كل زمان تظهر فيه موضة تأخذ وقتها وتختفى بمرور الزمن، وتعبر كل موضة عن طبيعة الزمن الذى ظهرت فيه، فمثلاً فى فترة الأربعينيات ظهرت موضة البنطلون المرفوع للرجال حتى الصدر، وكان الرجال فى هذه الفترة يتميزون بالتحفظ والالتزام إلى حد بعيد، وفى فترة السبعينيات طلعت موضة الشعر الطويل المنكوش للشباب، والبنطلون «الشارلستون» بالأرجل الواسعة والألوان الزاهية زى البينك والبرتقالى والبنفسجى والنبيتى، وكانت فترة تحرر وانفتاح كما كان يطلق عليها. ومع بداية فترة الثمانينيات بدأ البنطلون الجينز فى الظهور على الساحة، وهى موضة «الكاو بوي» أو راعى البقر، وهى موضة مستوحاة من أمريكا وظلت تنتشر حتى غزت العالم كله، وتعددت أشكال وأنواع الجينز لكنها ظلت تحافظ على مظاهر الرجولة، إلا أننا فى السنوات الأخيرة شاهدنا الكثير من الشباب يرتدى أشياء غريبة تجعلنا لا نعرف هذا الكائن الغريب الذى يمشى أمامنا فى الشارع رجل أم امرأة أم جنس ثالث! ذلك بدءًا من القميص أبو ترتر المزركش بالألوان الأحمر والبينك والفوشيا، ومرورًا بالبنطلون الممزق من كل مكان والذى يرتديه الشباب من الجنسين «أولاد وبنات» فيبدو من يرتديه وكأنه مثل ال «هيبز» وطبعًا ليس انتهاءً بالبنطلون الضيق الذى يقبض على الجسم كما لو كان «ملزوق بغره» المسمى ب «الاسكينى» والذى يكون ضيقًا جداً يحدد شكل الأرجل، وبعدما كان يرفع البنطلون إلى منطقة البطن كما كان يرتديه أنور وجدى وحسين صدقى وفؤاد المهندس، أصبح يرفع بشكل لا يلمس البطن أصلاً، بل إنك حين تراه تشعر وكأنك بحاجة لأن تغيث صاحبه «وكأنك عاوز تلحق تستره قبل بنطلونه ما يقع» وأتعجب كيف يظل البنطلون معلقًا فى هذه المنطقة فلا هو يقع ولا هو يحترم نفسه ومجتمعه ويصعد إلى حيث مكانه البديهى ساترًا ومحافظًا على عورة صاحبه! وقد ظهرت هذا العام فهناك موضة «بلوزة السويت شيرت» ومحدش يسألنى يعنى إيه راجل يلبس بلوزة لإنى الصراحة مش هقدر أجاوب. وقد تنوّعت «بلوزة السويت شيرت» من ناحية تصاميمها حيث ظهرت منها الموديلات مع قبعة أودونها، كما أن من هذه «البلوزات الرجالي» تلك المزينة بالرسومات الغريبة ذات الدلالات السياسية أو الدينية كتلك التى تعبر عن الماركسية أو الماسونية، أو هذه التى كتبت عليها النكات الوقحة، وأيضًا العبارات ذات الدلالات القبيحة الفجة ومنها عبارات تدعو إلى الشذوذ! والغريب أن هذه الموضات تنتشر كالفيروس فى مجتمعنا وبين شبابنا منذ سنوات دون رقيب على الأسواق، أما من ينتقدها فيصبح متخلفًا ورجعيًا ولا يفقه شيئًا عن الموضة وتطورها، والأسوأ أننا صرنا من تشوه لتشوه أكثر وكأن هناك من يتعمد غرس هذا القبح فى الشكل والمضمون فى أرض مجتمعنا وتمريره كالنار فى الهشيم بين شبابنا، لدرجة أنك ترى الشاب من أصحاب هذه الموضات وقد صاروا أغلبية للأسف ومنهم من يعمل فى وظائف محترمة وينشأ فى أسرة طيبة