صور.. جداول امتحانات الفصل الدراسى الثاني بمحافظة الجيزة    جامعة الإسكندرية تتألق في 18 تخصصًا فرعيًا بتصنيف QS العالمي 2024    «مدبولي»: تكليفات رئاسية بسرعة حل مشكلات المشروعات المتعثرة ودخولها الخدمة    عاجل| إصابة ثلاثة إسرائيليين في انفجار مسيرة أطلقت من لبنان    الحرية المصري يشيد بدور التحالف الوطني للعمل الأهلي في دعم المواطنين بغزة    لويس إنريكي: يتحدي برشلونة سنضغط عليهم منذ الدقيقة الأولى    7 آلاف جنيه لكل شحنة.. المتهم الرابع برشوة مصلحة الجمارك يدلي باعترافاته أمام المحكمة    الأرصاد تكشف موعد انخفاض درجات الحرارة    الخشت: تعيين 19 رئيسا لمجالس الأقسام العلمية في عدد من كليات جامعة القاهرة    بعد ال 700 جنيه زيادة.. كم تكلفة تجديد رخصة السيارة الملاكي 3 سنوات؟    القاصد يشهد اللقاء التعريفي لبرامج هيئة فولبرايت مصر للباحثين بجامعة المنوفية    وزير الأوقاف: إن كانت الناس لا تراك فيكفيك أن الله يراك    توقف العمليات في مطار دبي الدولي مؤقتاً بسبب عاصفة شديدة    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    «تعليم الأقصر» يحصد المركز الخامس ببطولة الجمهورية للسباحة    رئيس ريال مدريد يرد على ماكرون بشأن مبابي    «الأهلي مش بتاعك».. مدحت شلبي يوجه رسالة نارية ل كولر    غدا.. انطلاق بطولة الجمهورية للاسكواش في نادي مدينتي    على مدار 4 أيام.. فصل التيار الكهربائي عن 34 منطقة ببني سويف الأسبوع المقبل    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    الملابس الداخلية ممنوعة.. شواطئ الغردقة تقر غرامة فورية 100 جنيه للمخالفين    فصل التيار الكهربائي "الأسبوع المقبل" عن بعض المناطق بمدينة بني سويف 4 أيام للصيانة    إيرادات الأفلام..«شقو» يواصل صدارة شباك التذاكر.. والحريفة في المركز الأخير    مصطفى كامل يوضح أسباب إقرار الرسوم النسبية الجديدة على الفرق والمطربين    الأوبرا تحيي ذكرى الأبنودي وصلاح جاهين بالإسكندرية    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من أبريل 2024: فرص غير متوقعة للحب    فى ذكرى ميلاده.. تعرف على 6 أعمال غنى فيها عمار الشريعي بصوته    بعد انتهاء رمضان بأسبوع.. مفاجأة في قائمة المسلسلات الأكثر مشاهدة    وزارة الصحة تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    "بعد السوبر هاتريك".. بالمر: أشكر تشيلسي على منحي فرصة التألق    هل يحصل على البراءة؟.. فيديو يفجر مفاجأة عن مصير قات ل حبيبة الشماع    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    مؤتمر كين: ندرك مدى خطورة أرسنال.. وتعلمنا دروس لقاء الذهاب    ضبط خاطف الهواتف المحمولة من المواطنين بعابدين    ضبط 7 آلاف قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة شروط تعاقد خلال 24 ساعة    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    وزارة الأوقاف تنشر بيانا بتحسين أحوال الأئمة المعينين منذ عام 2014    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    الطب البيطرى بالجيزة يشن حملات تفتيشية على أسواق الأسماك    المؤبد لمتهم و10 سنوات لآخر بتهمة الإتجار بالمخدرات ومقاومة السلطات بسوهاج    اقتراح برغبة حول تصدير العقارات المصرية لجذب الاستثمارات وتوفير النقد الأجنبي    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    موعد مباراة سيدات يد الأهلى أمام بطل الكونغو لحسم برونزية السوبر الأفريقى    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والعواصف وصواعق البرق فى باكستان ل 41 قتيلا    برلماني يطالب بمراجعة اشتراطات مشاركة القطاع الخاص في منظومة التأمين الصحي    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    بالتزامن مع تغيير الفصول.. طرق الحفاظ على صحة العيون    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    الصين تؤكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    ننشر قواعد التقديم للطلاب الجدد في المدارس المصرية اليابانية 2025    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



'الوطن' تواصل نشر أخطر فصول كتاب مصطفي بكري: 'الجيش والإخوان.. أسرار خلف الستار'
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 27 - 04 - 2013

ماذا جري خلال اليوم الأخير في حكم مبارك؟ هل حدثت صفقة بين المجلس العسكري والإخوان؟ أين الحقيقة في علاقة أمريكا بجماعة الإخوان؟ هل كان الفريق أحمد شفيق هو الفائز في انتخابات الرئاسة الأخيرة؟ ما القصة الحقيقية وراء قرار الكتور محمد مرسي بإقالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان؟ ماذا عن سيناريوهات المستقبل وعلاقة الجيش بالإخوان؟
الإجابة عن هذه الأسئلة المهمة والمصيرية يتضمنها كتاب 'الجيش والإخوان.. أسرار خلف الستار' للكاتب الصحفي الكبير مصطفي بكري، يصدر الأسبوع المقبل عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة في 450 صفحة، وتنشر 'الوطن' -باتفاق خاص- عددا من الفصول المهمة منه.
كان يوم الثاني عشر من أغسطس 2012 يوماً حاسماً في تاريخ حكم مصر علي يد أول رئيس مدني للجمهورية جري انتخابه بعد نجاح الثورة وسقوط نظام مبارك.
كان كل شيء يمضي طبيعياً في القصر الجمهوري، لم يكن هناك شيء مختلف يلفت الانتباه.
في هذا اليوم نشرت مواقع التواصل الاجتماعي تصريحاً للدكتور 'ياسر علي' المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية قال فيه: 'إن الحد الأقصي لإعلان اسم نائب واحد لرئيس الجمهورية علي الأقل هو مطلع الشهر المقبل وفقاً للإعلان الدستوري'.
وفي اليوم ذاته عقد الرئيس محمد مرسي بحضور رئيس الوزراء وعدد من الوزراء اجتماعاً مع المحافظين، تم خلاله مناقشة العديد من القضايا والمشكلات، خصوصاً أزمة الكهرباء وتحديد مواعيد قطعها في بعض المناطق للتخفيف من حدة الضغط علي المحطات، بعد أن تفاقمت المشكلة إلي حد كبير وباتت تهدد استقرار البلاد.
لاحظ المتابعون للاجتماع أن هناك تعمداً لإطالة فترة الاجتماع، الذي استمر لنحو خمس ساعات تقريباً، مع أن القضايا الرئيسية تمت مناقشتها في وقت قصير.
كان الرئيس يخرج ثم يعود مطالباً المجتمعين بالاستمرار في مناقشة المشكلات التي يعانيها المواطنون مع رئيس الحكومة والوزراء المعنيين.
في الوقت نفسه كان المشير طنطاوي قد دعا أيضاً إلي اجتماع للمجلس الأعلي للقوات المسلحة في الحادية عشرة صباحاً، وذلك لمناقشة آخر تطورات الأوضاع في سيناء في ضوء التحقيقات والعمليات العسكرية التي تجري في المناطق المختلفة.
حضر غالبية أعضاء المجلس الأعلي، وإن كان البعض قد تخلف عن الحضور، وكان من أبرز الذين لم يحضروا هذا الاجتماع الفريق 'مهاب مميش' قائد القوات البحرية، الذي لم يتمكن من الحضور بسبب وجود أعطال ومعوقات في الطريق من الإسكندرية إلي القاهرة، ففضل الذهاب إلي منزله بالقاهرة، وأبلغ اعتذاره للأمين العام لوزارة الدفاع لإبلاغ المشير.
وكان اللواء 'عبد الفتاح السيسي' 'عضو المجلس الأعلي، مدير المخابرات الحربية والاستطلاع' حاضراً هذا الاجتماع وظل موجوداً حتي الثانية ظهراً.. كانت الأعصاب مشدودة بسبب ممارسات ومواقف الرئيس، وأيضاً تداعيات حادث رفح ورفض الرئيس الإعلان عن النتائج الأولية للتحقيقات في هذا الحادث.
منذ البداية تحدث اللواء 'حسن الرويني' 'عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة' مبدياً اعتراضه علي قرار الرئيس مرسي بمنع أعضاء المجلس ممن هم فوق سن الخدمة من حضور اجتماع المجلس الأعلي مع الرئيس مساء الجمعة 9 من أغسطس 2012.
قال 'الرويني': إن الإعلان الدستوري المكمل يعطي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة وحده سلطة القرار، وما جري هو تجاوز لذلك!
لم يكن اللواء الرويني وحده صاحب وجهة النظر تلك، كان هناك آخرون قد أبدوا اعتراضهم علي قرار الرئيس ووجهوا اللوم إلي المشير طنطاوي لاستجابته لهذا القرار.
حاول البعض أن يحذر المشير من خطورة المرحلة المقبلة، إلا أن المشير كان يستمع إلي هذه الآراء في صمت، ثم حاول أن يهدئ من مشاعر الغضب، مؤكداً أن هذا الأمر لن يتكرر مرة أخري، وأنه وافق علي مطلب الرئيس، لأنه لم يُرِد أن يخلق أزمة بين المجلس العسكري ورئيس الجمهورية.
'ياسر علي' طالب الإعلاميين بالانصراف من 'الاتحادية' فوراً.. وأبقي علي طاقم الفنيين بالتليفزيون المصري
كانت الأجواء تنذر بحدث ما، وكانت كل المؤشرات تقول إن تهديدات الإخوان بإصدار إعلان دستوري جديد يلغي الإعلان الدستوري المكمل، هي تهديدات جادة، وإن الرئيس يتبني هذا الموقف، وهو أمر حتماً سيقود إلي الصدام.
بعد جدل طويل حول مواقف الرئيس من الإعلان الدستوري المكمل، والمخاوف من تردي الأوضاع والعلاقة ما بين المجلس العسكري ورئيس الدولة.. انتقل الاجتماع إلي القضية التي كانت تشغل الجميع في هذا الوقت، وهي قضية الحملة العسكرية علي أوكار الإرهابيين في سيناء وآخر نتائج التحقيقات التي تجريها النيابة العسكرية حول حادث رفح.. لقد طالب أعضاء المجلس العسكري في هذا الاجتماع بضرورة إعلان الحقائق كاملة علي الشعب، خصوصاً أن المؤشرات الأولية تؤكد مشاركة عناصر 'فلسطينية' تنتمي إلي تنظيمات متشددة في ارتكاب هذا الحادث جنباً إلي جنب مع العناصر الأصولية التكفيرية الموجودة في منطقة 'جبل الحلال' و'المهدية' داخل سيناء.
لقد تساءل البعض عن أسباب رفض الرئيس إعلان نتائج التحقيقات، وطالبوا المشير بضرورة إعلان نتائج هذه التحقيقات حتي تبرئ القوات المسلحة ساحتها أمام الشعب وأمام التاريخ.
وعد المشير بطرح الأمر علي الرئيس مجدداً، وقال إن اللواء عبد الفتاح السيسي طلب ذلك من الرئيس مرسي وحذر من خطورة التكتم علي نتائج التحقيقات، لا سيما بعد إعلان القوات المسلحة في وقت لاحق أنها ستعقد مؤتمراً صحفياً للإعلان عن هذه النتائج.
في الثانية ظهراً انتهي اجتماع المشير مع أعضاء المجلس الأعلي، رن جرس الهاتف.. كان المتصل علي الجانب الآخر هو الرئيس محمد مرسي.
- قال الرئيس: علمت أنكم كنتم في اجتماع للمجلس العسكري، هل هناك جديد عن الوضع في سيناء؟
- أجاب المشير: نحن نتابع الأمر، والتحقيقات كشفت عن تورط جهات عديدة داخل قطاع غزة بالاشتراك مع بعض عناصر المنظمات التكفيرية في سيناء، ونحن جاهزون لإعلان الحقائق التي تم التوصل إليها.
- قال الرئيس: هذا موضوع سنناقشه معاً فيما بعد.. ما يهمني الآن أن رئيس الحكومة أبلغني أنه يحتاج إلي مليار ونصف المليار دولار فوراً لإنهاء مشكلة قطع الكهرباء، وبعض الاحتياجات الخاصة بالمواد البترولية.. أرجو توفير هذا المبلغ وبشكل عاجل من ميزانية القوات المسلحة.
