروع قانون يطالب فيه الدولة بالموافقة علي السماح بحرية تداول الآثار والتجارة فيها! وكان اعتقادي القديم أن الأصل في الآثار أنها ملك الأمة وليس من حق أحد أن يتصرف فيما تملك الأمة خاصة إن كان سيؤدي بتهريبها للخارج. وكنت أيضا أعتقد بأن الموارد الطبيعية الوطنية هي ملك الشعب المصري والأجيال اللاحقة ولذلك علي السلطة التنفيذية أن تحظي بموافقة السلطة التشريعية قبل اتخاذ قرار كقرار تصدير الغاز المصري لإسرائيل مثلا! الذي بدأ في مارس 2008 عملا باتفاقية وقعت عام 2005 ، وقد أعلن عمرو حمودة 'خبير بترول ومدير مركز الفسطاط للدراسات' أن مصر تقوم بتصدير الغاز إلي اسرائيل بسعر 1.25 دولار للمليون وحدة بريطانية- أي بأقل من قيمته المتداول بها في الأسواق العالمية! لذا، تقدم الدبلوماسي السابق إبراهيم يسري برفع قضية علي الحكومة أمام المحكمة الإدارية، لكن حتي الآن مازال الحال كما هو عليه، بل تحول إلي مسرحة عبثية عندما أعلنت الحكومة في يناير 2010 عن اتجاها لاستيراد الغاز لتلبية احتياجات السوق المحلية بدعوي الاستفادة من تراجع الأسعار عالميا! ألا تشعر معي بأنها أدني أنواع الكوميديا؟! فهي دليل علي أن مصر ليس لديها احتياطي من الغاز لتصديره، وتكشف ادعاءات وزارة البترول-أمام المحكمة- بأن لدينا احتياطي يكفي 100 عام!
واكتشفنا ان هناك ما يقرب من 22.7 مليون لغم ارضي بأراضي مصر منذ وقت الحرب العالمية الثانية، مما يجعلها غير مستغلة رغم أن بها مليار متر مكعب من مياه الآبار 4.8 مليار برميل بترول و 13.4 تيريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. واكتشفنا صفقات استيراد القمح الفاسد، وتوزيع الأرز الفاسد، وأن نسبة البطالة في مصر بلغت 51% من حملة المؤهلات العليا وأن 17% من العاملين لا تتعدي مرتباتهم 250 جنيه مصري 'حسبما أعلن اللواء أبوبكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء'،واكتشفنا أن أطفال الشوارع في مصر عددهم أكثر من 2 مليون طفل وربما تكلفة المؤتمرات التي تتحدث عنهم كافية لإنقاذ المئات منهم من الضياع والسلوك الإجرامي، واكتشفنا الكثير والكثير من الكوارث التي باتت تعاني منها مصر .
كالثروات التي خرجت من البنوك المصرية إلي بنوك في الخارج ولم تعد، وكالتعرض الجائر للأراضي الزراعية ومشكلة تآكلها والبناء عليها، والعشوائيات بكل ما ينتج عنه من مشكلات اجتماعية وأمنية والتي يسكنها 12 مليون مصري 'كما أشارت لجنة الإسكان بمجلس الشعب'، وكقتل المصريين في العبارات والقطارات وعلي الأسفلت، وتعذيبهم حتي الموت في السجون وأقسام الشرطة حتي وصفنا آخر تقرير لمنظمة "هيومان رايت ويتش" بأن مصر دولة بوليسية تقمع الحريات، ناهيك عن الرؤية الضبابية التي أعادت مصر إلي الوراء مائة عام وأكثر .
وعلي ذكر كلمة"عام" فقد قفز إلي ذهني عام 1964، وقتئذ انعقدت القمة العربية لتدعو إلي تحويل مياه نهر الأردن لمنع اسرائيل من الشرب، أما في 2010 فلا أملك توقعات بشأنها! ورغم أنني لا أحبذ منع المياه عن إسرائيل أو أي كيان آخر-لأنها دعوة غير إنسانية بل أعتقد أن شوفينيه هتلر التي أبادت ملايين اليهود كانت سببا فيما تحمله اسرائيل اليوم بداخلها من كره ورغبة في الانتقام الأسود من العالم أجمع ورغم ذلك فبينهم من يقف في صفنا ويتظاهر معلنا رفضه لما يحدث للفلسطينين- لكن أبهي ما كان في الدعوة آنذاك هو أن العرب اتحدوا في تحديد عدوهم.
