عندما سئل اللواء أبو بكر الجندى رئيس جهاز التعبئة العامة والاحصاء فى أحد البرامج التليفزيونية عن نسبة العنوسة بين الشباب. صمت الرجل برهة وأجاب: «لا يمكن تحديد عددهم ولكن يمكننا أن نعرف عدد من لم يتزوجوا فى كل فئة». رد الجندى الدبلوماسى لم ينف أن تعداد 2017 أشار إلى أن مصر لديها شباب من سن 18 إلى 29 سنة بلغ 21.7 مليون نسمة، 51% منهم ذكور والباقى إناث. وأنهم يمثلون 23.6% من إجمالى السكان. تقرير سابق للجهاز يشير إلى أن مساهمة الشباب فى قوة العمل خلال العام الماضى بلغت 48.5%، وأن نسبة الشباب المشتغلين بعمل دائم إلى 45٪ ذكورا و28.5% إناثا. وأن معدل البطالة بين هذه الفئة العمرية يصل إلى 26.7٪، إذن البطالة وعدم وجود سوق دائم للعمل هى التى جعلت الجهاز يعلن أن لدينا « 13.5 مليون عانس فى تقريره لعام 2016 لمن تخطت أعمارهم 30 عاماً، منهم 2٫5 مليون شاب و11 مليون فتاة. وأن متوسط سن الزواج للإناث وفقاً لبيانات نشرة الزواج والطلاق بلغ 24 عامًا. عوانس شباب وبنات نعم لدينا عوانس من الشباب قبل البنات منهم أحمد الذى تعمل والدته بإحدى الهيئات المرموقة فى الدولة. نجحت فى أن تجمع شقا عمرها هى وزوجها لتبنى منزلا فى أحد المدن الجديدة يجمع الولدين والبنت ثمرة عمرها لكنها فوجئت بأن ابنها يرفض الزواج فهو لديه شقة لكنها بلا «أثاث» ورغم أنه يعمل بإحدى الشركات الخاصة لكن مرتبه لا يتعدى ال2000 جنيه وهو مبلغ بحسابات اليومين دول «بالكاد يكفيه مواصلات». أما منة فلم تحلم فى الدنيا الا بالاستقرار الذى لم تشعر به أبدا بعد طلاق الأب والأم ومعيشتها عند جدها حتى وصلت سن العشرين، وبعدها توفى الجد والجدة لتجد نفسها بين أب لا يعرف عن ابنته شيئا وفقد المسئولية تجاهها. وأم مكسورة الجناح أمام زوجها الذى اشترط عليها منذ عشرين عاما ألا تنجب لأنه متزوج من أخرى وأنه ليس مسئولا عن ابنتها.. خمس سنوات من التشتت شعرت بها منة وجعلتها تفكر فى الانتحار خاصة عندما تقدم لها أحد أقاربها وعلى علم تام بكل ظروفها لتقف الأم رافضة للعريس لأنه قريب لوالدها ويتعهد الأب بغسالة وثلاجة «مستعملين» وعفا عليهما الزمن. لتفشل الزيجة وتظل منة التى بلغت 27 عاما فى حالة عدم الاستقرار والانتقال بين بيوت خالاتها. أما نورا فقد تخرجت فى كليتها وهى من أسرة ميسورة الحال لكنها حتى الآن لم ترغب فى الزواج فمن تقدم إليها ليسوا على نفس المستوى الاجتماعى ولا يمكنهم أن يجعلونها تعيش فى المستوى الذى ترغب فيه كما تقول. وعلى العكس كانت هبة 27 سنة وخريجة كلية مرموقة ولم تعمل بتخصصها. بل عملت مدرسة فى مدرسة خاصة ولديها استعداد لأن تتعاون مع من يتقدم لها شرط أن تشعر معه بالجدية والرغبة فى تحمل المسئولية. ما تقوله هبة ونورا وأحمد يتفق فى شىء واحد هو التطلع لحياة من نوع معين أو عدم وجود الشخص المناسب وهو نفس ما يردده كل من فاته قطار الزواج سواء كان شابا أو فتاة فهذه «ن» تقول عندى 35 سنه تقدم لى الكثيرون وتشدد أهلى فى القبول حتى وصلت لهذا لأعانى من الفراغ العاطفى». أما «م» فتقول وصل سنى إلى 25 عاما وأنا من أسرة محترمة ومشكلتى أننى