- قال المشير: هذا أمر صعب.. لقد سبق أن منحنا الحكومة أكثر من 7 مليارات دولار قبل ذلك لدعم الاحتياطي الاستراتيجي من العملة الأجنبية، بل قمنا أيضاً بدفع مبالغ أخري إليها.
- قال الرئيس: لكن الحكومة تحتاج هذا المبلغ فوراً.. عموماً أرجو أن تحضر إلي الرئاسة لمناقشة كيفية تدبير هذا المبلغ، وأرجو أن يحضر معك الفريق سامي عنان واللواء 'محمود نصر' 'المسئول عن الشئون المالية بالمجلس الأعلي'، لنصل إلي حل يرضي كل الأطراف، وياريت اللواء محمود نصر يجيب معاه أبواب الميزانية الخاصة بالقوات المسلحة.
- قال المشير: متي نحضر؟
- الرئيس: موعدكم الساعة الثالثة والربع عصراً.
كان المجلس الأعلي للقوات المسلحة قد أنهي اجتماعه للتو، طلب المشير اللواء محمود نصر للحضور إلي مكتبه، حيث يوجد مكتب اللواء محمود نصر بالقرب من مكتب المشير في الدور الثاني في مبني وزارة الدفاع.
واللواء محمود نصر، هو من العقليات الاقتصادية المتميزة، لديه عمق في الفهم والرؤية الاقتصادية يتعدي الكثيرين من خبراء الاقتصاد، وكان هو أيضاً من أبرز الداعين لاستقالة أعضاء المجلس العسكري بعد تسلم الرئيس للسلطة علي الفور.
أبلغ المشير طنطاوي اللواء محمود نصر بمطلب الرئيس مرسي، فقال اللواء محمود نصر: ولكن هذا المبلغ غير متوافر الآن، وقطعاً لا يمكن كسر الوديعة الدولارية للقوات المسلحة، التي هي مخصصة لمواجهة أي طارئ أو احتمالية قطع المعونة الأمريكية عن مصر.
- قال المشير: ليس أمامنا خيار.
فهم اللواء محمود نصر الرسالة، وذهب علي الفور إلي مكتبه لإعداد الأوراق المطلوبة عن موازنة القوات المسلحة، وعندما أبلغ المشير الفريق سامي عنان باللقاء مع الرئيس تساءل الفريق: وما علاقتي أنا بالأمور المالية لكي أحضر هذا اللقاء؟!
- قال المشير: الرئيس كان مُصرّاً علي حضورك.
لم يكن أمام رئيس الأركان من خيار آخر، فأبدي موافقته علي الحضور جنباً إلي جنب مع المشير واللواء محمود نصر.[FirstImage]
مضي الركب قبل الموعد المحدد بقليل، كان قائد الحرس الجمهوري اللواء 'محمد زكي' في الانتظار، طاقم الحراسة المكلف بحراسة المشير ورئيس الأركان بقي في مكانه المعتاد، بينما اصطحب قائد الحرس الجمهوري كلاً من المشير ورئيس الأركان واللواء محمود نصر إلي صالون كبار الزوار في الدور الأول من مبني القصر الجمهوري ب'الاتحادية'.
قبل هذا الموعد بقليل أبلغ د.ياسر علي 'المتحدث باسم رئاسة الجمهورية' جميع الصحفيين والإعلاميين المعتمدين بالرئاسة أن جدول أعمال الرئيس قد انتهي بانتهاء اجتماعه بالمحافظين، وأن عليهم الانصراف من مقر الرئاسة علي الفور.
في هذا الوقت أيضاً جري الاتصال باللواء عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية والاستطلاع للحضور بشكل عاجل إلي مقر رئاسة الجمهورية، كان الاتصال قد جري باللواء السيسي بواسطة مدير مكتب رئيس الجمهورية بعد وصول المشير طنطاوي والفريق سامي عنان مباشرة.
وقد قيل له في هذا الوقت إن اللقاء يستهدف مناقشة آخر نتائج التحقيقات في حادث رفح، وإن الرئيس يريد أن يجتمع باللواء السيسي في حضور المشير طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان.
ولم يكن الأمر غريباً بالنسبة للواء عبد الفتاح السيسي، فهو كان يتردد كثيراً علي مقر رئاسة الجمهورية منذ حادث رفح تحديداً بوصفه المسئول عن حلقة الصلة بين المجلس العسكري ورئاسة الجمهورية.
علي الفور وصل اللواء السيسي إلي مقر رئاسة الجمهورية، استقبله قائد الحرس، وكانت التعليمات إليه أن يجلسه في غرفة خاصة بعيداً عن صالون الاستقبال الذي يجلس فيه المشير طنطاوي والفريق سامي عنان واللواء محمود نصر.
لم يكن قائد الحرس الجمهوري يعلم عن الأمر شيئاً، كان الأمر فقط مقصوراً علي عدد محدود من المقربين من الرئيس مرسي، انتظر اللواء السيسي في الغرفة المحددة بالدور الأول في قصر الاتحادية، قيل له إن الاجتماع مع الرئيس سوف يبدأ بعد قليل.
كانت التعليمات تقضي بعدم حدوث أي لقاء أو اتصال بين اللواء السيسي والمشير طنطاوي في هذا الوقت، ولذلك ظل برفقته د.ياسر علي المتحدث باسم الرئيس تارة، ود.أحمد عبد العاطي مدير مكتب الرئيس تارة أخري.
كانت الرئاسة قد طلبت من جميع الصحفيين والإعلاميين الانصراف لعدم وجود أية مقابلات أخري للرئيس في قصر الاتحادية، بينما جري التنبيه علي طاقم الفنيين في التليفزيون المصري الانتظار دون أن يشعر الآخرون.
بعد قليل حضر قائد الحرس الجمهوري ليخطر المشير ومن معه بدعوتهم إلي صلاة العصر خلف الرئيس، وبالفعل اصطحبهم قائد الحرس إلي المسجد الموجود داخل حرم قصر الاتحادية، وخلال اصطحابهم إلي المسجد قال لهم قائد الحرس إن اللواء عبد الفتاح السيسي حضر إلي القصر، وهنا بادره الفريق سامي عنان بالقول: طيب خليه يحضر للصلاة معنا.