أما معظم اليهود- وتحديدا الحركة الصهيونية التي عملت علي تأسيس دولة اسرائيل- فقد حددوا عدوهم بوضوح فصوبوا كل أسلحتهم تجاهه وأقاموا العلاقات والأحلاف مع كل من يؤيدهم، ولم ينشغلوا بتحديد هويتهم وتاريخهم وصدق ادعائهم بالحق في الأرض لإقناع العالم به بل اشتروا الضمائر ليستصدروا قرارا من الأمم المتحدة بتأسيس دولتهم، ثم أحيوا لغتهم العبرية المنقرضة وجعلوها لغة محكية في القرن العشرين، وأخرجوا أساطير التوراة التي لا يؤمن بها الكثير منهم ليجعلوا من شتاتهم شعبا وجيشا لدولة عصرية. أما العرب فلم ينتهوا بعد من الاتفاق علي الهوية ولا حتي علي معايير البحث فيها ولم يقبلوا بعد فكرة الاتفاق فيما بينهم علي القضايا المشتركة الكبري طالما ظل الخلاف قائما علي التفاصيل، فالتخلص من العدو الداخلي أولي عندهم من مواجهة العدو الخارجي المشترك لهم جميعا، وأولي من البحث عن حل للقضايا المصيرية التي تهم شعوبهم من المضطهدين والمظلومين والجوعي وغرقي قوارب الموت علي سواحل أوروبا.
صحيح أني ولدت وجئت الي هذه الحياة بعد ستة عشر عاماً من رحيل جمال عبد الناصر عنها الا أنه مازال ينبض في عقلي وعقول الملايين من أبناء الوطن العربي، وزعامة عبد الناصر لا تكمن فقط في اهتمامه بالقومية العربية - أحد الأحلام الخضراء للشعوب العربية- ذلك أن الفكرة قد قامت في أول مرة بتشجيع من الحكومات الفرنسية والبريطانية خلال الحرب العالمية الأولي لأنهم كانوا يسعون إلي الحصول علي حلفاء لهم في حربهم ضد ألمانيا والامبراطورية العثمانية ولكن في نهاية الحرب تخلي الأوروبيون عن التزامهم تجاه العرب- كعادة الغرب، وفي الأربعينيات من القرن الماضي تم تناول قضية التوحيد مرة أخري بقيادة جورج حبش، وفي نفس الوقت تقريبا ظهرت الحركة الناصرية وأرتقت الفكرة بقوة شديدة.
عبد الناصر الذي قاد ثورة يوليو ووحد سوريا ومصر ثم ساهم في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية؛ ما كان ليفكر في تشييد "جدار فولاذي" بين كيان مصر وجزء من كيان فلسطيني 'غزة'، ولا بوضع "بريما" للحفر يتراوح طولها بين 7 - 8 أمتار لعمل ثقبٍ في الأرض بشكلٍ لولبيٍّ، ثم تقوم رافعة بإنزال ماسورة مثقبة باتجاه الجانب الفلسطيني بعمق 20 - 30 مترًا تضخ مياه البحر قبالة "الجدار" لإغراق من يحاول حفر نفق. إن قضية الجدار- في تصوري- ما هي إلا إحدي مشاهد تلك المسرحية العبثية إذ لا يمكن أن تحفر كل هذه الأنفاق، عبر كل هذه السنين، بكل هذا الحجم، إلا بعلم وإذن حكومة البلد الذي سمح بها هكذا، إذن كان هناك سبب إنساني أو سياسي أو قومي أو عولمي للسماح بهذا الذي حدث طوال السنوات الماضية عبر هذه الأنفاق..فهل اختفي السبب فجأة؟! ولماذا! وماذا عن إسرائيل؟ ألم تكن تعلم بوجود هذه الأنفاق؟ ولماذا سكتت! والأغرب من هذا وذاك أن القضية الفلسطينية مؤخرًا تم اختصارها في غزة وابتعدت الأنظار عن الضفة الغربية! هل لأن المقاومة الحقيقية المتبقية"حماس" تحكم غزة؟ ام أنه توجد أنفاق أيضا بين الأردن والضفة غير أنه لم يتم اكتشافها بعد!
