تصدّر كتاب «الأيديولوجيات السياسية الحديثة» بجزءيه الأول والثانى قائمة الكتب الأكثر مبيعا لشهرى يوليو وأغسطس 2017. الكتاب من تأليف أندرو فينسينت (1950- 2008)، وترجمة الناقد والمترجم خليل كلفت. ويعد الكتاب مرجعا أساسيا وشاملا لأهم الأيديولوجيات السياسية التى شغلت الفكر الإنسانى فى العصر الحديث، بل إنه يحفر عند الجذور التاريخية والمعرفية والفلسفية العميقة لها، هذا إلى جانب تعمق مؤلف الكتاب فى تخصصه الدقيق فقد كان أستاذا للنظرية السياسية بجامعة كارديف ببريطانيا، ومديرًا لمركز الأيديولوجيات السياسية بجامعة شيفلد؛ كما كان مديرًا لرابطة الدراسات السياسية للمجموعات المتخصصة فى الأيديولوجيات السياسية والمثالية البريطانية. والأيديولوجيات التى تناولها الكتاب هى: الليبرالية – المحافظة ( أيديولوجيا المحافظين) – الاشتراكية – اللادولتية /الأناركية – الفاشية – النسوية – الإيكولوجية – القومية/ الأمتية – الأصولية – الأيقونات وهدم الأيقونات، إضافة إلى فصل عن «طبيعة الأيديولوجيا»، ومسرد هام باللغة الإنجليزية للمصطلحات.. ما الأيديولوجيا؟ ووفقًا لفينسينت يرجع مصطلح «أيديولوجيا» إلى الفيلسوف الفرنسى أنطوان ديستوت دى تراسى فى الفترة من 1796 إلى 1798. وانتقلت الكلمة إلى استعمال كارل ماركس فى أربعينيات القرن التاسع عشر وإلى التراث الماركسىّ المُبهَم فى بداية القرن العشرين، ثم تحول النقاش بعد ذلك إلى استعمالات هذا التعبير فى حركة «نهاية الأيديولوجيا» فى خمسينيات القرن العشرين. الليبرالية «وقد جلبت الثورات فى أمريكا، وعلى وجه الخصوص فى فرنسا، أفكارًا كثيرة عن السيادة الشعبية، والحقوق الطبيعية، والقبول والتعاقدية إلى مركز النشاط السياسى الحاد.. وبدا أن مثالية أولئك الذين وضعوا تخطيطات يوتوبية لمجتمعات تعاقدية تقوم على المساواة الفردية، والحقوق والحرية، بدأت تؤتى أكلها». (ص: 65،64) وعن طبيعة الليبرالية فإن فينسينت يؤكد أنها ترتبط بعدة ثيمات رئيسية هى: الفردية، وقيمة الحرية الفردية، والعدل والمساواة، والحقوق والديمقراطية «فالليبراليون كانوا وما زالوا ملتزمين شكليًا بالفردية. وهى النواة الأنطولوجية للفكر الليبرالى وأساس الوجود الأخلاقى، والسياسى، والاقتصادى والثقافى.وينظر إلى الفرد على أنه فى آن واحد أكثر واقعية من المجتمع وسابق عليه». (ص: 79) الاشتراكية وتعود الجذور التاريخية للاشتراكية –حسبما يرى فينسينت– إلى فترة ما بعد الثورة الفرنسية ويعلق جورج ليشتهايم على تسعينيات القرن التاسع عشر قائلًا: «أى تاريخ للاشتراكية يجب أن يبدأ مع الثورة الفرنسية، للسبب البسيط المتمثل فى أن فرنسا كانت مهد «الاشتراكية اليوتوبية» و«الشيوعية اليوتوبية» على السواء...فقد نشأ كل من هذين التيارين من الانقلاب التاريخى العظيم فى 89- 1799». وكانت الثورة هى البوتقة التى نشأت منها الاشتراكية، سواء كلمة «الاشتراكية» ذاتها أو الحركات الاجتماعية التى التزمت بصورة واعية بهذه الأيديولوجيا». وعن الملامح الفكرية الجوهرية للأيديولوجيا الاشتراكية يقول «فينسينت»: إنها «ترث عددًا من التراثات والقيم الفكرية.