لم يتبادر إلي ذهن الفريق أو المشير في هذا الوقت أي شك في هذا الأمر، لقد كان الاعتقاد السائد أن اللواء السيسي حضر لمتابعة ملف رفح مع كبار المسئولين برئاسة الجمهورية كما هي العادة.
تولي الرئيس إمامة المصلين لصلاة العصر، وبعد انتهاء الصلاة قام بمصافحة بعض الحاضرين داخل المسجد، ومن بينهم المشير والفريق سامي عنان واللواء محمود نصر، ولوحظ عدم حضور اللواء السيسي للصلاة، ويبدو أن أحداً لم يخطره بذلك، بل بقي في غرفته ومعه د.ياسر علي حتي لا يلتقي مع المشير وجهاً لوجه.
لم يكن هناك أي إجراءات غير عادية، بل حتي الموبايلات ظلت في حوزة أصحابها دون أن يطلب أحد منهم تسليمها لأمن الرئاسة أو غير ذلك.
عندما وصل المشير ومرافقوه بعد أداء صلاة العصر إلي الصالون الأرضي مجدداً، اصطحبهم قائد الحرس الجمهوري إلي الصالون العلوي الملحق بمكتب الرئيس وأبلغهم أن الرئيس سوف يحضر إليهم بعد قليل.
في هذا الوقت، مضي الرئيس إلي حيث يجلس اللواء عبد الفتاح السيسي، قال له إن المشير قدم استقالته من منصبه، وإنه أبلغه بترشيحه وزيراً للدفاع ليحل محله، وطلب منه أن يظل الأمر سراً، حتي لا يسمع به الفريق سامي عنان أو الآخرون، وأنه أيضاً رشح له اللواء صدقي صبحي قائد الجيش الثالث لتولي موقع رئيس الأركان بدلاً من الفريق سامي عنان، وكذلك تغيير قادة البحرية والدفاع الجوي والقوات الجوية وسيحل محلهم رؤساء أركان هذه الأفرع.
لم يفاجأ اللواء السيسي بترشيح المشير له، فقد كان يعرف ذلك منذ وقت ليس بالقصير، لكنه أبدي دهشته من الطريقة، خصوصاً أن المشير لم يفاتحه في الأمر، رغم لقائه معه منذ قليل.
قال الرئيس ل'السيسي': استعد لأداء اليمين الدستورية بعد قليل، وبعدها سوف ألتقيك مرة أخري بحضور المشير طنطاوي بعيداً عن الفريق سامي عنان، والذي قطعاً أنت تعرف أنه كان يأمل أن يكون وزيراً للدفاع، إلا أن المشير اختارك أنت، وأنت تعرف مدي تقديري للمشير واحترامي لمواقفه وإخلاصه، والحقيقة أن ترشيحه لك هو خير دليل علي ذلك الإخلاص لمصر وللقوات المسلحة، فأنت من خيرة العناصر، كما أننا جميعاً في حاجة إلي دماء جديدة تلقي قبولاً داخل الجيش، وأنت تعرف أن المشير حاول الاستقالة أكثر من مرة، وعندما وجدته مُصراً هذه المرة وافقت علي ذلك، لا سيما بعد أن رشحك لتحل محله، وقال له إن اللواء 'العصار' يعلم بكل هذه التطورات وهو من أشد المؤيدين لترشيحك وإنني لهذا قررت إعادة تعيينه مساعداً وحيداً لوزير الدفاع، وإبعاد كل من تجاوز سن الستين من أعضاء المجلس العسكري، بحيث يعود المجلس إلي وضعه الطبيعي.
لم يكن لدي اللواء السيسي أية معلومات عن الدور الذي لعبه اللواء 'العصار' في ترشيحه هو والآخرين لرئيس الجمهورية ليحلوا محل القيادات الحالية، لكن اللواء 'العصار' كان معروفاً أنه منفتح علي الجميع، وكانت له اتصالات بكافة القوي، التيارات الشبابية والقوي الليبرالية والتيارات السلفية وجماعة الإخوان المسلمين، وربما يكون بالفعل قد استشير في مسألة الترشيحات للقيادات العسكرية الجديدة كما تردد في هذا الوقت.
في الدور الأول، كان كل شيء قد تم إعداده، مدير المراسم قدم للواء السيسي ورقة تحوي صيغة القسم، وكان هناك أيضاً المستشار محمود مكي ورئيس الوزراء د.هشام قنديل.
كان المستشار مكي علي علم بقرار تعيينه نائباً للرئيس، تقدم لأداء القسم، ومن بعده تقدم اللواء السيسي وبعدها التقي الرئيس باللواء السيسي الذي تمت ترقيته إلي رتبة الفريق أول، وبعد لقاء قصير بينه وبين الرئيس طلب منه رئيس الجمهورية الانصراف إلي مكتبه بالمخابرات الحربية لإدارة الأمور داخل وزارة الدفاع لحين قيام المشير والفريق عنان بلملمة أوراقهما من الوزارة.
كان الرئيس لا يريد حدوث لقاء مباشر بين الفريق أول السيسي وبين المشير حتي تمضي الأمور بهدوء وتستقر الأوضاع.
مدير مكتب الرئيس اتصل ب'السيسي' وطلب منه الحضور بشكل عاجل بحجة مناقشة نتائج تحقيقات حادث رفح
انصرف الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ولم يكن يعلم حتي هذا الوقت شيئاً سوي ما أبلغه به رئيس الجمهورية، وكان علي يقين من أن أمر ترشيحه تم بالتفاهم مع المشير.
مضي من الوقت ثلث ساعة بعد الوقت المحدد سلفاً لمقابلة الرئيس في الثالثة والربع بعد عصر اليوم، تساءل المشير: هو إيه الحكاية بالضبط؟
قال الفريق عنان: من المؤكد أن الرئيس انشغل بأمر ما.
بدأ القلق يتسرب إلي الفريق سامي عنان، ظن الرجل لبعض الوقت أن هناك احتمالاً لوجود موقف ما، كان وجود اللواء السيسي في هذا الوقت مدعاة للتساؤل.
لم يحاول الفريق أن يناقش الأمر، لكنه أدرك أن شيئاً ما يجري الترتيب له من خلف ستار.