ومن المؤسف أنني عجزت عن فهم البيان الرسمي الصادر عن مجمع البحوث الإسلامية الذي انتقد الأصوات التي تعارض بناء الجدار، قائلا: "إن الذين يعارضون بناء الجدار يخالفون بذلك ما أمرت به الشريعة الاسلامية". وتخيلوا أحبتي القراء، في نفس اليوم الذي طالعت فيه البيان، التقيت بعدد من الأصدقاء لي هنا في إيطاليا من بينهم كتّاب وإعلاميين ايطاليين، وسألوني والدهشة تملأ عيونهم:"هل انضمت مصر لإسرائيل في الحرب ضد فلسطين؟"وشعرب بمهانة وللحظة انكفأت عيني في الأرض رغم أن هامة مصر في رأسي تناطح السحاب!
رحم الله عبد الناصر، ورحم الهواري بومدين؛ فلو كان حيا ما كان لبوتفليقة أن يطلق تدخله السريع لقمع واعتقال واختطاف خمسة عشر ألفا من النشطاء الأمازيغيين الذين خرجوا للاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة وتجديد مطالبتهم باستقلال منطقة القبائل عن الجزائر، وإن تفهمنا رفضنا بوتفليقة لفكرة انفصال القبائل عن السلطة المركزية فكيف لنا أن نتفهم رفضه للانفصال في بلاد الاخرين! وملايين الدنانير التي صرفها من أجل قضية أميناتو شاهدة علي ذلك، مع أنه كان أولي به صرف هذه الأموال علي بناء مستشفيات تليق بعائدات الجزائر النفطية، لأنه من المخجل أن تحقق الجزائر 19.9 مليار دولار عام 2009 من عائدات الغاز وفي الوقت ذاته يرسل المناضلة جميلة بوحيرد إلي باريس للعلاج لأن الجزائر لا تملك مستشفي مجهزة بالمعدات الطبية لعلاج الكثير من الأمراض.
لماذا انتقلت من الحديث علي مصر إلي الحديث عن الجزائر تحديدا؟! من المؤكد، ليس من باب تعرية مساوئ الآخر أيضا وإنما لأن 'الشعبان المصري والجزائري لهما خصوصيات، لأنهما يعيشان في ظل نظم سياسية تحكم بقانون الطوارئ، ولا توجد حرية تعبير، في ظل تدني الخدمات الصحية والتعليمية، وغياب تداول السلطة، مما أدي إلي حالة من الكبت والإحباط الشديدين جعلا الشعبين يجدان متنفسا للسعادة في كرة القدم التي تتميز بصفات لا تتوافر لدي الدولتين سياسيا' وقد صرح بذلك الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي.
و أضاف:'مما شجع الجزائريين علي الاعتداء علي المصريين بالسودان أنهم يعرفون أن الشعب المصري أصبح ملطشة، لأنه جرت العادة ألا تحمي الحكومة المصرية مواطنيها بالدول العربية، وهو ما يجعلهم يدركون أنه لن يحدث رد فعل'.
