المشير لم يكن راغبًا في السلطة .. رفض منصب نائب الرئيس ووعد بتسليمها إلي رئيس مدني منتخب .. وعندما أبلغ بقرار إقالته استجاب للأمر دون اعتراض طنطاوي قدم استقالة للرئيس بعد تسليم السلطة مباشرة ورشح السيسي وصدقي ومرسي طلب منه الاستمرار سؤال يتردد ..أين إشادات الرئيس بالمجلس العسكري وإخلاصه للوطن وللثورة وللمسئولية؟! لا أعرف معني هذه الهجمة السياسية والإعلامية علي جيشنا المصري العظيم، لقد صوره خلال الأيام الماضية وتحديدًا منذ قيام الرئيس بعزل المشير ورئيس الأركان وعدد من القادة بأنهم لم يكونوا سوي حفنة من 'الشياطين' الذين اغتصبوا الحكم وسيطروا علي مقدرات البلاد وعاثوا فيها الديكتاتورية والفساد. وكنت أظن أن الرئيس محمد مرسي سوف يتصدي لهذه الحملات الظالمة، وأن يقول كلمة حق في هؤلاء الرجال تنوء بحملها الجبال، إلا أنني فوجئت بالرئيس يعتبر أن ما جري في 12 أغسطس هو واحد من أهم إنجازاته، لأنه أنهي حكم من يسمونهم 'بالعسكر' والذي استمر لأكثر من 60 عامًا. لقد تعدت هذه الحملة كل الحدود، وتحول المنافقون من رجال الصحافة والإعلام إلي أبواق تردح وتتعمد الإساءة لقادة جيش مصر العظيم وتنذرهم وتتوعدهم بأيام سوداء سوف يلقون فيها مصير الرئيس السابق حسني مبارك. وفي مقابل ذلك راحوا يهللون للخطوة الجبارة والانتصار الساحق للرئيس في غزوة 12 أغسطس التي اسقط خلالها وبضربة واحدة حكم من يمتلكون الدبابات والطائرات والأسلحة الفتاكة. وراح البعض يشدو ويتغني بذكاء الرئيس وقوته وهيبته التي أجبرت هؤلاء 'الجبابرة' علي أن يرضخوا وينصاعوا، ولولا خجل البعض منهم لشبه ما جري بقرار حرب أكتوبر 1973. لقد تحول المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وأعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة بين يوم وليلة إلي متهمين يتوجب محاكمتهم وتجريسهم وفضحهم حتي أن بعض الصحف راح يتحدث كيف جرت إقالة زوجة المشير من وزارة الكهرباء، وكيف تم إبعاد زوجة الفريق سامي عنان من الضرائب، ولا أحد يدري قد يمتد الأمر إلي الأبناء والأشقاء والأقارب. لقد بدأنا نسمع حكايات وادعاءات ومنع من السفر ومراقبة للتحركات وكأننا أمام أناس تآمروا علي نظام الحكم وحاولوا السيطرة علي السلطة في البلاد لحساب مصالحهم وعشقهم للسلطة والهيمنة علي مقادير البلاد. ماذا حدث؟ .. لم يمض سوي نحو اثنين وأربعين يومًا علي تسلم الرئيس للسلطة، فإذا بالأوضاع تنقلب رأسًا علي عقب بعد الثاني عشر من أغسطس. هل يتذكر الناس ماذا قال الرئيس يوم 30 يونيو، عندما تسلم السلطة من المجلس العسكري في احتفال مهيب بمنطقة الهايكستب العسكرية. لقد قال الرئيس مخاطبًا المشير وقادة الجيش 'أنتم إخواني، أنتم أبنائي، أنتم ملء القلب، أشهد بالكثير من لم يعرفه الناس، أنكم كنتم دائمًا عند حسن ظن شعبكم بكم، أشهد بأنكم كنتم دائمًا تقدرون المسئولية، أشهد أنكم كنتم دائمًا الرجال الذين يعتمد عليهم رغم صعوبة الطريق ووعورته، أشهد لكم أمام الله وأمام الشعب ما حييت، وبعد ذلك أمام ربي في لقاء نسير إليه جميعًا، أنكم تحبون وطنكم، وأنكم تحرصون علي تحقيق مصلحته وأنكم تعلون من شأنه!! وفي 12 يونيو وقبيل أن يفوز الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة، وقبيل إجراء انتخابات الإعادة بأربعة أيام فقط أشاد في حديث لبرنامج 90 دقيقة علي قناة المحور بدور المجلس العسكري والمشير حسين طنطاوي في إدارة المرحلة الانتقالية مؤكدًا اعتزامه تجديد الثقة في المشير طنطاوي في حال فوزه بالرئاسة والإبقاء عليه كوزير للدفاع .. وقال 'إن المشير طنطاوي والمجلس العسكري قاموا بدور متميز في إدارة شئون البلاد وأخذوا بآراء الأحزاب في أكثر الأحيان، وإن المشير هو الأقدر علي تولي منصب وزير الدفاع في المرحلة القادمة'، وقال 'إنه يعلم ان أعضاء المجلس العسكري يحبون مصر الثورة، وأنهم غير راضين عن الأوضاع السيئة التي مرت بها البلاد' .. وقال 'يكفي أنهم وضعوا قائدهم مبارك في كماشة لم يستطع الهرب منها ثم قدموه للمحاكمة'. هذا قليل من كثير، إشادات متعددة بدور المشير والمجلس العسكري في حماية الثورة وتحمل عبء المسئولية في المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات نزيهة لأول مرة في مصر منذ زمن طويل. يعرف الجميع أن المشير طنطاوي رفض يوم 29 يناير عرض الرئيس مبارك بأن يتولي منصب نائب رئيس الجمهورية، ويدرك الكافة أن الرجل لم يكن يريد السلطة أو يسعي إليها، وأنه حمل هو وزملاؤه منذ اليوم الأول أرواحهم علي أكفهم ووقفوا إلي جوار ثورة الشعب ورفضوا الانحياز للرئيس السابق ونظامه. كان المشير يدرك أنها مغامرة قد تفضي إلي إعدامه وزملائه، لكنه صمم علي موقفه وقال: 'إن الشرعية هي شرعية الشعب وليست شرعية الحكم الذي فقد صلاحيته' .. أصدر البيان في الأول من نوفمبر الذي أعلن فيه تفهم القوات المسلحة للمطالب المشروعة للمتظاهرين وأكد أن جيش مصر لن يستخدم العنف أبدًا ضد المتظاهرين. كان هذا البيان يعني انقلابًا علي نظام مبارك وحماية للمتظاهرين من أية قوي غاشمة يمكن أن تحاول النيل منهم، وعندما تلكأ الرئيس في تسليم السلطة اجتمع المجلس الأعلي يوم الخميس 10 فبراير ليقدم إنذاره الأخير والذي تمخض في نهاية الأمر عن تنحي مبارك عن الحكم. وفي يوم الثالث عشر من فبراير .. أي بعد يومين فقط من تنحي مبارك .. صدر الإعلان الدستوري الأول الذي أكد فيه الجيش عزمه تسليم السلطة إلي إدارة 'مدنية' منتخبة خلال ستة أشهر. كانت كلمة إدارة 'مدنية' غريبة علي الناس، لكنها كانت تعني ان الجيش غير راغب في الاستمرار في السلطة، وانه لن يسمح لأي من أعضائه وقياداته بالترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة. كان المشير مصممًا علي إجراء انتخابات ديمقراطية ونزيهة، رفض كافة محاولات التحريض، قال إن الجيش يقف علي مسافة واحدة من الجميع، ولامه الكثيرون أنه ترك الإخوان يعبثون كيفما يشاءون، لكنه قال أنا لن أتدخل أبدًا، الشعب هو صاحب القرار. ظل المشير حتي اليوم الأخير، يرفض محاولات استفزازه لتدخل الجيش، التزم الحياد، وكان مثاليًا إلي درجة ان الكثيرين حملوه مسئولية فتح الطريق أمام الإخوان للسيطرة والهيمنة وحدهم علي شئون البلاد، لكنه ظل عند موقفه حتي اللحظة الأخيرة. لم يتأمر علي أحد، وكان بيده أن يفعل الكثير، لم يسع إلي تزوير الانتخابات، ولم يحاول أن يفرض قوانين وإجراءات تحد من صعود التيار الإسلامي، وربما ذلك أفقده كثيرا من تعاطف الرافضين لهيمنة هذا التيار، واتهموه بأنه عقد صفقة مع الإخوان المسلمين لضمان الخروج الآمن. وفي 30 يونيو الماضي كان المشير جادا وأثبت مصداقيته في تسليم السلطة للرئيس المنتخب، ويومها طلب من رئيس الجمهورية أن يسمح له بتقديم استقالته بعد أن أدي دوره ورشح له في هذا الوقت اللواء عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية لتولي منصب وزير الدفاع وأيضا اللواء صدقي صبحي قائد الجيش الثالث لتولي منصب رئيس الأركان ، لكن الرئيس طلب منه الاستمرار. وتوالت الأزمات والمشاكل المكتومة، إلا أن المشير ظل وفيا للقسم حتي اللحظة الأخيرة، كثيرون كانوا يقولون له