كان هناك من يشير للفريق سامي عنان بأنه ربما يكون المرشح الأكثر حظاً لتولي منصب نائب رئيس الجمهورية، بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي، لقد وصلته إشارات ومعلومات من بعض المقربين إلي الرئيس بذلك، لكن الفريق عنان كان يقول دوماً: يكفيني أنني أديت دوري بأمانة وإخلاص طيلة تاريخي العسكري، كان يدرك بالقطع أنه لن يكون وزير 'الدفاع' المقبل، فالقرار الذي اتخذ في شهر مايو يسري علي الجميع ممن هو فوق السن القانونية.
بعد قليل دخل إلي الصالون رئيس الوزراء د.هشام قنديل، صافح المشير ومن معه، وبعده بقليل جاء المستشار محمود مكي، ولاحظ الحاضرون أن أحد المسئولين عن المراسم جاء في صحبته، وقال له: اتفضل يا سيادة النائب.
كان الخبر غريباً علي الجميع، لم يكن أحد يعلم حتي وقت قليل مضي أن المستشار محمود مكي قد أسند إليه منصب نائب الرئيس.
لم يعلق أي من الحاضرين علي الأمر، غير أنهم أدركوا أن هناك شيئاً ما قد حدث.
بعد ذلك مباشرة حضر الرئيس محمد مرسي، صافح الحاضرين، وبدأ علي الفور سؤال اللواء محمود نصر 'عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة للشئون المالية والاقتصادية'.
- الرئيس: هل دبرت المبلغ المطلوب يا سيادة اللواء؟
- محمود نصر: أنا جبت ملخص لأبواب الموازنة العامة للجيش بما فيها الاحتياطي.
طلب الرئيس الاطلاع علي الموازنة الخاصة بالجيش، وراح يستعرض الأوراق، ويتساءل عن بعض الأرقام، استمر الحديث حول هذا الأمر لمدة سبع دقائق تقريباً، وبعدها قال: أرجو تدبير المليار ونصف المليار دولار فوراً من أي بند من البنود.
أفراد من الجيش أثناء تشيع جثامين شهداء رفح 'صورة ارشيفية'
نظر اللواء محمود نصر للمشير منتظراً التعليمات، فقال له المشير: رغم صعوبة ذلك، لكن حاول تتصرف.
كان التوتر بادياً علي الرئيس بعض الشيء، نظر إلي المشير طنطاوي وإلي رئيس الأركان سامي عنان وقال: أنت تعرف تقديري لك يا سيادة المشير، وأنت كذلك يا سيادة الفريق سامي، وتعرفان أيضاً أننا في مرحلة جديدة، وأنا كرئيس جمهورية أقدر الدور الذي قمتما به وكذلك دور المجلس العسكري في الثورة وتحقيق الاستقرار وإجراء انتخابات نزيهة في البلاد.
وأنا أشهد أنكم جميعاً أديتم دوركم بكل أمانة وإخلاص، وأعرف أيضاً أنك لم تكن راغباً في الاستمرار يا سيادة المشير، ولذلك أبلغكما اليوم بأن دوركما انتهي عند هذا الحد، لأن لكل مرحلة رجالها، ومن حقي كرئيس منتخب للجمهورية أن أختار أناساً لا يقلون وطنية عنكم لقيادة الجيش في هذه المرحلة الصعبة خصوصاً بعد حادث رفح وتداعيات هذا الحادث.
أصيب المشير ورئيس الأركان بحالة من الصدمة والذهول، لم يصدقا ما سمعاه منذ قليل، لقد أدركا الآن أن الرئيس قد أعد لهما 'فخاً' وأنهما تعرضا للخديعة.
- بادر المشير طنطاوي بالرد علي الرئيس بالقول: ولكن، هناك إعلان دستوري مكمل يمنع عزل أي من قيادات الجيش.
- رد عليه الرئيس علي الفور وقال: لقد ألغيت هذا الإعلان الدستوري المكمل أمس، ونشر في الجريدة الرسمية، وانتهي الأمر.
- قال المشير: ولكن ذلك غير دستوري.
- رد الرئيس بالقول: أنا رئيس الجمهورية، والقائد الأعلي للقوات المسلحة ولدي جميع الصلاحيات، ثم إن إلغائي الإعلان الدستوري جاء تلبية لرغبة الشعب المحتشد في الميادين، وأيضاً إعمالاً لسلطات رئيس الجمهورية.
- قال المشير: ولكن سلطة التشريع هي في يد المجلس العسكري لحين انتخاب مجلس الشعب، وأنا أري أن هذا القرار يمثل إهانة، لقد طلبت الخروج قبل ذلك بعد تسلمك السلطة ولكنك رفضت ذلك وطالبتنا بالاستمرار لحين وضع الدستور.
- قال الرئيس: هناك متغيرات طرأت، والموضوع حُسم، وقد ألغيت الإعلان الدستوري المكمل، وأصدرت قراراً بتعيينك أنت والفريق سامي عنان مستشارين عسكريين لي، وسيكون لكما مكتبان في القصر الجمهوري، كما أنني قررت منحك قلادة النيل يا سيادة المشير وأنت وسام الجمهورية يا سيادة الفريق سامي، ولا إيه رأيك؟
قال الفريق سامي عنان وقد أخذته الدهشة: نحن أدينا رسالتنا بشرف وكرامة، ولم نكن طامعين في سلطة، وتحملنا جميع المخاطر عند وقوفنا مع الثورة، ولذلك إذا كان هناك مصلحة عامة من وراء هذا القرار فنحن ليس لدينا اعتراض، ولكن هناك إعلاناً دستورياً مكملاً، لا يعطيك الحق في عزلنا بهذه الطريقة.
هنا تدخل المستشار محمود مكي الذي كان قد عُين منذ قليل نائباً لرئيس الجمهورية وقال: من الناحية الدستورية والقانونية يحق لرئيس الجمهورية إلغاء هذا الإعلان المكمل، الذي نعرف أنه جاء في ظروف غير طبيعية، كما أنه لم يجر الاستفتاء عليه ولم ينل الرضا الشعبي.
أدرك المشير طنطاوي أن الأمر قد حُسم، لم يكن أمامه من خيار آخر، الرجل لم يكن طامعاً في السلطة، وكان دوماً يعلن أنه ينتظر تسليم السلطة إلي الرئيس المنتخب وبعدها سيقدم استقالته، تخوف من أن تكون معارضته سبباً في حدوث انشقاق داخل الجيش يمتد إلي حريق يطال الوطن، وهو الذي حاول تفادي ذلك طيلة الفترة الانتقالية.