وقد قبلت بإخلاص ودحضت دور عقلانية التنوير. وامتدحت بصورة مبالغ فيها نمو النظام الصناعى وقاومته فى حنين إلى الكوميونات الرعوية. واحتضنت الحداثة وعارضتها. وقد استخدمت الدولة وهاجمتها... وقد حدد ر. ن. بيركى بعض الثيمات الأساسية للاشتراكية فى أربع قيم: المساواتية، والأخلاقية، والعقلانية، والتحررية.وتوجد هذه القيم بصورة منسجمة وغير منسجمة عند مختلف المفكرين الاشتراكيين». (ص: 200). النسوية وعن الجدال الخاص بجذور الفكر والممارسة النسوية يرى فينسينت أنه ينقسم إلى أربع فئات. تؤكد الأولى أن تاريخ النسوية يرجع إلى فجر الوعى البشرى. وتعود به الثانية إلى أوائل العقد الأول من القرن الخامس عشر. والثالثة ترجعه إلى القرن السادس عشر. والرابعة ترجعه إلى القرن الثامن عشر. ولكن المؤكد -بحسبه- أنه فى العقود الثلاثة من القرن العشرين نمت الحركة النسوية نموًا كبيرًا فى أوربا وأمريكا الشمالية. كما تضخمت الأدبيات بسرعة هائلة ونشأت أعداد من المجلات المتخصصة والصحف النسائية. الأصولية يذهب «فينسينت» – بداية – إلى أن الأصولية. مثل مفاهيم أيديولوجية أخرى يمكن أن تكون لها دلالة عادية (ازدرائية فى كثير من الأحيان) فى مقابل دلالة وصفية (أو أكثر تقنية). وعلى هذا النحو يمكن أن تنطوى الأصولية بصورة ضمنية. على التعصب أوعدم التسامح أو معاداة العقلانية أو الإرهاب أو التطرف، ويمكن أن ينطبق هذا المعنى –وينطبق بالفعل– على كثيرين يمكن وصفهم بأنهم دينيون، غير أنه يمكن أن يمتد تمامًا إلى ما وراء أى دلالة دينية صريحة. ثم يعرض «فينسينت» لتاريخ الأيديولوجيا الأصولية فى الأديان الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام. ففى اليهودية «كانت الجماعتان الأساسيتان المرتبطتان بالأصولية هما جوش إمونيم- الذين كانت لهم أهميتهم رغم أنهم جماعة صغيرة نسبيًا، خاصة فيما يتعلق بسياسات الاستيطان للحكومة الإسرائيلية– والحريديم». وفى المسيحية تميل الكاثوليكية إلى وضع سلطة أكثر مباشرة فى هيراركية الكنيسة ذاتها وليس فى المصادر الكتابية أو المبنية على نصوص. ويميل هذا الواقع، بمفرده،إلى وضعها على مسافة واحدة من الدوافع الأصولية. وأما عن الأصولية الإسلامية «فيشير دارس» الأصولية بروس لورانس إلى أن الكلمة كان قد استخدمها ه.أ.ر. جيب فى كتابه المحمدية الذى عنون فيما بعد «الإسلام». وتتجلى طبيعة الأيديولوجيا الأصولية فى أن «القضية الأساسية التى يلتزم بها كل أصولى، تتعلق بسيادة ما هو روحى أو الإله على كل الأمور البشرية. وفى التحليل الأخير، يقود الزعم المفاهيمى الجوهرى الذى يتعلق بالإله والروحى إلى مفهوم قوىّ للثيوقراطية. وهذه الدعوى مقلقة للعقلية الأيديولوجية المعاصرة.ومن المحتمل أن تتجاوز هذه الدعوى الثيوقراطية تمامًا أىّ حس مهذب بالتسامح يمكن عزوه إلى الدين كجزء من مجتمع تعددى ليبرالى». (ص: 279)