وأنا أتفق مع الدكتور، ولا أتفق مع الشوفينية التي تعامل بها الإعلام السلطوي-28 قناة تليفزيونية حكومية وقنوات اخري مملوكة لمليارديرات النهب العام شاركت في التعبئة أيضا- بل انجرفت لها النخب الثقافية وانساقت نحو الجماهير بدل أن ينساق الجماهير إليها! فجري استخدام غير مبرر لمخزون الأغاني الوطنية التي ظهرت في حرب 1973 وبدا السادة المسؤولين كأنهم جنرالات حرب- فطوال الوقت يذكر الجزائريين بأننا أرسلنا لهم مدرسين ولا يذكر البشير الإبراهيمي، والشيخ محمد الخضر حسين الذي تولي مشيخة الأزهر'ولد في تونس الخضراء لكن أصول أسرته تعود إلي البيت العمري في بلدة 'طولقة' جنوب الجزائر ذات الفريق الأخضر'، وابن مُعط الزواوي، ومئات غيرهم من رواد العلم والثقافة الجزائريين. يذكر أننا ساندناهم في حرب التحرير، ولا يذكر أنهم ساعدونا في حرب أكتوبر وأن الجزائر ثاني دولة عربية توجه دعم لمصر من أجل محاربة الكيان الصهويني، بالإضافة لوضع مبلغ 200 مليون دولار لدي لاتحاد السوفيتي مقسمة ما بين مصر وسوريا بالنصف لحساب شراء الأسحلة، وبعد تحرير الجزائر من الاستعمار الغاشم استقبلت الجزائر خلال فترة الستينات والسبعينات ما يقرب من 180 ألف مصري عملوا بالجزائر ما بين مدرسين وأطباء ومهندسين وعمال' معلومات مؤرخة في مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية عن حرب اكتوبر 1973'. إعلام يذكر أننا الفراعنة وينسي أن تاريخ الأمازيع ارتبط بتاريخ الفراعنة بشكل كبير بل إن جيوش الفراعنة كان يوجد بها العديد من العسكر والقادة الأمازيغ وهذا يدل علي الوحدة بين شعوب المغرب العربي ومصر. يذكر أنهم مرتزقة ونموذج للإرهاب، ولا يذكر أيمن الظواهري مثلا!
إنّ المن علي الآخرين ورميهم بألفاظ نابية ما هو إلا بؤس ثقافي يجعل العالم والجاهل في الفتنة سواء! إضافة إلي أن الإساءة لا ينبغي وان تٌقابل بالإساءة.
لا أنكر أنني بكيت عند حرقهم لعلم مصر وعند وصفهم لنا باليهود'رغم أنه لا يوجد شعب في الدنيا يؤخذ بجريرة حكومته وما تعقده من اتفاقيات وعلاقات'، وعلي ما حدث لنا من اعتداء نفسي وجسدي من بعض الجزائريين ولكني تأملت قوله تعالي:"وإن تعفو أقرب للتقوي"، وقول حبيبنا النبي صلي الله عليه وسلم: "أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك". فالتسامح نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية ، إننا جميعًا من نتاج الضعف ، كلنا هشّون وميالون للخطأ، ولذا دعونا نسامح بعضنا البعض ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل-هكذا يعرف الفيلسوف 'فوليتر' التسامح ويدعونا إليه .
البارحة تأملت علم الجزائر ووجدت:الأبيض لحب السلام، الأحمر لدم الشهداء، أما الأخضر فرمز الإسلام، الهلال والنّجمة من العهد العثماني. ومصر لديها الأبيض، وفي حروب تحرير واصلة من وهران إلي سيناء امتزجت الدماء الحمراء للشهداء من كلا البلدين. فما رأيكم لو نفتح آفاق التسامح داخل قلوبنا؟ تصالح وستجد الآخر يمد لك يده بالحب دائما.
ولنتذكر أن كرة القدم هواية، ولا ينبغي أن تتحول لهوية كي لا نقع في الهاوية التي تحبك خيوطها قوي الاستسلام والتبعية للهيمنة الاستعمارية-الصهيونية الرامية لتسميم العلاقات وذرع الفتن ونشر العداوة بين الشعب المصري وأشقائه في الجزائر'بعد محاولات سابقة نفذتها نفس القوي لتحقيق نفس الأهداف تجاه الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني وغيرهما من الشعوب العربية'، بل تعتبر الرياضة رسالة سلام للعالم ووسيلة للتواصل بين الشعوب والأمم، لكننا حولناها إلي وسيلة للبغضاء والتناحر، وليس ما يحدث بين أنديتنا المحلية ببعيد عنا، فالعصبية تمنع الكثير من الجماهير من الاستمتاع بالرياضة وهو الأساس في المنافسات الرياضية، وتحولهم إلي مجموعة دمي كل همها سب ولعن المنافسين وإن اقتضي الأمر سب إدارة أنديتها ومدربيها ولاعبيها.هذه الجماهير التي تعتقد أن كل صافرة من الحكم هي خطأ غير صحيح إذا كان ضدها، وكل سقوط للاعبيها هو خطأ صحيح لصالحها، وهي تعتقد أنها محقة علي الإطلاق.