وقبيل أن يغادر المشير ومن معه القصر الجمهوري قال اللواء محمود نصر موجهاً حديثه للرئيس: وأنا أيضاً أتقدم باستقالتي يا سيادة الرئيس.
كان د.محمد مرسي يعرف جيداً القدرات التي يتمتع بها اللواء محمود نصر، ولذلك بادر علي الفور: لا أنا محتاجك معانا يا سيادة اللواء.
ودّع الرئيس المشير ورئيس الأركان واللواء محمود نصر، ركب المشير ورئيس الأركان في سيارة واحدة، كان الذهول يسيطر عليهما، لم يصدقا ما حدث، وما إن ركبا السيارة حتي طلب المشير من السائق تشغيل الراديو.
وبالفعل بعد دقائق معدودة، كان د.ياسر علي 'المتحدث باسم رئيس الجمهورية' يعلن بيان الاطاحة بالمشير وعنان.
كانت تلك هي المرة الأولي التي يستمع فيها المشير طنطاوي والفريق سامي عنان إلي قرار تعيين الفريق أول عبد الفتاح السيسي في منصب وزير الدفاع والفريق صدقي صبحي في منصب رئيس الأركان.
- أحدث قرار اختيار السيسي وصدقي حالة من الطمأنينة لدي المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، خفف من وقع الصدمة، ولكنهما ظلا يشعران بالإهانة التي سببها لهما القرار المفاجئ.
اقترب الركب من مبني وزارة الدفاع، كان الفريق أول السيسي قد انصرف علي الفور بعد أداء القسم، مضي وزير الدفاع الجديد إلي مبني المخابرات الحربية، حيث ظل يدير الوزارة من هناك لفترة من الوقت.
وعندما وصل المشير ورئيس الأركان إلي مبني الوزارة التف حولهما القادة والضباط الذين سمعوا بالخبر من شاشة التليفزيون، وتساءل البعض عما إذا كان سيعقد اجتماعاً للمجلس العسكري لتدارس الأمر، إلا أن المشير قال لهم: 'لقد انتهي الأمر، والفريق أول السيسي ابني والفريق صدقي صبحي ابني، وأنا الذي رشحتهما، وعلينا أن نتجاوز الحدث، المهم هو الجيش وسلامته، وأنا آمن علي الجيش تحت قيادة الفريق أول السيسي' بعدها أغلق المشير باب مكتبه وراح يلملم أوراقه بمساعدة مدير مكتبه اللواء يسري زكي، وكذلك فعل الفريق سامي عنان.
كان الفريق مهاب مميش نائماً في منزله في هذا الوقت، رن جرس الهاتف، وكان علي الجانب الآخر أحد مساعديه:
- قال له: هل سمعت بالخبر؟
تساءل الفريق مميش: خبر إيه؟
- قال له: لقد تم الإعلان منذ قليل في التليفزيون عن إعفائك من منصبك وتوليك منصب رئيس هيئة قناة السويس، وبدأ يسرد عليه بقية القرارات الأخري.
- قال الفريق مميش: الحمد لله علي كل شيء.
وما حدث مع الفريق مميش الذي عين رئيساً لهيئة قناة السويس، هو ذاته الذي حدث مع الفريق عبد العزيز سيف الدين 'قائد قوات الدفاع الجوي' الذي عين رئيساً للهيئة العربية للتصنيع، وأيضاً اللواء رضا حافظ 'قائد القوات الجوية' الذي عين وزيراً للدولة للإنتاج الحربي.
كان الخبر صادماً للكثيرين، لم يتوقع الناس أن يحسم الرئيس الأمر بكل هذه السهولة، غير أن هناك من كان يري أن القرار هو تحصيل حاصل، وأن المشير ورئيس الأركان كانا يرغبان في مغادرة الساحة في أقرب وقت ممكن، وأنه ربما لهذا السبب قبلا بهذا الوضع، وكان بإمكانهما قلب المائدة علي الرئيس!
في مساء اليوم ذاته كان الرئيس مرسي علي موعد مع حشد من الأئمة والدعاة لحضور الاحتفال بليلة القدر، وقد ألقي الرئيس خطاباً في هذا الاحتفال تناول فيه التغييرات التي أجراها عصر اليوم ذاته لعدد من القيادات العسكرية الكبري، حيث قال: 'ما اتخذته اليوم من قرارات لم أوجهه أبداً لأشخاص أو لإحراج مؤسسات'، وأضاف: 'لابد من الوفاء لمن كانوا أوفياء' وأنا قصدت مصلحة الأمة ومصلحة الشعب'.
في هذا الوقت ثار جدل كبير في الشارع حول ما إذا كان ما جري قد تم بالتفاهم بين المؤسسة العسكرية والسلطة، أم تم عن طريق الخديعة كما حدث في سيناريو عزل المشير أبوغزالة عندما استدعاه مبارك وقال له: ارتد ملابسك المدنية وتعال صباحاً لأننا سنغادر إلي الأردن، وعندما وصل إلي هناك وجد نفسه يؤدي القسم مساعداً لرئيس الجمهورية، بينما جيء باللواء يوسف صبري أبوطالب محافظ القاهرة السابق لتولي منصب وزير الدفاع دون علم المشير أبوغزالة!
لقد قال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية د.ياسر علي: 'إن قرار الرئيس بالتغيير تم بالمشاورة والتفاهم مع الأطراف المعنية'، وهو ما أكده اللواء محمد العصار 'عضو المجلس العسكري، مساعد وزير الدفاع'.
أما المستشار القانوني للرئيس محمد فؤاد جاد الله فقد قال بعد مرور حوالي 12 ساعة من الحدث: 'إن الرئيس اتخذ القرار بنفسه ودون الرجوع لأحد، وأن القادة المحالين لم يعرفوا به إلا بعد إصداره'.
لقد توقف المراقبون أمام التصريح الذي أدلت به المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية الذي قالت فيه: 'إن واشنطن كانت علي علم بوجود مشاورات حول تغييرات بقادة الجيش في مصر، وما حدث كان تشاورياً وليس انقلاباً'.
