يسألني البعض من وقت الى اخر .. فين مذكراتك اللي كتبتيها عن دكتور اسامة الباز؟ .. و غالبا ما تكون إجابتي مختصرة و مقتضبة لان الشرح فى هذا الامر يطول ! و لكن ربما يكون قد ان الاوان لان اجيب على تلك الأسئلة احتراما للسائلين و المهتمين و المحبين لهذا الرجل العظيم الذي شهد له الجميع بانه كان وطنيا و شريفا من الطراز الرفيع .. فعقب رحيل دكتور اسامة الباز منذ اربع سنوات وجهت تساؤلات كثيرة لي حول ما اذا كان قد كتب مذكراته او شهادته على التاريخ و لكنني أجبت بالحقيقة و هي انه كان بصدد ذلك غير انه قرر ان يكتب خبراته لا مذكراته ليتركها للاجيال اللاحقة من شباب الديبلوماسيين لتستفيد منها تحسبًا منه لاعتبارات كثيرة و ربما كان على رأسها انه ليس كل ما يعرف يقال و خاصة اذا ما كان يمس الأمن القومي للبلاد او يمس أشخاص سواء رحلوا عن دنيانا او ما زالوا على قيد الحياة .. فقدمت الى بعدها العديد من العروض كى اكتب و أوثق شهادتي او مشاهداتي على السنوات الاخيرة التي رافقت فيها هذا الرجل العظيم معززة بوقائع و حقائق حول احداث و شخصيات عامة في فترة كانت فارقة جدا و هي ما بعد ثورتي يناير و يونيو مباشرة ، و بالفعل تعاقدت مع احدى دور النشر المعروفة و بدأنا في العمل على التدوين و الكتابة بل انتهينا منه و لم تتبقى سوى اللمسات النهائية ، غير أننى لم يفارقني طوال هذا العمل و الذي استغرق عاما كاملا تساؤل هام حول رغبة الراحل لو كان بيننا في خروج هذا الكتاب الي النور مما دفعني لالقاء نظرة شاملة على المضمون الذي كان رغم حرصي الشديدعلى عدم التجريح فيه في احد الا انه اثار شكوكي كثيرا و خاصة ان بعض الشخصيات كانت قد تركت الساحة بالفعل في أعقاب تغيرات نظام الحكم في يناير 2011 ، اضافة الي ان بعض الحقائق السياسة قد تكون صادمة او تحدث أزمات قد تضر بالمصلحة العامة و من ثم راجعت نفسي احتراما لكل هذه الاعتبارات دون النظر الي اى مصلحة شخصية متخذة في ذلك دكتور اسامة الباز رحمه الله قدوة لي فعلى الرغم من غزارة ما اعلم و ما املك من وثائق غير انني راجعت نفسي انطلاقا من ضرورة احترام المسؤلية الوطنية و الانسانية و خشية ان تكون احدي معلوماتى ليست بالدقة التى أتصورها فأصبح على ما كتبت من النادمين ! فاتخذت قراري و ادركت المسؤلية و ارتضيت بقراري تماما بتجميد تلك المذكرات و الي اجل غير مسمى ! و هنا اتسأل الان بل اطرح قضية هامة للنقاش حول الشخصيات التي تتصدى لكتابة التاريخ و ما هو ضمان نزاهة و سلامة تلك الشخصيات نفسيا و ذهنيا و مدى شعورها بالمسؤلية سواء وطنيا او اخلاقيا و خاصة اذا ما كان احدهم يحظى ببعض المصداقية التي تؤهله للكتابة غير انه لا مانع لديه من تحريف الحقائق استنادا لثقة بعض مريديه وفقا لأهواء او لصفقات شخصية ،، انه حقا لامر محزن ان يكتب و يدون التاريخ على هذا النحو مما قد يترتب عليه لي الحقائق و من ثم فإن هذا الامر يتطلب من الجماهير وعيا اكثر لتميز الغث من الثمين و من يحمل أجنده في جيبه الصغير ممن يحمل أجنده اخرى وطنيه شفافة لا تشوبها شائبة و لذا فالكره الان قد اصبحت في ملعب الجماهير لا في ملعب كل من ينصبون أنفسهم كشهود زور بلا أدنى شعور بالمسؤلية .. و لذا تحضرنى الان هنا الايه الكريمة في كتابه تعالى بِسْم الله الرحمن الرحيم : « يا أيها الذين آمنوا ان جائكم فاسق بنبأ فتبينوا « صدق الله العظيم