ما حدث وقت الاعتداء على كنيسة مارمينا بحلوان لا ولن تشاهده في أي بلد آخر ولن يحدث إلا في مصر، بلد العجائب، بدءًا من الفيديوهات المتعددة التي تناثرت فور وقوع الحادث الإرهابي على مواقع التواصل الاجتماعي ومرورًا بالتحقيقات المصورة للإرهابيين بعد أن تم القاء القبض عليهم. لن تشاهد في أي دولة ولا أي مكان غير مصر إرهابيًا مصابًا يحمل قنبلة في يده بينما يلتف حوله الناس في زحام شديد وبينهم نساء وأطفال، لن تشاهد هذه الشجاعة والجرأة في إصرار الكثير من المصريين على تصوير الإرهابي المسلح أثناء لحظة إطلاقه النار ومنذ ظهوره في الشارع حتى إلقاء القبض عليه، وكل هذا سجله المصريون بهواتفهم المحمولة من نوافذ بيوتهم دون خوف، معظم من صوروا هذه المشاهد من الشباب الذين لم ترهبهم طلقات النار التي يصوبها الإرهابيون على صدور الناس، ولم تمنعهم استغاثات ذويهم بالتراجع خوفًا من أن يراهم الإرهابيون فيقتلونهم. لن يحدث إلا في مصر أن يطلب إمام المسجد من المصلين وقت صلاة الجمعة أن يتركوا الصلاة ويسرعوا لإغاثة اخوانهم المسيحيين في الكنيسة لتعرض الكنيسة لاعتداء إرهابي، فيخرج المصلون من المسجد لإغاثة المصلين في الكنيسة. لن تشاهد إلا في مصر، إرهابيًا يستقل دراجته البخارية وينطلق نحو أم وابنتها وابنة أخيها لقتلهن وأثناء ذهابه لهن بالموتوسيكل يسقط في حفرة فتجري نحوه المرأة المسيحية تسأله «مالك فيك حاجة؟» وهو من صوب النار نحو قلبها لقتلها بينما تفرد ذراعيها لحماية ابنتها وابنة شقيقها فتصاب بطلق ناري في ذراعها وتحث الفتاتين على الهرب، تصرخ الفتاة صرخة مدية «أمي» تتناقل الصرخة الهواتف المحمولة التي ترصد وتصور الحدث لتخرج صرختها للعالم، وحينما تهرب الفتاتان بناء على طلب الأم تدخلان محل سوبر ماركت لتخبئهما فتاة في مثل عمرهما خلف ثلاجة السوبر ماركت وتجازف هي بحياتها فتخرج لتراقب تحركات الإرهابي الذي ظل يبحث عن الفتاتين المسيحيتين اللتين تؤمنهما وتخبئهما فتاة مسلمة تعمل في سوبر ماركت، وحينما تطمئن أن الإرهابي قد أصيب وتم إلقاء القبض عليه، تخبرهما فتذهب الفتاة لوداع أمها التي توصيها بكلمات أخيرة وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة «متخافيش أنا واقفة جنبك وهفضل معاكي، خلي بالك من أختك واسمعي كلام أبوكي» كان جسدها ملقى وغارقًا بالدماء في الوقت الذي تطمئن فيه ابنتها وتحثها على عدم الخوف وتؤكد لها أنها ستظل واقفة بجوارها، ما هذا الموقف الذي يفوق العقل وحدود الوصف؟ أي قوة كانت في عقل الشهيدة «نرمين صادق»؟