سوف يطيح الرئيس بك وبنا، لكنه كان يرفض كل محاولات التحريض ويقول لهم لن أسمح بأي خروج علي الشرعية، إنه الرئيس المنتخب، وعلينا أن نسلم السلطة كاملة بعد انتخاب مجلس الشعب الذي حكمت المحكمة الدستورية بحله. وحتي يوم أن أعاد الرئيس مجلس الشعب الباطل رفض المشير أية محاولة للانقلاب علي السلطة وكانت الحجة بيده في هذا الوقت، والبعض قالوا لهإن الرئيس خرج علي الشرعية بإعلان رفضه لحكم المحكمة الدستورية، إلا أنه قال أن الأمر يخص المحكمة الدستورية وهي كفيلة بتنفيذ حكمها، لقد سلم الجيش السلطة التشريعية ؟؟ بمجرد انتخابه يوم 23 يناير وسلم السلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية في الموعد المحدد 30 يونيو، وعادت السلطة التشريعية إلي المجلس العسكري بوصفه الهيئة التأسيسية انتظارا لاعادتها مرة أخري حال انتخاب مجلس الشعب بعد قرار حله. وفي كل هذه الأمور لم يكن هناك ما يشير إلي عزم المجلس الأعلي اغتصاب السلطة أو الاستمرار في قيادة شئون البلاد، فقد كان المجلس الأعلي عازفاً عنها ومقرا بنتائج الانتخابات الرئاسية رغم معرفته بأن الرئيس قد يطيح بالجميع فجأة ودون انذار!! ويوم أن استدعي المشير والفريق عنان إلي رئاسة الجمهورية بزعم مناقشة ميزانية الجيش، كان الرئيس قد أعد العدة للإطاحة بهما، ألغي الإعلان الدستوري المكمل ونشر اعلانا مصححا بالجريدة الرسمية يوم 11 أغسطس، واستدعي اللواء عبدالفتاح السيسي واللواء صدقي صبحي وأديا القسم أمامه بعد أن كان قد أمر بترقيتهما.. أطاح بالإعلان الدستوري المكمل دون أن تكون له سلطة علي ذلك وعندما أبلغ المشير ورئيس الأركان، وبعد جدل بسيط انصاعا للأمر، وكان بإمكانهما الاعتراض والاحتجاج، لكنهما قبلا بالأمر الواقع وانصاعا لقرار الرئيس رغم أن الإعلان الدستوري المكمل يعطي المجلس العسكري الحق وحده في تغيير أو إبقاء أية قيادة عسكرية. صحيح أن الفريق أول عبدالفتاح السيسي والفريق صدقي صبحي كانا من ترشيح المشير، إلا أن الطريقة التي خرج بها المشير ورئيس الأركان كانت طريقة مهينة، ومع ذلك التزما الصمت، رغم حالة السخط التي عمت البلاد ضدهما في هذا الوقت بسبب ما جري.. إن الجيش لم يكن راغبا في السلطة، حتي نسمي ما جري بأنه انتصار علي حكم الجيش، لم تكن هناك معركة من الأساس، والمشير كان قد تقدم باستقالته والرئيس هو الذي رفضها.. الجيش أعلن منذ يوم 13 فبراير 2011 أنه سيسلم السلطة لإدارة مدنية منتخبة، وهذا يؤكد أنه لم يكن أبداً طامعاً في سلطة. ياسادة جيش مصر العظيم، حقق في الفترات التي حكم فيها مصر إنجازات كبري وتحديدا في فترة حكم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، كما أن الجيش حمي مصر من الانزلاق إلي بحور من الدماء وانتصر لثورة 25 يناير.. إن أحدا لا ينكر وجود أخطاء أو ارتباك أو تردد في اتخاذ قرارات كان يتوجب اتخاذها، لكن ذلك لم يكن أبداً بهدف تخريب الوطن أو الاستئثار بالسلطة، لكل ذلك علينا أن نتوقف عن الاهانات والادعاءات والأكاذيب. جيشنا العظيم أسمي من كل هؤلاء الذين بعد أن ظلوا يوجهون إليه الاهانات علي مدي أكثر من عام ونصف العام، جاءوا الآن وكأنهم يحرضون علي الثأر من الذين دافعوا عن الوطن وتصدوا للمخاطر وكان يمكن أن يدفعوا أرواحهم ثمنا لمواقفهم. يكفي جيشنا العظيم أنه حمي مصر، وأجري انتخابات حرة وكان صادقا في تسليمه للسلطة، قد لا تعجبنا محصلة النتائج، وقد يشعر الكثيرون بحالة إحباط، ولكن كل ذلك لا يعني أن تتوه الحقائق، وأن تضيع المواقف في غمرة الروايات الكاذبة والادعاءات الزائفة.