كانت كل المؤشرات في هذا الوقت تشير إلي أن هناك طرفاً ما أبلغ الإدارة الأمريكية بوقائع 'خديعة الثاني عشر من أغسطس'. كانت الاتهامات في البداية محصورة في احتمالية قيام أمير قطر بهذا الدور، وخصوصاً أنه التقي الرئيس مرسي علي مدي ساعتين ونصف الساعة من الخامسة إلي السابعة والنصف مساء السبت 11 أغسطس، أي قبيل قرار الإقالة بساعات قليلة، وأنه غادر القاهرة في مساء السبت نفسه يوم الزيارة.
غير أن المعلومات أكدت أنه لم يكن هو الذي أبلغ واشنطن ذلك، وإنما من تولي إبلاغ الإدارة الأمريكية بما سيجري في اليوم التالي كان هو د.عصام العريان الذي كان مسئولاً حتي هذا الوقت عن ملف العلاقات الخارجية، وكان أيضاً نائباً لرئيس حزب الحرية والعدالة ومن أكثر المقربين إلي الرئيس محمد مرسي، الذي كان وراء ترشيحه لرئاسة حزب الحرية والعدالة، إلا أن خيرت الشاطر رشح د.سعد الكتاتني الذي فاز بالمنصب من الجولة الأولي.
كان د.عصام العريان يتردد في سرية تامة علي قصر الرئاسة خلال الفترة التي تلت حادث رفح، وكان يجلس منفرداً مع الرئيس، وكانت الشائعات تقول إنه ربما يكون مرشحاً لمنصب نائب الرئيس أو مساعده لشئون العلاقات الخارجية في هذا الوقت.
لقد تولي بنفسه إبلاغ واشنطن بأن الرئيس قد اتخذ قراره بإجراء تغييرات في القيادات العسكرية، وأن الأمر يتم بالتشاور مع بعض أعضاء المجلس العسكري بهدف تولي الرئيس كامل سلطاته وإنهاء تقاسم السلطة في البلاد، كما كانت جماعة الإخوان تردد في هذا الوقت.
قائد الحرس الجمهوري استقبل 'السيسي'.. وكانت التعليمات بأن يجلس في غرفة بعيدة عن الصالون الذي يجلس به المشير وعنان
لم يكن الأمر غريباً علي الدكتور العريان، فعلاقته بالأمريكيين تعود إلي فترة بعيدة، إذ سبق له أن تولي ملف الحوار مع القادة المسئولين بالإدارة الأمريكية في فترات سابقة، كما أنه عقد في يوم الجمعة 8 من نوفمبر 2011 اجتماعاً مهماً بمقر حزب الحرية والعدالة مع 'وليام تايلور' مسئول ملف نقل السلطات في الشرق الأوسط دار فيه حوار حول انتخابات مجلس الشعب، ومطالب الإخوان من هذه الانتخابات.
كما تطرق الحوار إلي تعهدات جماعة الإخوان للإدارة الأمريكية فيما يخص احترامها لاتفاقية السلام مع إسرائيل وغيرها من المطالب.
باختصار، كانت علاقة عصام العريان بالأمريكيين قوية ووثيقة وترجع إلي سنوات سابقة، وربما كشفت زيارة العريان للولايات المتحدة في شهر نوفمبر 2012 برفقة عصام الحداد 'مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية فيما بعد' وما أعقبها من تصريحات عن حق اللاجئين اليهود المصريين في العودة إلي مصر عن الكثير من هذه الحقائق.
أدرك الرئيس مرسي أن الأمريكيين ليسوا ضد تغيير القيادات العسكرية، لقد استمع إلي هذا الكلام قبل ذلك من وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون خلال لقائه بها في 14 من يوليو 2012، إلا أن التأكيدات الجديدة التي أبلغها إليه د.عصام العريان حسمت كل شيء.
أما عن الموقف الإسرائيلي من هذه التغييرات، فقد أشار الموقع الإلكتروني للقناة العاشرة الإسرائيلية إلي أن سلسلة الإقالات وتغيير القادة المدهش، الذي قام به رئيس مصر، محمد مرسي في قيادات الجيش، أدهش تماماً الحكومة الإسرائيلية.
وقد أكد موقع القناة الإسرائيلية أن إسرائيل فوجئت تماماً بهذه التعيينات، وأن ثمة أحداً في إسرائيل لم يتوقع أن تؤدي الأحداث الإرهابية في سيناء إلي إجراء كهذا.
وأشار الموقع إلي أن الرئيس مرسي كان يخطط لهذه الخطوة منذ فترة، وأن التحرك للحكم الإسلامي في مصر حدث تدريجياً، وأن مصر في الطريق لأن تصبح دولة إسلامية وفقاً للنموذج التركي.
في هذا الوقت، راحت جماعة الإخوان تدعو إلي التظاهر في جميع المحافظات ترحيباً بقرارات الرئيس، وزحف المئات إلي قصر الاتحادية يهتفون: 'حرية عدالة - مرسي وراه رجالة'.. وبدأ بعض قادة الجماعة والمرتبطين بهم يروجون أن قرارات الرئيس جاءت للحيلولة دون حدوث انقلاب عسكري بالتزامن مع مظاهرات 24 من أغسطس.
أما د.عصام العريان، فقد كان رأيه أن 'القرارات جاءت لإحباط مخططات الثورة المضادة' ولكي تفضح الذين يعملون علي نشر الفوضي'، مؤكداً أنها ارتبطت بأحداث سيناء التي أظهرت حالة من التراخي في أداء المؤسسة العسكرية وعدم الانضباط في هذا الوقت.
وراح العريان يتجني علي الحقيقة بالقول: 'إن هذه القرارات كشفت الطرف الثالث الذي يعمل علي إعاقة مسيرة التحول الديمقراطي للشعب المصري'، ويبدو أن هذه الادعاءات هي التي روجها لأصدقائه الأمريكيين.
كان الموقف غامضاً، فحتي هذا الوقت، لم يستطع أحد الوصول إلي المشير أو رئيس الأركان، الهواتف كانت مغلقة، كان هناك اختفاء تام لهما وللآخرين، ويبدو أن ذلك تسبب في انتشار موجة من الشائعات دفعت ياسر علي 'المتحدث الرسمي باسم الرئاسة' إلي نفي ما تردد عن وضع المشير ورئيس الأركان تحت قيد الإقامة الجبرية، وقال: إن المشير طنطاوي والفريق عنان لهما كامل التقدير، وأن الرئيس مرسي أكد في الاحتفال بليلة القدر أن القرارات التي تم اتخاذها ليس مقصوداً منها أشخاص ولا مؤسسات، ولكن تجديد الدماء، وقال إن طنطاوي وعنان تم إبلاغهما بالقرارات الجديدة، السبت 11 من أغسطس قبل إعلانها.