ّ! أي حنان هذا الذي أنساها ألمها لحظة انسلاخ الروح من جسدها بينما تحن وتعطف وتطمئن ابنتها المرتعشة المذعورة التي تتألم لنزيف أمها؟! نحن أيضًا شعب الجبارين. لن يحدث إلا في مصر، أن يحمل إرهابى سلاحه ويسير في الشارع يطلق النار صوب صدور الناس ويقتل رجل أمن ومواطنين وبينما جثث الشهداء في الشارع تجد من يذهب له ويسأله «انت بتعمل كده ليه حرام عليك»؟!!!! ولن تشاهد إلا في مصر إرهابيًا مسلحًا لا أحد يعلم إذا كان يحمل قنبلة أو يرتدي حزامًا ناسفًا قد ينفجر فى أى لحظة فيه وفيمن حوله غير السلاح الذي يحمله في يده ملطخًا بدماء الأبرياء، بينما ينقض عليه رجل في الثالثة والخمسين من عمره ليلقي القبض عليه دون خوف من فارق السن حيث أن الإرهابي في العشرينيات من عمره، يافع الجسد قوى البدن، صحيح أن الإرهابي في تلك اللحظة كان قد أصابه العقيد أشرف عبد العزيز برصاصة في قدمه، لكنه كان حيًا ومازال يحمل سلاحه، ويرتدي بوضوح حزامًا على صدره وبطنه لا أحد يعلم هل كان واقيًا للرصاص أم حزامًا ناسفًا، لكن المواطن صلاح الموجي لم يعر كل هذا أدنى اهتمام وانقض لتكبيل الإرهابي قبل أن يطلق المزيد من الرصاص على المسيحيين وعلى الكنيسة، وما منح المشهد المزيد من الدهشة هو «مصطفى» ابن عم صلاح الموجي الذي هرع خلف والده نحو الإرهابي ليأخذ سلاحه ويكمل هذا المشهد البطولي العفوي بكل قوة ووطنية وإحساس بالمسئولية وتعبيرًا عن إنسانيتنا ونخوتنا ووحدتنا في أقوى مشهد يمكن أن تراه عينك يتحدث عن تلك الوحدة الوطنية دون أى شعارات أو كلمات، تضحية لحماية أخوتنا الأقباط تعبيرًا عفويًا تلقائيًا يوضح حقيقة ديننا السمح، ومدى عشق الوطن حتى لو دفعوا ثمنها أرواحهم. لن يحدث إلا في مصر أن تترك الدولة كامل المسئولية على عاتق وزارتي الدفاع والداخلية لمواجهة الإرهاب بالسلاح فقط دون أن تتفهم أنها بذلك تعالج عرض ولا تعالج المرض، وأنها حينما تلقي القبض أو تواجه الجماعات الإرهابية فهي تتعامل مع أطراف المشكلة وليس مع جذورها الحقيقية ومنابعها التي تخرج كل يوم لنا المزيد من الإرهابيين وأصحاب الفكر المتطرف والملحدين والخونة الذين لا تهمهم أوطان ولا يعنيهم نزف الدماء ولا هم لهم سوى الأموال التي يجنوها لاستقطاب المزيد من الشباب والأطفال لجماعات الإرهاب والتطرف لتدمير البلاد وقتل العباد. يا سادة، اعترافات الإرهابيين الثلاثة الذين في العشرينيات من العمر، وأحدهم طالب بكلية الصيدلة كان من الممكن أن يكون طبيبًا أو عالمًا إذا لم يلتقطه الإرهابيون ويستقطبونه لجماعاتهم وفكرهم، والإرهابي الآخر عمره الآن عشرون عامًا يقول في اعترافاته إنه انضم للجماعة الإرهابية عام 2013 أي كان عمره آنذاك نحو لم يتعد الخمسة عشر عامًا وفي القانون الدولي والمحلي يعد طفلاً لم تصدر حتى بطاقته الشخصية.. متى تفهم الدولة أن علاج الإرهاب يبدأ بالفكر والثقافة والفن وتعاليم الدين الصحيح، لا المتطرف ولا المسخ، وأن السلاح ليس العلاج الوحيد ولا هو بداية العلاج لكنه آلة الردع الأخيرة حينما تصل الأمور للمواجهة كما يحدث من عمليات إرهابية الآن، لماذا نترك الإرهاب يتفشى في المجتمع باستقطاب المزيد من الشباب والأطفال أليس من الأولى أن نجفف الإرهاب من منابعه؟