مجلس الوزراء: تحريك الأسعار ليس تنصلا من دعم المواطنين    بلينكن: أمريكا سوف تتكيف مع تحرك أوكرانيا لشن ضربات داخل روسيا    بولندا توقف متهمين بإشعال حرائق لصالح روسيا    الصليب الأحمر: إنقاذ 67 مهاجرًا في المتوسط خلال 24 ساعة    البيت الأبيض يعترف بانخراطه في "صيغة السلام" التي تروج لها كييف    ياسين بونو أفضل حارس في الدوري السعودي    المنتخب يخوض مرانه الأول استعدادا لمواجهة بوركينا فاسو في تصفيات المونديال    مصرع شخصين وإصابة آخر إثر انهيار خط الصرف الصحي بالشيخ زويد    الأرصاد: طقس الخميس حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 31    مصرع ربة منزل صعقا بالكهرباء داخل منزلها في كوم أمبو    نقيب الإعلاميين: قناة القاهرة الإخبارية فرضت تواجدها وسط كبريات القنوات العربية والدولية    تفاصيل مؤتمر الكشف عن مشروع رقمية ذكريات الفنانين بالذكاء الاصطناعي| صور    مدير مستشفيات بنى سويف الجامعي: استقبال 60 ألف مريض خلال 4 أشهر    أزمة جديدة في حراسة مرمى مدريد بعد إصابة لونين    البيت الأبيض: إسرائيل لم تنفذ أي عملية واسعة في رفح الفلسطينية    عدوية شعبان عبد الرحيم: رضا البحراوي شايف نفسه نجم وبيتنطط عليا    نفاد تذاكر حفل عمرو دياب في بيروت بعد طرحها بساعة (تفاصيل)    تأجيل محاكمة متهم في قضية أحداث اقتحام قسم كرداسة لجلسة 29 يونيو    رئيس جامعة كفر الشيخ: قافلة طبية وتوعوية لقرية برج مغيزل ضمن حياة كريمة    بدء حملة لمكافحة القوارض عقب حصاد المحاصيل الشتوية في شمال سيناء    واجبات العمرة والميقات الزماني والمكاني.. أحكام مهمة يوضحها علي جمعة    موعد صرف معاشات شهر يونيو 2024 مع الزيادة الجديدة    الأكاديمية المهنية للمعلمين تعقد ورشة عمل إقليمية بعنوان "استكشاف آفاق المستقبل"    قيادى بالوفد يكشف مصير المذكرة المقدمة ضد حمدي قوطة لرئيس الحزب    القوات المسلحة تنظم مؤتمر الروماتيزم والمناعة بالمجمع الطبي بالإسكندرية    ما هو اسم الله الأعظم؟.. أسامة قابيل يجيب (فيديو)    طريقة زراعة الأرز.. مباشر من غيطان كفر الشيخ.. فيديو وصور    معدل التضخم يرتفع مجددا في ألمانيا    فيلم "تاني تاني" يحقق إيرادات ضئيلة في الأسبوع الأول من عرضه    هانز فليك.. هل أنت مستعد لتغيير الحمض النووي لبرشلونة؟    محافظ شمال سيناء يستقبل مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر (صور)    فيلم الحَرَش لفراس الطيبة يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان روتردام للفيلم العربي    انعقاد الملتقى الفقهي الخامس بحضور وكيل الأزهر    رسميًا موعد عطلة عيد الأضحى بالسعودية 2024 وعدد أيام الإجازة    مواعيد عيد الأضحى 2024: تفاصيل الإجازات والاحتفالات    رئيس جامعة المنوفية يعلن اعتماد 5 برامج بكلية الهندسة    جامعة بني سويف تكرم الطلاب الفائزين في مهرجان إبداع 12    وزير إسرائيلي: تحقيق الاستقرار في رفح قد يستغرق 5 سنوات    «الطلاب فقدوا وعيهم بسبب الحر».. درجات الحرارة تتخطى 52 في هذه المدينة    زعماء المعارضة الإسرائيلية يتفقون على خطوات لتبديل حكومة «نتنياهو»    الفرق بين التكلفة الفعلية والنمطية لتوصيل التغذية الكهربائية    حبس المتهم بالشروع في قتل عامل ديلفري بالعياط 4 أيام    قبل الانطلاق في رحلتك.. اعرف مستلزمات الحج للرجال والنساء    قرار جديد من اتحاد الكرة بشأن تحصيل بدلات الحكام من الأندية    تأييد قرار النائب العام بالتحفظ على أموال «سفاح التجمع»    البابا تواضروس الثاني يستقبل وفدا وزاريا فلسطينيا    شوبير يشن هجومًا لاذعًا على الحكم الدولي جهاد جريشة: ذاكر القانون كويس بعد إذنك    هيئة الدواء: تسعيرة الدواء الجبرية تخضع لآليات محددة ويتم تسعير كل صنف بشكل منفرد بناء على طلب الشركة المنتجة    مواجهة مرتقبة تجمع الأهلي وأهلي جدة في أكتوبر وديًا    مساعد وزيرة الهجرة يستعرض جهود الوزارة في ملف دعم المصريين بالخارج    رئيس قطاع الآثار الإسلامية يعلن اكتشافات أثرية بجامع المادراني    رئيس جهاز أكتوبر يوجه بالاستعانة بشركات متخصصة في إدارة وصيانة محطات الشرب    «مصايف الإسكندرية» ترفع الرايات الثلاث على الشواطئ.. احذر البحر في هذه الحالة    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس للعام الدراسى المقبل.. تعرف على الأوراق المطلوبة    خبيرة فلك تبشر مواليد برج الدلو في 2024    صعود مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة الأربعاء    الفرق بين التحلل من العمرة والحج.. الإفتاء تشرح    مواعيد مباريات اليوم.. نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. وكأس مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مئوية جمال عبد الناصر.. عظمة الرجل من عظمة مصر

في أي حديث عن الزعيم الخالد الذكر في مئويته التي يحرص على احيائها العديد من المناضلين في كل اقطار الامة، يجري التوقف عن سر عظمة هذا الرجل الذي يزداد الاحساس بمكانته لدى شعبه وامته مع كل يوم يمر على رحيل هذا القائد الذي شكل غيابه فراغا كبيرا في الامة كما قلنا في 28 سبتمبر 1970.
فمعظمة جمال عبد الناصر لا تنفصل عن عظمة مصر، بل عظمته الحقيقية ان اكتشف حقيقة مصر والامة قبل ان يقودها، بل قادهما لأنه اكتشف حاجاتها الحقيقية على غير صعيد. وهم يجسدون باحتضانهم اعلى درجات الانتماء لامة انجبت جمال عبد النصار، واعلى درجات الوفاء لقائد ما غابت فلسطين لحظة عن هومه واهتماماته.
لقد اكتشف عبد الناصر، وهو محاصر في الفلوجة – غزة في حرب 1948 مع العدو الصهيوني، أن المعركة ليست "هنا" – حيث كان محاصراً – بل "هناك" في القاهرة حيث الاستعمار يتحكم بالبلاد، والفساد يتحكم بالعباد، فكانت الخطوات الأولى في إنشاء تنظيم الضباط الأحرار الذي أطلق ثورة غيّرت وجه مصر، وهزّت وجدان الأمة، واحتلت موقعها في ضمير العالم.
واكتشف عبد الناصر حاجة المصريين إلى استعادة كرامتهم من براثن جيش محتل، ونظام مترهل، وطبقة حاكمة فاسدة ومفسدة، فكان شعار ثورته "أرفع رأسك يا أخي .. فقد ولى عهد الاستعباد" هو الشعار ذاته الذي ردد معظمه ثوار 25 يناير 2011 حين قالوا " أرفع رأسك يا أخي، فأنت مصري".. مؤكدين في ذلك ترابط الثورات في مصر، وهو ترابط أدركه أيضاً جمال عبد الناصر حين اعتبر ثورة يوليو امتداداً لثورات سعد زغلول، ومصطفى كامل، واحمد عرابي، مدركاً أن من يتنكر لماضيه، يرتبك في حاضره، ويفقد مستقبله.
وأن من يساوم في حق من حقوق أمته يوما يبقى أبد الدهر "سقيم الوجدان". واكتشف عبد الناصر، بعفوية وطنية صادقة، أن أمن مصر مرتبط بالأمن القومي العربي، وان الأمن القومي العربي ينطلق من قانون تاريخي هو فكرة التكامل بين مصر وسوريا، فوجد نفسه ورفاقه يندفعون بعد أقل من ست سنوات على ثورتهم ليقيموا أول وحدة عربية مع سوريا في فبراير1958، بل ويهبون لنصرة سوريا بوجه الحشود العسكرية الصهيونية في مايو 1967، وهي نصرة قادت إلى حرب حزيران رغم كل تكاليفها.