كان كلام د.ياسر علي الذي صرح به في هذا الوقت يصطدم مع حقائق الأمور، فالقرارات كانت مفاجئة، وأستطيع أن أقول بكل ثقة: إن المشير ورئيس الأركان لم يكونا علي علم بهذه القرارات وأنهما فوجئا بوقائع ما جري.
لقد ترددت في هذا الوقت روايات عديدة، جميعها كاذبة، حول مواجهة الرئيس للمشير ورئيس الأركان بملفات عن الفساد أو تسجيلات عن انقلاب عسكري، كان يجري تدبيره ضد الرئيس، وهو ما دفع المجلس الأعلي للقوات المسلحة إلي إصدار نفي علي لسان 'أدمن' صفحته لما أذاعته قناة 'الحرة' الأمريكية في هذا الوقت من قيام مصدر في المخابرات الحربية بالتصريح بأكاذيب عن ملفات حساسة تخص المشير ورئيس الأركان جري تسليمها للرئاسة ومواجهتهما بها.
ونفي المصدر العسكري في هذا الوقت أنهما قيد الإجابة الجبرية، ووصف ما نشر وأذيع بأنه يأتي ضمن سلسلة المغالطات والأكاذيب التي لا تهدف إلا إلي زعزعة الاستقرار في مصر، وداخل القوات المسلحة، وأن المجلس الأعلي أكد أنه لا صحة مطلقاً لهذه الأكاذيب، وأن كلاً من المشير طنطاوي والفريق عنان يمارس حياته بصورة طبيعية، ويمارس وظيفته الجديدة التي كلف بها مستشاراً للرئيس.
ورداً علي انتشار الأكاذيب عن أن اكتشاف محاولة للانقلاب العسكري، كان هو السبب وراء قرارات الرئيس، قال 'أدمن' صفحة المجلس العسكري: 'إن المجلس العسكري أدي الأمانة وعبر بمصر إلي بر الأمان وسلمها إلي السلطة الشرعية التي انتخبها الشعب المصري، وأثبت أنه ليس طامعاً في سلطة ولا يسعي إلي منصب' رغم ما سماه بمزايدات الكثيرين، وقد آن الأوان ليستريح الفارس بعد عناء الرحلة!
في هذا الوقت، كان الناس مهتمين بالحديث عن وقائع ما جري، والاتهامات الكاذبة التي رددتها عناصر من جماعة الإخوان، وتناسي الكثيرون خطورة إلغاء الإعلان الدستوري المكمل وما يمكن أن يليه من قرارات.
ظل الجدل في الشارع مستمراً ولعب الإعلام وبعض قيادات جماعة الإخوان والنشطاء دوراً تحريضياً بحملة من الأكاذيب استهدفت المشير والفريق عنان تحديداً، إلا أن القوات المسلحة لم تشهد أي تحرك معادٍ لهذه القرارات، وكان لذلك أسباب متعددة أبرزها:
- أولاً: قبول المشير والفريق عنان والقادة الذين تمت إقالتهم لهذه القرارات، حرصاً علي استقرار البلاد ووحدة الجيش وإعلاء للمصلحة الوطنية علي حساب الموقف الذاتي.
- ثانياً: قبول الجيش بالتغييرات الجديدة، خصوصاً أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي والفريق صدقي صبحي يتمتعان بشعبية وقبول كبير داخل مختلف أوساط القوات المسلحة، باعتبارهما يمثلان الجيل الجديد الذي باتت القوات المسلحة في حاجة إليه ليكمل مسيرة العطاء للقادة السابقين، لا سيما أن المجلس العسكري مهد لهذه القرارات منذ مايو 2012.
- ثالثاً: التطورات التي تشهدها البلاد والتي تتطلب الحرص علي الاستقرار ورفض أي محاولات للانقسام، وهي عقيدة ثابتة لدي الجيش المصري الذي تحمل ضباطه وجنوده الكثير من الإهانات خلال الفترة الانتقالية وحتي عودتهم للثكنات.
لكل ذلك، لقي التغيير الجديد في قيادة الجيش حالة من القبول داخل أوساط القوات المسلحة، وإن كان هناك من رأي أن الطريقة التي تمت بها إقالة القادة كانت مهينة، ولا تعكس احتراماً للدور الذي قاموا به طيلة تاريخهم وتحديداً خلال فترة الثورة والفترة الانتقالية وصولاً إلي تسليم السلطة لرئيس منتخب.
ومنذ هذا الوقت، اختفي المشير ورئيس الأركان ورفضا الحديث عن وقائع ما جري، وإن كانت محاولات الاستفزاز والتهليل لانتصار الرئيس وإسقاطه لما سموه 'بالحكم العسكري' لم تتوقف.
إن السؤال الذي يطرح نفسه، هل كان المخطط أكبر من عزل المشير ورئيس الأركان وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، أم أن الأمر جري فقط بقصد الإمساك بكل خيوط اللعبة في يد رئيس الدولة؟
إن غالبية المحللين السياسيين الذين تابعوا الأحداث منذ وصول الرئيس مرسي تحديداً إلي سدة الحكم في البلاد، أدركوا أن المسألة لم تكن متعلقة بما تردد -دون سند- عن استرداد الرئيس صلاحياته التي اغتصبها المجلس العسكري، كما كانوا يقولون، وإنما الأمر كان متعلقاً بما هو أخطر: تغيير هوية الدولة المصرية وإعداد دستور يكرس لذلك، في غيبة المجلس العسكري، الذي كان يتمتع بمقتضي الإعلان المكمل بسلطات تمكنه من التصدي لأخونة الدستور وتغيير هوية الدولة.
كان بإمكان المشير أن يقول لا لإلغاء هذا الإعلان المكمل، لكنه لم يفعلها خوفاً من دخول البلاد في صراعات حاول تجنبها، لكنه بالقطع يشعر الآن بالندم عندما سمح للرئيس بتجاوز هذا الإعلان المكمل، خصوصاً أنه لم يكن بالقطع يعرف أن مصير البلاد أصبح علي المحك بفعل انفراد الرئيس بكل السلطات وتولي مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان مهمة تجاوز كل الثوابت والخطوط الحمراء وإثارة الانقسام والفوضي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.