أما أستغلال كرة القدم سياسيا، وانتخابيا، بل ودينيا "فريق الساجدين" أو تعصبا شوفينيا "فريق الفراعنة" فلم يمنعني من أن أحلم بأحلام خضراء وأفكر في آمال مشرقة! لم لا يكون ذلك الفوز "بداية" إعادة ثقة بالفرد المصري مدربا، فلاعبا، ثم بالجماعة المصرية فريقاً وجمهورًا؟ لم لا تكون بداية الثقة بالمستقبل؟ لم لا تكون بداية التعلم من أن بعد كل هزيمة نصر محتمل؟ لم لا تكون بداية الحلم الأخضر وبداية كل أحلامنا الملونة بلون الوطن الطيب؟ سنزرع أرض مصر بالخيرات وسنزرع الأمل في عقولنا!
يجدر بي أن أذكر أن تأييدي لأفكار عبد الناصر المذكورة في هذا المقال لا يعني أنني أتفق معه في كل توجهاته، كما لا يعني أنني أختلف تماما مع أفكار السادات فعام ميلاده'18'مكتوب علي اليد اليمني لجميع البشر وعلي اليسري عام وفاته'81' رحمة الله عليه، أو أنني لا أحترم سيادة الرئيس محمد حسني مبارك؛ ولم أقل ذلك من باب الخوف فأنا لا أخاف من ذي سلطان- ما دام سلطان الله لا يزول- بل، أشعر بأننا في هذا الكوكب أخوة في الإنسانية وأول مبادئ الانسانية هي احترام الآخر مهما بلغت درجة الاختلاف في الرأي، علاوة علي أن أسلوب توجيه الحوار للرئيس يجب أن يليق بمكانته 'وهو ما لا يرضيني في أسلوب الهمجية اللفظية التي تبناها بعض صحف المعارضة'. وكذلك لم أقل كلامًا طيبًا في حق الشعب لأن لي مآرب أخري 'مقعد في برلمان وانتخابات وخلافه' فأنا مقيمة خارج مصر حاليا من أجل الارتقاء بمستواي العلمي، كما أن والداي يحملان الجنسية الايطالية 'بالإضافة إلي المصرية' وكان من السهل أن أتناسي قضايا وطني المصري العربي وأصمت في مقابل أن أحيا حياة هادئة البال غير أنني لم أفعل ولن أفعل!
في النهاية، أتمني من أعماق قلبي أن تجد تساؤلاتنا الودية مكانا في قلب الرئيس لأننا في حالة من الحيرة لتفسير توجهات الحكومية المصرية في معظم المجالات! بعد إذنك، نتمني أن تخرج لنا في خطاب مفتوح 'بلا أوراق معدة مسبقا' تحدث معنا بالفطرة ومن قلبك لقلوبنا، أو فليكن هناك برنامجا تليفزيونيا ولو مرة كل شهر"علي الهواء مباشرة" يتصل فيه المواطن ويتحدث مباشرة عن مشكلته وأوجاعه، وتتكرم سيادتكم بالإجابة عليه، أو فليكن هناك لقاء بيني وبين فخامتك-بعد عودتك بالسلامة من الرحلة العلاجية في ألمانيا- أحمل اليك تساؤلاتنا وقضايانا فنحن نحتاج أن نفهم توجهات سيادتكم.أحلم وأعبر عن حلمي ببساطة ولا أعرف إن كان ذلك من حقي أم لا؟!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.