من حقك أن تتكلم، ولكن إياك أن تختلف أو تعترض، هنا ستخرج علي طاعة الحاكم، ويصبح السجن أو القتل مصيرك؛ لأنك بذلك تضع نفسك ضمن زمرة الزنادقة والكافرين، الذين يعترضون علي تطبيق الشريعة وحكم الله! ليس مهماً أن تعلن براءتك، وليس مهماً أن تؤكد علي ثوابتك، لقد صدر الحكم ضدك والسلام، وليس أمامك من خيار سوي أن تطلب التوبة من الحاكم أو أحد أتباعه، وما أكثرهم، ربما يستجيب لك ويمنحك فرصة أخيرة.. ! حالة من الهوس تجتاح المجتمع، فتاوي تصدر بإهدار الدماء، حق الاختلاف لم يعد وارداً، ليس أمامك سوي السمع والطاعة، امنح عقلك إجازة إجبارية، وتأمل المشهد في هدوء، وإياك أن تدلي بدلوك ربما تفهم كلماتك علي غير مقصدها، فتدفع الثمن غالياً، وربما تذهب إلي غير رجعة! منذ أيام صدرت فتوي بإهدار دم كل من سيشارك في مظاهرات 24 أغسطس، كان رد الفعل هيناً وبطيئاً، بعدها صدرت فتاوي بالذبح والقتل؟؟؟، ثم انطلقت أصوات من علي منابر المساجد تنذر وتحذر كل من يعارض الرئيس محمد مرسي، لأنه بذلك يخرج علي طاعة الحاكم، أي أنه يعد واحداً من الخوارج، وعقابه هو القتل، لأنه العقاب الرادع، لمن يثيرون الفتنة بين المسلمين! أسابيع قليلة وبدأت الحرب ضد كل من يدلي برأي مخالف، المصادرة كما حدث مع جريدة 'الدستور' والإغلاق كما حدث مع قناة 'الفراعين' والقوائم السوداء لمنع المعارضين كما يحدث الآن في 'تليفزيون الدولة'، وأخونة الصحافة وإرهاب الإعلاميين، ثم التهديد والوعيد، بالذبح والقتل لكل المخالفين. لا تسألني عن دستور، فقد ألغي رئيس الدولة الإعلان الدستوري المكمل بجرة قلم، إنه الإعلان الدستوري الذي أقسم علي حمايته، بل والأخطر من ذلك أنه اغتصب أيضاً سلطة التشريع، وأصبح لأول مرة منذ عقود طويلة من الزمن لدينا حاكم واحد يمسك بسلطتي التشريع والتنفيذ، لكي يذهب مبدأ الفصل بين السلطات إلي الجحيم، ولتحيا الديكتاتورية في زمن الثورة والتحرير. لقد تمكنوا من الدولة والعباد، وأصبح بيدهم كل شيء، لقد جاءت إليهم الفرصة، فاغتنموها وبدأوا حرب الإطاحة بالجميع، ظهرت قسوتهم، وبأسهم الشديد، كانوا يعيبون علي النظام السابق استهانته بالقوانين وأحكام القضاء، لكنهم ضربوا الرقم السياسي في أسابيع معدودة! كانوا يقولون إن 'نظام الفساد والاستبداد' كان يقصي المعارضين ويطلق أبواقه، ويلفق الاتهامات، ويهدد ويتوعد، فإذا بهم أساتذة في ذلك، لقد قرروا القضاء علي معارضيهم والتشهير بهم، وإطلاق الأبواق المسمومة ضدهم، وتهديدهم لإجبارهم علي الخنوع أو الرحيل! في أسابيع قليلة نجحوا في أن يقلبوا الدنيا رأساً علي عقب، مقالات وانتقادات تنطلق من الخارج، تشبه مصر بالاتحاد السوفيتي في زمن 'ستالين'، حيث الأسوار الحديدية والخوف وتفتيش النوايا والعقول، صحف في وزن 'الجارديان' و'النيويورك تايمز' و'الوول ستريت جورنال' و'النيوزويك' وغيرها جميعها تحذر وتنذر من خطورة ما تشهده مصر الآن، حيث يتجسد حكم الفرد في أسمي معانيه، وحيث إرهاب المعارضين، وتفصيل القوانين والدستور لحساب تيار واحد ووحيد. أما في الداخل فحدث ولا حرج، يكفي القول إن العديد من حلفاء الأمس، بدأوا يراجعون مواقفهم، بعد أن أدركوا أن رئيس الجمهورية لم يعد رئيساً لكل المصريين كما وعد، وأن قراراته ومواقفه تصب لمصلحة حزبه وجماعته، وأن ما يجري الآن هو تهيئة الأجواء لحكم أبدي يصبح فيه 'الإخوان' هم أصحاب الكلمة وحدهم، وغيرهم يعدون من الخوارج والمارقين! لقد بدأت حرب 'التصفيات' مبكرة، فاشتعلت المواقف، وساعد علي ذلك جوقة من الحواريين الذين راحوا يتحدثون باسم الرئيس ويصدرون الأحكام والفتاوي ويقطعون الطرق ويوجهون الإهانات ويتوعدون بأيام سوداء لكل المعارضين، وقرروا أن يبدأوا بالإعلاميين والصحفيين، ومن بعدهم كل من سيقرر ترشيح نفسه للبرلمان أو الرئاسة، في زمن قريب، وهلم جراً.. حقاً إنها 'جمهورية الخوف'.. حيث تقمع فيها الآراء والأفكار، ويهدر فيها القانون والدستور وأحكام القضاء، وتتحول 'الدولة' كلها إلي 'أداة' يجري استغلالها في مواجهة المخالفين والمعارضين. إنه 'الانتقام' العظيم من الجميع بلا استثناء، حيث يصبح كل شيء مستباحاً، الموت، والقتل، والتلفيق، والترهيب، والمصادرة والإغلاق، والإبداع في الترصد والاستحواذ علي كل شيء.. وبعدها يهتفون في الميادين والشوارع: 'ثوار، أحرار. هنكمل المشوار'!