جاءت العملية العسكرية التركية على شمال سوريا، وهى العملية التي بدأت في التاسع من أكتوبر الجارى لتشكل إضافة مزعجة للنزاعات والتطورات التي تعصف بالمنطقة، فلقد منحت تركيا لنفسها مشروعية غزو الدولة السورية تحقيقا للهدف الذى حددته ألا وهو طرد المسلحين الأكراد على طول المنطقة الحدودية. وحتى الآن فإن المعطيات تشير إلى أن تركيا قد تنجرف نحو التوسع في هذه الحرب التي لن تؤدى إلا إلى تصعيد أوار الأزمات في المنطقة لتخلف المزيد من الضحايا والخسائر الاقتصادية. فرضت تركيا ما تريده كأمر واقع، ووقف المجتمع الدولى عاجزا أمامها لا يملك وسيلة لوقف هجماتها على دولة ذات سيادة وعضو في الأممالمتحدة. وبذلك أثبتت الأزمة عقم التنظيمات الدولية حيث لم تتحرك الأممالمتحدة، كما أن الجامعة العربية لم يعد لها أي دور في توحيد الصف العربى أو في حل الأزمات العربية، فهى لا تملك غير أداة الشجب والاستنكار والادانة وهى عملة زائفة لا مردود لها على الاطلاق. لم يفاجىء أردوغان العالم بالجديد عندما غزا سوريا، فهو يتعامل كفصيل ارهابى على غرار داعش وعصابات النصرة وما يسمى يجيش سوريا الحر، وكلها جماعات دعمها أردوغان لوجستيا، وبالتالي لا ضرورة اليوم للف والدوران من قبل نظام أردوغان الذى حول دولته لتكون منطلقا لتحركات العناصر الإرهابية المختلفة ومكن عناصرها من العبور إلى سوريا الحبيبة في محاولة لاسقاط نظامها وتخريب بنيتها التحتية والهيمنة على مقدراتها. ولهذا ليس غريبا على أردوغان اليوم ما يفعله في سوريا، فلقد مهد ترامب الطريق له لاتمام غزو سوريا بعد أن بادر بسحب القوات الأمريكية من الشمال السورى، بالإضافة إلى أن الإرهاب الذى زرعه أردوغان في الأراضى السورية قد مهد الأرضية له لتفعيل هذا الغزو عبر ما سمى بالجيش السورى الحر وهو عميل للاستعمار، بالإضافة إلى إرهابيى النصرة وتنظيم داعش. قد يتساءل المرء لماذا بدا التباكى العربى اليوم على سوريا رغم أن كل المصائب التي ألمت بها كانت باسناد ودعم عربى جمد عضويتها في المنظمة العربية رغم أنها عضو رئيسى مؤسس لها؟. بيد أن سوريا صمدت وجابهت المؤامرات على مدى ثمان سنوات، فكان أن وقفت سوريا دولة الممانعة ضد أمريكا وضد التطبيع مع الصهاينة وضد أكبر حملة صليبية عبر حرب متعددة الأبعاد عسكرية وإعلامية وأيديولوجية سلطت عليها، وضد حملة تكلفت التريليونات كان هدفها القضاء على عصب محور المقاومة. صمدت سوريا واعتمدت الصبر الاستراتيجي لتحقيق أعظم انتصار عرفه التاريخ. ليت الأكراد السوريين اليوم يكونوا قد تعلموا الدرس من تجربتهم التي مروا بها بعد أن أدارت أمريكا ظهرها لهم وتركتهم فريسة للذئب التركى دون أي اعتبار سياسى أو انسانى. اليوم وفى محاولة انقاذ ما يمكن إنقاذه لم يجدوا ملاذا إلا باللجوء إلى الحكومة السورية والاحتكام إليها، وكان أن وافقت حكومة الرئيس بشار على ارسال جيشها إلى الحدود الشمالية لمحاولة وقف الهجوم التركى على الميليشيات الكردية، وتم الاتفاق على أن يدخل الجيش السورى لمؤازرة قوات سوريا الديموقراطية لصد عدوان تركيا الغاشم وتحرير الأراضى التي دخلها جيش أردوغان الارهابى. ولا شك بأن خطوة دعم الجيش العربى السورى للأكراد سيمهد الطريق لتحرير المدن السورية التي يحتلها الجيش التركى لا سيما في" عفرين" عندما أجبرت القوات التركية والفصائل السورية المسلحة المؤيدة لها المقاتلين الأكراد على الخروج من عفرين العام الماضى بعد عملية عسكرية استمرت شهرين.وبالتالى فإن الاتفاق بين الحكومة السورية والأكراد اليوم يعد تحولا كبيرا في التحالفات لصالح الأكراد بعد أن فقدوا الحماية العسكرية من جانب الأمريكيين.