واكتشف عبد الناصر كذلك موقع فلسطين في حياة مصر وأمنها القومي وعمقها الاستراتيجي وتجربتها التاريخية والتزامها الروحي والحضاري، فأعتبرها مقياساً في علاقاته، ومعياراً لسلامة مواقفه، محتضنا مقاومتها، مدركاً ان "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، وان "المقاومة وجدت لتبقى ... وستبقى".... واكتشف عبد الناصر أيضاً، وبتجريبية خالصة، أن معركة الخبز في مصر مرتبطة مع معركة الكرامة، وان المعركتين هما وجهان لمعركة الاستقلال والتنمية، فلا استقلال حقيقياً دون تنمية تحصنه، ولا تنمية جادة دون استقلال يصونها من التلاعب والفساد، فكان مشروعه الثوري تعبيراً عن ترابط التنمية بالاستقلال، والعدل بالكفاية، والديمقراطية السياسية بالديمقراطية الاجتماعية... تماماً كما كان مشروعه القومي العربي تعبيراً عن إدراكه أن لا تنمية حقيقية في مصر دون تكامل اقتصادي عربي، وان هذا التكامل يوفر كل عناصر التنمية الحقيقية، فيما غياب التكامل لا يقود الاّ تنمية مشوّهة إلى الدول الفقيرة والغنية على حد سواء.
ولقد كانت معركة ناصر لبناء السد العالي (الذي تحتفل مصر هذه الايام بالعيد 49 لتدشينه)، فتأميم قناة السويس، فمواجهة العدوان الثلاثي عام 1956،هي خير تجسيد لفكرة التلازم بين التنمية والاستقلال، بل لفكرة الارتباط بين التنمية والمقاومة، فالمجتمع غير المحصن بالمقاومة غير قادر على حماية منجزات التنمية.
واكتشف عبد الناصر بحّس تاريخي واستراتيجي، وبوعي حضاري وثقافي، إن مصر تتحرك في دوائر ثلاث، عربية وإسلامية وافريقية، فقاد بلاده لكي تلعب دوراً حاسماً في هذه الدوائر، وهو دور ما زال أحرار الأمة، وأمم الجوار، يذكرونه لمصر وقائدها، بل ويتحسّرون على يوم كانت فيه مصر تُقدم ولا تُحجم، تقود ولا تقاد، فكان فيه للعرب والمسلمين وأحرار العالم وزن وشأن ودور قيادي.
واكشف قائد ثورة يوليو المجيدة حاجة مصر، بل وقدرتها، على أن تسهم في تغيير قواعد الصراع في المنطقة والعالم، وأدرك أن مصر لا تنتظر أن يأتيها التغيير من خارجها، بل انها مؤهلة لتقود التغيير في خارجها من الداخل، فتحوّلت مصر بأقل من ثلاث سنوات من بلد مستغرق بهموم التغيير الداخلي، إلى دولة ترسم، منذ محطة باندونغ عام 1955، خارطة طريق لتغيير دولي حاسم، سقطت من خلاله إمبراطوريات الاستعمار القديم (بريطانيا وفرنسا)، وتبرز من خلاله ملامح عالم جديد شكّلت دول عدم الانحياز فريقاً ثالثاً مهماً فيه... اكتشف قائد ثورة يوليو حاجة مصر لأبنائها، لا سيّما الفقراء والمهمشين وأبناء الطبقات الشعبية والوسطى، فقاد منذ لحظات انتصار الثورة مشروع العدل الاجتماعي حيث لا يموت فقير من العوز، ولا غني من التخمة، معتبراً أن هذا العدل الاجتماعي شرط ضروري للحرية السياسية، ومستشرفاً منذ من ستة وستين عاماً خطورة "المال السياسي" الذي بات اليوم أحد أخطر العوائق في وجه التطور السياسي والاستقلال الوطني.
"فالمال السياسي"، بعناوينه المتعددة، لا يعيد إنتاج الواقع المتردي مرة تلو الأخرى، بل هو يسهم في تصدع منظومة المبادئ الوطنية والقيم الأخلاقية التي قامت عليها مجتمعاتنا، وهو تصدّع يؤدي إلى خلخلة في مرتكزات حياتنا نفسها، فتصبح الخيانة وجهة نظر، والجريمة، بكل أشكالها، قاعدة العلاقات الإنسانية، والتطرف بكل عناوينه لغة التخاطب بين الناس، وينتقل معها فكرة الريع كبديل عن الجهد والإنتاج من عالم الاقتصاد إلى عالم السياسة والاجتماع. واكشف ناصر أيضاً حاجة مصر وقدرة الأمة على مواجهة حاسمة وصارمة مع كل مخططات التدخل الخارجي والمشاريع الاستعمارية، فبدأ مع أحرار العرب والعالم، وبعد عامين فقط على ثورة مصر، معركة إسقاط الأحلاف والمشاريع الاستعمارية والقواعد العسكرية والمعاهدات المذّلة والاحتلال الأجنبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.