كثر الحديث في الأيام الماضية عن اقتراب موعد نهاية العالم ويوم القيامة، وتحدث الكثيرون عن ظهور علامة جديدة من علامات اقتراب الساعة، وسادت حالة من الجدل الشارع المصرى بعد أن تداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعى صورًا تُظهر القمر فى طور البدر المكتمل يوم الثانى عشرمن شهر رمضان، بينما نفى رجال الإفتاء وعلماء الفلك صحة ما تم تداوله حول اكتمال القمر فى ليلة الثانى عشر من رمضان، لأنه فى حالة الاكتمال تكون نسبة إضاءة القمر 100% إلا أن دار الإفتاء ومعهد البحوث الفلكية رصدا إضاءة القمر ليلة الثانى عشر من رمضان فكانت 96% فقط، أنها تصل فى ليلة الثالث عشر إلى 98% وتكون الإضاءة مكتملة 100% فى ليلة الرابع عشر. وتناثرت الأحاديث حول العلامات الصغرى لقيام الساعة والتي ظهرت جميعها، ومنها على سبيل المثال: أن يمر الناس أمام المساجد ولا يدخلونها للصلاة، أن يكثر الهرج أي القتل، أن تكتمل الأهلة في غير موعدها، ضياع الأمانة ورفعها من القلوب، تسليم الخاصة، أي أن الأشخاص لا يلقون السلام إلا على من يعرفونهم، سيطرة بعض التجار على السوق، واحتكار البضائع، شهادة الزور، أي أنْ يكذب الإنسان في شهادته، كتمان شهادة الحق، أي السكوت عن الحقيقة، ظهور الجهل، كثرة الشُّح والبُخل، تعلم العلم لغير الله، أي إنَّ طلاب العلم يهدفون بعلمهم أموراً دنيوية لا مرضاة الله تعالى وثوابه. قطيعةُ الرَّحم، سوء الجوار، ظهور الفحش، أي التساهل باللباس، والعري، والألفاظ الفاحشة، تخوين الأمين، وائتمان الخائن، أي موت أشراف الناس وعقلائهم وظهور جهّال الناس، عدم المبالاة بمصدر المال من حرام أم من حلال. وحسب ما ورد في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية فإنَّ موعد قيام الساعة مجهولٌ ولا يعلمُ به أحد، رغم وجود مجموعةٌ من العلامات والأشراط والدلالات التي تَدل على قرب وقوع هذا اليوم، علامات صغرى وعلامات كبرى، منها ما حدثَ بالفعل ومنها ما يحدث الآن، وبعضها لَم يحصل بعد. وإذا قرأنا جيدًا بعض هذه العلامات التي تم الحديث عنها، فمن من الناس الآن يحرص على صلاته وعلى دخول مسجد مر من أمامه، ألم يعد القتل مشهدًا يوميًا يجري على مرأى ومسمع من العالم كله، ألم يعد أسهل شيء الآن القتل في أي خلاف يحدث وعلى أتفه الأسباب؟ تذكر حالك وأنت تمر على أناس لا تعرفهم، هل تلقي عليهم السلام؟ ألم تضيع الأمانة من قلوبنا فعلاً، هل نحن صادقين مع أنفسنا أو مع غيرنا؟ أظن أنه بنظرة موضوعية وحيادية ستكون الإجابة ليست في صالحنا بالتأكيد، فلم نعد نهتم بمصدر المال ما غذا كان حلالاً أم حرامًا، ما يهمنا للأسف هو هل سنستفيد من هذا المال أم لا؟ وغير هذه الدلائل والعلامات ستجدنا نعيشها بالفعل، فقليلون جدًا اليوم من يحرصون على صلة الأرحام، ومن ينطقون بالحق، ويصدقون القول، نحن الآن في أمس الحاجة ليس للبحث عن موعد اقتراب الساعة، بل أسباب اقترابها وإلى أي مدى نساهم في ذلك، بنظرة سريعة على بعض هذه العلامات التي لم يتم ذكرها جميعًا بل انتقيت منها بعض ما جاء فيها لنضرب مثلاً ونقارنه بما يحدث اليوم حقًا، ونسأل أنفسنا ألسنا نحن من نساهم بسلوكنا وتصرفاتنا في الإسراع بموعد «قيام القيامة»؟ وبعد هذا الجدل الكبير الذي دار حول اكتمال القمر قبل موعده وأن هذا يعد إحدى علامات الساعة التي تحققت، أقول أننا نشغل أنفسنا كثيرًا بما ليس في أيدينا بينما نترك ما يمكننا تغييره للأفضل، علينا أن نستعيد صدقنا مهما كلفنا الأمر من خسارة قد نراها لمصلحة أو خوف قد يمسنا، فلا خوف يفوق خوف خزي يوم القيامة، والعياذ بالله، علينا أن نهتم بمصدر المال إذا تعاملنا به، ألا نستحل حرامًا فنأكل جمرًا ونطعم أبناءنا نارًا، ونحلل ونبرر بأن «كل الناس عايشة كدا» أو بضيق الرزق والحاجة، علينا أن نعود أنفسنا ونعلم أبناءنا على كل ما هو راق ونبيل وجميل، لا أن «نستسهل» القبيح والرديء وسوء الخلق، معظم ما ذكر عن علامات الساعة الصغرى نحن من صنعناه ونحن من نستطيع تغييره للأفضل إذا ما أردنا أن ننهض بأنفسنا ووطننا، نهاية العالم بحق حين تزول الرحمة من قلوبنا، ويكثر الظلم، وتغيب الأخلاقيات، ونسمح للجهل أن ينتشر بل ونروج له وندعمه أحيانًا بالصمت عنه تارة، وبالتواطؤ والتصفيق له تارة أخرى. نهاية العالم يا سادة نحن من نصنعها، فإذا كان كل هذا الخوف من قيام الساعة فعلينا أن نتق الله في أنفسنا وديننا ودنيانا، فقط بأن ننشر الخير بين البشر.