حتى الآن لم يتقدم لى أحد. أما «ش» فتقول أنا بنت عمرى 37 سنة ما اتخطبتش ولا مرة وما فيش شاب اتقرب منى أبدا أنا حاسة إنى سأكمل حياتى وحيدة.. وبنفس المنطق يقول «ك» انا شاب عندى 33 سنة أعمل منذ تخرجى لكن مرتبى وكل العمل الذى أقوم به يكاد لا يكفيى متطلبات أمى واخوتى فمن سترضى بى وأنا مسئول عن أسرة كاملة. العنوسة أقلقت مجلس الشعب وجعلت لجنة الدفاع والأمن القومى تشير إلى أنها قضية أمن قومى ينبغى التصدى لها فعزوف الشباب والفتيات عن الزواج سواء بإرادتهم أو بسبب الظروف المجتمعية تهدد الأمن القومى لأنها تؤدى إلى انحراف الشباب وانتشار الزواج العرفى وتفاقم معدلات الأمراض النفسية والعصبية والجريمة. وما تقوله الحالات السابقة حقيقى وأكده تقرير سابق لجهاز التعبئة والاحصاء الذى أشار إلى أن الفتيات اللاتى تجاوزن سن ال 33 عاما دون زواج وصل عددهن إلى 11 مليون فتاة، وأن معدل العنوسة يمثل 17% من الفتيات اللاتى فى عمرالزواج، وأن النسبة فى تزايد مستمر ولعل ذلك المؤشر مرجعه تفكير المجتمع نفسه فالفتاة لم تعد تحلم بالفارس الذى يحملها على الحصان وإنما فى الشخص القادر على توفير حياة مرفهة. حلول مطلوبة الحلول يرفضها المجتمع الذى يتمسك بتقاليد بالية منها ضرورة تجهيز شقة متكاملة وإسراف فى الطلبات من جانب الطرفين. بل وصل الأمر فى بعض القرى أن العروسة مطالبة بتجهيز شقتها وشقة حماتها فى مبالغة يرفضها الجميع وتتنافى مع التيسير الذى طالبت به الأديان السماوية كما يراها الدكتور محمد ابو ليلة الاستاذ بجامعة الازهر والذى يرى أنه لا يجب أن نكتفى بدراسة العنوسة كمشكلة اكاديمية أو بحثية، فهى مشكلة دينية واجتماعية خطيرة تهدد بنية المجتمع المسلم فالله سبحانه وتعالى يقول: «يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة». فوقاية النفس ووقاية الاهل واجب شرعى مأمور به من اجل سلامة الفرد والمجتمع معاً، ولا ننسى الأحاديث الشريفة التى تحث على زواج الشباب «من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج». ......... ومبادرات أيضا لا يقبلها المجتمع منها مبادرة « زوجى زوجك « والتى تحث السيدات المتزوجات على اختيار زوجة ثانية لأزواجهن لمواجهة أزمة تأخر سن الزواج لدى الفتيات. المبادرة أطلقتها سيدة تدعى رانيا هاشم بل أصدرت كتابًا بعنوان «التعدد شرع» تمت مناقشته خلال فعاليات معرض الكتاب الدولى يناير 2017. وانتهت الفكرة بين جدال ونقاش واتهامات دون حلول مؤكدة. ............. فى دراساته المتعددة يكشف الدكتور ابراهيم غانم مستشار المركز القومى للبحوث الاجتماعية الكثير من الرؤى التى تؤكد أن العنوسة وارتفاع سن الزواج بين الشباب أمر متوقع بسبب الظروف الاقتصادية أو بسبب عوامل أخرى مثل الانطواء والخوف من المستقبل المظلم وكثرة المشاكل والتعرض لبعض التجارب الفاشلة. لكن أخطر الظواهر كما يراها د. إبراهيم هى ما انتشر الآن بسبب التكنولوجيا وما يسمى «بالزواج الالكترونى عن بعد» وهى ظاهرة خطيرة لابد أن ننتبه إليها جيدا لأنها جعلت الشباب يكتفون بها دون أن يدركوا أن هذا هو أول خطوات تدمير المجتمع.