تحتفل مصر سنوياً فى مثل هذه الأيام من شهر أكتوبر بذكرى انتصارها على العدو الإسرائيلى عام 1973 م فخورة بمن كان لهم الفضل بعد الله سبحانه فى تحقيق ذلك الانتصار. فهم رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر . فيوم كانت قطعة من أرض مصر تدنّسها أقدام العدو احتلها بغدره وبسوء التقدير من جانبنا كانت وستظل عقيدة الجيش حماية الأرض والعرض وعدم التفريط فى ذرة رمل . لذلك كانت الإرادة القوية والقتال هما السبيل لاستردادها، حيث أدرك الرجال أنه ليس بالسلاح وحده تدور المعارك بل بالرجال . إذاً فهو الانسان . وهى اليد التى تمسك السلاح وتعرف كيف توجهه ومتى يكون التصويب بدقة. وبذكر المعارك نتذكّر أن فى يونيو 1967 كبا جواد، وجُرٍحَ أسد . وأقصد بالجواد والأسد جيش مصر العظيم وقائده الذى وثق فى بعض ممن أسند إليهم قيادة الجيش فما كانوا أهلاً للثقة . فهُزم الجيش فى حرب لم يخضْها . لذلك التف الشعب حوله آخذا بيده يجدد معه العهد على مواصلة الصمود والقتال فالشعب يدرك معدن جيشه ورئيسه الجريح ويعرف قدر وطنيته وإخلاصه لبلده . فرفضت الجماهير بالاجماع قرار تنحى «جمال» عن منصبه وطالبته بالبقاء، ومن اللحظة التى قرر فيها التراجع عن قرار التنحى بدأت المعركة الحقيقية من جديد. أبعد «جمال» من كانوا مقصرين فى واجباتهم العسكرية عن مواقعهم بعد محاكمات عادلة وسريعة واستبدلهم بمن عُرٍفوا بالكفاءة والاخلاص وشرع فى إعادة بنا القوات المسلحة بناءً سليما قويا برجاله وسلاحه . وبينما كان بناء القوات على قدم وساق كانت تدور مع العدو ما عُرٍفْت بحرب الاستنزاف التى ظهرت فيها كفاءة الجندى المصرى المذهلة ونتائجها التى كان لها كبير الأثر فى رفع الروح المعنوية والقتالية لدى أفراد الجيش بكامله وأعادت للشعب ثقته فى جيشه وازدياد عزمه على الصمود وتحمل الحياة بكل معاناتها من نقص فى المواد الغذائية وصعوبة الحركة داخل المناطق التى تمركزت فيها بعض القوات . وكان المصريون يرددون مع جيشهم «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» قولا وعملا . وللتاريخ والانصاف، فإن خطة العبور بما فيها هدم الساتر الترابى الذى أقامته اسرائيل كمرحلة من مراحل خط بارليف كانت فكرة خراطيم المياة لأحد الضباط عرضها على الرئيس «عبد الناصر» سنة 1969 مذكّرا إياه : «إحنا عملنا كده يافندم فى السد العالي» فوافقه وأمر بشراء طلمبات المياه فورا من ألمانيا وانجلترا بزعم أنها ستستخدم فى الزراعة . وبناء على متابعة وإشراف «جمال» المستمرة على وضع الجيش وكفاءته القتالية وتوفر السلاح وإطمئنانه لأحوال الجبهة الداخلية ولهفة الشعب على الأخذ بالثأر كان مقررا أن تكون الحرب فى 1971 . ولكن لم يعش الزعيم وفارق الدنيا سنة 1970 عقب نجاحه فى رأب الصدع العربى وإنهاء الخلاف بين الأردن وفصائل المقاومة الفلسطينية، فأكمل نائبه «أنور السادات» الذى تولى رئاسة الجمهورية وبعد ما تأكد من قدرة الجيش على خوض الحرب وبما يتمتع به من دهاء تمكن من خداع إسرائيل فى نيته خوض الحرب فقرر العبور وكان له شرف تحقيق الانتصار واستعادة الأرض.