تحلّ بعد أيام قلائل ذكرى وفاة زعيم الأمة العربية وقائدها البطل «جمال عبد الناصر» وكأن اقتراب ذكرى الميلاد أو الوفاة موسم للتطاول على العظماء، ومحاولة النيل من مكانتهم في قلوب محبيهم.. وقد يأتي التطاول والافتراء من أشخاص لا تاريخ يشفع لهم إن طمعوا في كسب منصب أو اعتلاء كرسي فيأتون بفرية لا دليل عليها ولا مؤشر لها سوى ما يحملونه في صدورهم من حقد وكراهية. كما يأتي التطاول والتجني في صورة عمل درامي وإن نال إعجابا لحبكته أو لجودة الحوار إلا أنه من الناحية التاريخية ومصداقية الأحداث ينقصه الكثير ومغاير في بعضها بل في أدق المواقف وأهمها. فطبقا للبيان الذي أذاعه مجلس قيادة الثورة في حينه أنه لم يكن هدف الثورة التي حمل لواءها الجيش في 23 يوليو 1952 أن يصل فرد أو أفراد إلى حكم أو سلطان، وما قامت إلا لتمكين المثل العليا في البلاد بعد أن افتقدتها في عهود الفساد والانحلال . وقد قرر مجلس قيادة الثورة أن يقدموا للشعب قائداً للثورة من غير الأعضاء وكلهم من الشبان فاختاروا اللواء أركان حرب «محمد نجيب» لما يتمتع به من سمعة حسنة. وقد أخطروه بذلك قبل قيام الثورة بشهرين اثنين ووافق على ذلك. ومما يذكره الحاقدون والموتورون أن «عبد الناصر» ارتكب جُرْماً كبيرا بعزله اللواء «نجيب». بينما يذكر التاريخ والواقع أن «نجيب» قدّم استقالته من مجلس قيادة الثورة بعد أن اتسعت فجوة الخلافات بينه وبين أعضاء المجلس لعدة أسباب منها: أنه طلب أن تكون له سلطة حق الأعتراض على أي قرار يوافق عليه أغلبية الأعضاء.. كما طلب أن يباشر سلطة تعيين الوزراء وعزلهم. وكذا سلطة الموافقة على ترقية وعزل الضباط وحتى تنقلاتهم. أي أنه طالب إجمالا بسلطة فرد مطلقة. ولقد حاول أعضاء المجلس بكافة الطرق الممكنة طوال عشرة شهور إقناعه بالرجوع عن طلباته التي تعود بالبلاد إلى حكم الفرد المطلق؛ لكن ومع إصراره تم قبول استقالته باجماع الأعضاء .. وبعد أحداث الشغَب والتخريب التي دبرتها جماعة الاخوان المسلمين والتي كان قد صدر قرار بحلّها في 14 يناير 1954 وتداركا للموقف وخطورته وتجاوزاً للخلافات تم قبول عودة اللواء «محمد نجيب» إلى رئاسة الجمهورية في بيان صدر في فبراير 1954 .. وفي 17 أبريل 1954 تولّى «جمال عبد الناصر» رئاسة مجلس الوزراء واقتصر دور « نجيب « على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت محاولة إغتيال «جمال» على يد الأخوان وهو يخطب في الاسكندرية في 26 أكتوبر 1954 وثبت من التحقيقات مع الاخوان أن «نجيب» كان على علم بمحاولة الاغتيال من خلال اتصاله بهم وأنه كان معتزماً تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم ،هنا قرر مجلس قيادة الثورة إعفاء اللواء «نجيب» من جميع مناصبه . ودعونا نذكر بعض عبارات الزعيم عند محاولة اغتياله : «أيها المواطنون أحتفل معكم اليوم بعيد الجلاء . بعيد الحرية . بعيد العزة والكرامة ..» هنا دوّت 8 رصاصات لم تصبه ولكنها أثارت الذعر فحاول حراسه ابعاده عن المنصة وهو يصرخ في الجماهير: «أيها الرجال فليبق كلُ في مكانه .. فليبق كلُ في مكانه . حياتي فداء لكم .. دمي فداء لمصر». نعم يا جمال وعدت فصدقت، عشت ومت من أجل مصر.