لا تتناسب إطلاقًا مع هذا الشكل بالمرة. ولمن لا يدرك خطورة هذا التشوه الحاصل فى مجتمعنا بل والمتعمد على مدى عقود طويلة نود أن نلفت الانتباه لأمر هام، ففى فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات كانت مصر فى أوج أناقتها ورقيها، ونافست العالم فى «شياكة وذوق» شعبها، وكانت الفتيات حتى من الطبقات البسيطة يرتدين الفساتين البسيطة ذات الذوق الرفيع فتبدون كما لو كن ملكات وأميرات متوجات على العرش، وكان الشباب «يحتشمون» فى ملابسهم الخشنة التى تدل على الرجولة والاحترام وما تحويه هذه الملابس من قيم وأخلاق تعكس معنى الرجولة بالنسبة للرجال، وتعبر عن المعنى الحقيقى للأنوثة بالنسبة للفتيات ونساء هذا العصر، الأمر الذى جعل ثروت أباظة ينتقد مغازلة شاب قال لفتاة «بنسوار يا هانم» على محطة الأتوبيس واتهمه بالوقاجة.. يا ختااااى مشفش اللى بيحصل دلوقت!! حينما صار هناك جنس ثالث ينتشر ويتمدد بيننا، فلا الرجل الذى يسمح لنفسه بارتداء هذه الملابس يحمل معانى الرجولة الحقيقية، ولا الفتيات اللاتى صرن يتشبهن بالرجال فى ملابسهم الخشنة وتصرفاتهن الفجة صرن نساء بما تحمله الكلمة من معانى الأنوثة، فعلى الرغم من أن الكثير من الفتيات يرتدين الحجاب أو الخمار إلا أنهن تعلو أصواتهن فى عربات المترو والشوارع وعلى المقاهى «مع الشيشة» وهن يمزحن بالصراخ وأحيانًا بضرب بعضهن بعضًا دون الاعتبار لشياكة أو أناقة أو خلق فى طريقة التعامل خارج البيت وبين العامة فى الشارع، كما ترى الكثير من الشباب الذين يرتدون «بلوزة السويت شيرت» أو التى شيرت المزركش بالترتر والبنطال «الساقط» هم من يتحرشون فى الشوارع بدلاً من أن يكونوا هم حائط الصد لهذا البلد وبناته وعرضه، فهل هؤلاء الفتيات يومًا يصرن أمهات تستطيع أن تنجب وتربى رجالاً حقيقيين لهذا الوطن؟ هل هؤلاء الشباب الذين فقدوا بوصلة معايير الأخلاق والذوق والاحترام هم المنوط بهم أن يحملوا سلاحًا ويقفوا ليدافعوا عنا على الحدود أمام أعداء الوطن؟ «الله يرحمك يا أستاذ ثروت، كان الرجل من دول صحيح يقول «بنسوار يا هانم» بس كان أسد يحمى بنت حتته ويدافع عنها بكل شهامة». نحن فى حالة حرب حقيقية ليست على الإرهاب فقط، وليس من أعداء يتحفزون لنا من الخارج يتحينون الفرصة للانقضاض على بلادنا، فقط، وإنما، نحن فى حالة حرب مدروسة ومتعمدة وممنهجة تغتال فينا الذوق والجمال والأناقة التى تميز بها زمن الإبداع الذى كان فيه عمالقة الفن والأدب والعلم والثقافة، فصار عدوًا بيننا يقتل فينا الجمال ويغرس القبح والتشوه فى أبسط تفاصيلنا اليومية ليغتال الإبداع والرقى فى مجتمعنا ليخرج لنا أجيال مشوهة تختلط لديها مفاهيم الحرية ومعانى الموضة على طبيعتنا الإنسانية التى فطرنا الله عليها، ليعيش بيننا جنس ثالث يدرك من أتقن صنعه مدى خطورته على وطننا، فمن يتقى الله فينا، وفى بلادنا؟