قضى القدر أن تجد نفسها بين يوم وليلة تحمل لقب «أرملة» مسئولة عن أولاد ومصروفات ومسئولية تهد الجبل. تحملتها دون أن تشتكى ورصدها التعداد العام لسكان مصر مؤكدًا أن العدد وصل إلى 2.5 مليون امرأة بنسبة 86% ونصف مليون أرمل « رجل « بنسبة 14% . أى أن عدد السيدات الأرامل يساوى خمسة أضعاف الرجال . أى أن الستات هن الأكثرمعاناة بعد أن كشف الاحصاء وجود 10.7% من الإناث فى مصر أرامل، مقابل 2.3% للذكور. النسبة التى تحتاج قراءة فى هذه التقديرات هى أن عدد المتزوجات أقل من 18 سنة وصل إلى 18 مليون فتاة و209 ألف و14 فتاة وأن نسبة 5% منهن أرامل أى أن لدينا أرامل فى سن صغيرة منهن الأطفال ومنهن الشابات الصغيرات اللاتى لم يتجاوزن الثلاثين. حكايات الأرامل كثيرة ويطول معها الحكاوى داخل ساقية الحياة الدوارة التى لا تتوقف أبدا عند وفاة حبيب أو غال بل تكمل دورتها وعلينا جميعا أن نتقبل ما قدرته لنا. من هؤلاء كانت ايمان التى تزوجت هشام بعد قصة حب حكت عنها القرية كلها . كانت هى ما زالت فى الجامعة وهو خريج جديد استلم عمله باحدى البنوك ليعيشا قصتهم الجميلة ويتم الزواج والفرحة مع أول بشارة بحمل ايمان لكن الفرحة ضاعت مع تعب مفاجىء للشاب الذى بدأ جولة على الأطباء كشفت اصابته بسرطان القولون ومع حمل الشابة الصغيرة وتعب زوجها الشاب أيضا عرفوا طريق المستشفيات وخلال عام أنجبوا مصطفى وزادت الالام للشاب هانى الذى تحمل الوجع ونهش السرطان فى جسده من أجل أن يعيش عاما اخر مع ابنه الصغير وما هى الا شهور قليلة وأصبحت إيمان ومصطفى وحدهما بعد وفاة الأب الذى لم يبلغ بعد السابعة والعشرين لتصبح هى الأخرى أم وأرملة وهى فى سن 23 سنة لتبدأ معاناتها مع مستحقات زوجها ومحاولة التعيين فى أى وظيفة حتى استطاعت الأسرة أن تجد للأرملة الشابة وظيفة فى الشئون الاجتماعية لتكمل حياتها فى رعاية ابنها الوحيد وترفض كل عروض الزواج بعد أن فقدت توأم روحها. نفس المأساة عاشتها سهى التى كان يحيى هو كل حياتها منذ سفرهما معا إلى الكويت لأكثر من 15 عاما كان هو ويوسف ابنها كل حياتها . وكانت السعادة التى لا تنقطع عن زوار بيت يحيى الذى كان بامكانه أن يشعر كل من دخل بيته وحياته أنه جزء منه . كان يحيى هو البلسم لكل من عرفوه سواء كانت زوجته أو ابنه الوحيد أو حتى زملائه . لكن جاء هذا العام ببداية حزينة عندما علم الجميع بوفاة يحيى فى حادث سيارة بعد 10 دقائق من خروجه من منزله متوجها إلى عمله «مات يحيي» وعمره 45 عاما وكانت الصدمة فى كل من عرفوه من قريب أو بعيد لتفيق سهى التى لم تتجاوز ال38 عاما من كابوس مزعج فى القاهرة بعد دفن زوجها وتلقيها فيه العزاء لتقرر العودة إلى الكويت مرة أخرى مضطرة لظروف دراسة ابنها وللبحث عن فرصة جديدة للعمل والحياة فى الغربة وحيدة ليس معها سوى «رب كريم» ودعوات الأقربين فالعودة للقاهرة بعد سنوات الغربة الطويلة وبدون معاش أو وظيفة أمر صعب وكذلك البقاء فى الغربة أصعب لكنها اختبارات الحياة التى علينا أن نتحملها برضا «هكذا قالت سهى» وهى تذرف دموعها على حبيب مات وبكى عليه طوب الأرض. من سهى وإيمان إلى هند التى حبسها أهل زوجها فى منزلهم شهورا طويلة بالاتفاق مع أهلها لرفضها الزواج من شقيق زوجها المتوفى. هند كانت تحب زوجها وأنجبت منه ثلاثة أطفال فى سن صغيرة ما بين 3 إلى 5 إلى 7 سنوات وكان فكرة أهل الزوج أن «لحمهم» لابد أن يتم تربيتهم بينهم لتبدأ معركة طويلة خاضتها هند وحدها ضد أهلها وأهل زوجها لأنها كانت تعرف أن شقيق زوجها يحب ابنة عمها واتفقا على الزواج وجاءت وفاة زوجها وقلبت كل الموازين . لتظل هند على هذا الحال شهورا طويلة حتى وجد الجميع أنها لن تستسلم . وبالفعل قررت البقاء فى بيت أهل الزوج لتربية أولادها بشرط ألا تتزوج من أخيه ونجحت فى أن تربى «العيال» الذين قاربوا على التخرج من الجامعة وظلت هى على عهد الوفاء لزوجها. ضيق الحال الستر ولقمة العيش تكون فى كثير من الأحيان أهم ما تطلبة « الأرملة « ومنهم كانت أم على التى مات زوجها « حرقاً « أثناء محاولته اطفاء النار فى المنزل الذى يسكن فيه أنقذ أولاده وكل السكان ليموت مختنقا داخل بدروم المنزل ويترك أربعة أطفال أكبرهم فى الاعدادية لأم جاءت من بلدها بالصعيد وعاشت مع أولادها فى شبرا الخيمة دون أن تخرج من منزلها إلا لشراء الخضار وطلبات أولادها . ولأنه كان «أرزقى» على باب الله كانت دوختها السبع دوخات لتحصل على معاش ضمان اجتماعى لا يتعدى الجنيهات القليلة وحتى الآن ما زالت تحاول الحصول على معاش «تكافل وكرامة» ومع مساعدات أهل الخير والخروج للخدمة فى البيوت «يوم أو يومين» للحصول على أى مبلغ يساعد فى المعيشة التى أصبحت لا تحتمل. وسط الظروف الصعبة تكون حالة الأرملة أصعب خاصة مع صعوبات الحياة الاقتصادية كما تقول أم سمير التى ترك لها زوجها خمسة بنات وميراثا للأسف أخذه أخوته كله ولم يتركوا لها شيئا لتترك بلدتهم على أطراف المحافظة وتنتقل إلى بيت أهلها حيث قرر والدها أن يؤجر لها محلا فى منزله ويعطيها شقة لتربية البنات الصغيرات. لكن اعتراض أخوتها بعد وفاة الأب ولجوءهم للمحاكم جعلها تفكر فى الانتحار يأساً . لتجد الحل فى العمل بدار أيتام تضع فيها بناتها الصغيرات وفى الوقت نفسه تجد ملاذاً أمنا بعد غدر الأهل والأقارب. معاناة الرجل الأرمل وإن كانت فى أغلبها نفسية وليست مادية فهو يجد نفسه فى مشكله اذا توفت زوجته وتركت له أولاد ولم تكن له أم أو أخت تقوم على رعاية الأولاد وربما يكون الأمر أسهل لو كانت الجدة على قيد الحياة وبصحة تساعدها على تربية الأبناء بعد وفاة الأم وهو ما حدث مع مهاب الذى توفيت زوجته بعد إصابتها بالسرطان وتركت له خلود ومحمود لتتكفل الجدة بالتربية ويتكفل هو بالمصاريف بعد أن تزوج من احدى قريباته بعد عام من وفاة زوجته لرعاية الأولاد لكن كان عليه الاختيار بين زوجة وحياة جديدة وبين أطفال كانت جدتهم لأمهم ليس لديها أمل فى الحياة سوى أن يظلوا معها. يوم الأرامل الأرملة خاصة الشابات منهن كانت محور اهتمام الأممالمتحدة باختيار 23 يونيو يوم عالمى للأرملة فى كل أنحاء العالم خاصة فى المجتمعات الفقيرة والعمل على تمكينهن من الحياة الكريمة التى تفتقدها معظمهن سواء بالتعويض عن وظيفة زوجها عند الوفاة أو بحياة كريمة تكون على نفس المستوى الذى كانت تعيشه وتزداد الصعوبة لو كان الزوج يعمل «بيديه» بلا تأمين اجتماعى أو صحى وقتها لن تجد الأرملة سوى خدمة البيوت أو «البهدلة» فى الشوارع أملا فى جنيهات قليلة لتربية «اليتامى». السماحة قرية الأرامل هكذا عرفناها من مواقع أمريكية كتبت عنها ومن برنامج الأغذية والزراعة بالتعاون مع وزارة الزراعة التى أنشأت القرية عام 1998 بتخصيص قريتين قاصرتين على السيدات المطلقات والأرامل فقط، كانت السماحة فى وادى الصعايدة بمحافظة أسوانجنوب مصر» واحدة منها فى محاولة لتطبيق سيناريو فكرة الأمازون، وهى القرية التى عاش فيها محاربو الأساطير اليونانية فكرة القرية اعتمدت على دعم 303 سيدة أرملة باعطاء كل منهن أرض مساحتها 6 أفدنة ومنزل، وماعز وأبقار وجاموس لإطعام أسرهن . حيث تعتمد الحياة فى القرية على الزراعة والتجارة فى فائض منتجاتهم ومزروعاتهم . واذا تزوجت السيدة «الأرملة « يتم سحب الأرض منها. فكرة دعم الأرملة ظهرت أيضا فى شكل منتدى بعنوان “أمهات مصريات عازبات” تضم 120 ألف سيدة من المطلقات والأرامل والمعيلات لأسرهن، ويشارك فيها محامون وأطباء نفسيون لمساندة النساء بشكل عملى واستشارات للبدء بمشروع صغير أو فرصة عمل.