لم يكن التقرير الذى أصدرته منظمة «هيومان رايتس ووتش» مفاجئًا، سواء فيما تضمنه من اتهامات كاذبة موجهة ضد الرئيس السيسى أو تقديم معلومات مغلوطة تتنافى مع حقائق الوقائع داخل السجون المصرية. لقد ادعى التقرير الصادر مؤخرًا أن ضباط وعناصر الأمن الوطنى يعذبون المعتقلين السياسيين بشكل روتينى وبأساليب تشمل الضرب والصعق بالكهرباء وأحيانًا الاغتصاب، ولم تقدم المنظمة المشبوهة ما يثبت ادعاءاتها، وإنما راحت تتحدث عن مقابلتها ل19 شخصًا، قالت إنهم جميعًا تعرضوا لتعذيب ممنهج. صحيح أن التقرير لم يتضمن تفصيلات تذكر، أو حقائق يمكن الرجوع إليها، وإنما كان الهدف هو تهيئة الأجواء لحملة إعلامية واسعة، واتهامات طالت الرئيس عبدالفتاح السيسى، لأسباب وأجندات سياسية. إن من يتابع التقارير الصادرة عن هذه المنظمة خلال الفترة الماضية يتوقف أمام عدد من الملاحظات المهمة: - أن هذه المنظمة تتعمد تشويه الحقائق فى تقاريرها المختلفة تجاه مصر فى كافة الأزمنة والعصور، ويمكن هنا التوقف أمام حدثين مهمين: • الأول: التقرير الصادر فى أغسطس عام 2014 حول فض الاعتصام المسلح فى رابعة العدوية؛ حيث أصدرت المنظمة تقريرًا تجاهل جميع التقارير الصادرة عن المجلس القومى لحقوق الإنسان والمراكز الحقوقية المصرية وراح يحمل الحكومة المصرية ومؤسسات الدولة المختلفة المسئولية الأساس، مما دفع كافة الجهات المعنية إلى الرد على هذا التقرير وتفنيد الادعاءات الكاذبة التى روجها بهدف الإساءة إلى سمعة مصر فى الخارج. • الثانى: بعد تصاعد عمليات الإرهاب المسلح التى تبنتها جماعة الإخوان، طالبت مصر والعديد من الجهات الدولية بضرورة حظر نشاط الإخوان فى الخارج وتحديدًا فى الولاياتالمتحدة، فراحت المنظمة تصدر تصريحًا منسوبًا للمسئولة الحقوقية فيها تحذر فيه الإدارة الأمريكية بالقول: «إذا أدرجت الحكومة الأمريكية الجماعة كمنظمة إرهابية سيتعرض أعضاؤها أو أى شخص أو جهة يشتبه فى تقديمهم الدعم لها فى الولاياتالمتحدة أو خارجها لخطر الإبعاد من الولاياتالمتحدة، وسيكون هؤلاء عرضة للاستهداف والملاحقة خارج الولاياتالمتحدة». - إن المنظمة تتعامل بمعايير مزدوجة ليس فقط تجاه الأحداث والتقارير التى تصدرها عن مصر، ولكن فى كافة التقارير الأخرى التى تتجاهل فيها حقائق معروفة، ووقائع لا تخفى على أحد فى مناطق كثيرة من أنحاء العالم، مما يدل على عدم حياديتها واستقلاليتها وهى سُنة متبعة منذ تأسيس المنظمة فى عام 1978 فى نيويورك. - إن المنظمة تتعمد فى تقاريرها الصادرة عن مصر والتى تتناول تحديدًا الأحداث التى تشهدها البلاد منذ ثورة 30 يونيو، السعى المستمر لتشويه سمعة مصر، وتعمد الإساءة إلى مؤسسات الدولة المصرية، محرضة الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولى بضرورة اتخاذ إجراءات معادية ضد الدولة المصرية، فى حين تلتزم الصمت تجاه أحداث العنف والإرهاب التى تقوم بها جماعة الإخوان وتنظيماتها المختلفة ضد الدولة المصرية والمواطنين الأبرياء الذين راحوا ضحايا هذا الإرهاب المنظم. - إن هذه المنظمة مثلها مثل منظمات أخرى عديدة هى ليست سوى أذرع لأجهزة الاستخبارات الدولية، تقوم هذه الأجهزة بتمويلها، ورعايتها، وفتح المكاتب لها فى شتى أنحاء العالم، والدليل فى ذلك أن حجم أصول هذه المنظمة وصل إلى حوالى 229.5 مليون دولار، وأن أنشطتها السنوية لا تقل عن 70 مليون دولار، وهو ما أكده د. صلاح سلام عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، والذى قال: «إن هناك شبهة علاقة بين هذه المنظمة والمخابرات الأمريكية مدللًا على ذلك بحجم الأصول التى تمتلكها المنظمة ومواعيد إصدارها للتقارير التى تخص الشرق الأوسط». صحيح أن هناك انتقادات واسعة لهذا التقرير، وغيره من التقارير الصادرة هذه الأيام، إلا أن الملاحظة التى يتوجب التوقف عندها، هى توجيه الاتهام المباشر للرئيس عبدالفتاح السيسى بأنه أعطى الضوء الأخضر للتعذيب الممنهج ضد المعارضة. - إن هذه الادعاء الكاذب، لا يهدف إلى توجيه الانتقاد للرئيس فقط، وإنما تبقى القضية أبعد من ذلك بكثير، وإذا دققنا النظر فى معنى القرار الذى اتخذه الكونجرس الأمريكى مؤخرًا بتخفيض حجم المعونة العسكرية والاقتصادية المقدمة لمصر، هنا سنتعرف على الصورة الصحيحة للمخطط الذى يستهدف إضعاف الدولة المصرية وتراجع الدور المصرى عربيًا وإقليميًا ودوليًا، والكف عن سياسة تسليح الجيش المصرى وتنويع مصادر السلاح. إن الاتهامات التى تطال رئيس الجمهورية وتصاعدها سياسيًا وإعلاميًا هذه الأيام، تأتى قبل شهور قليلة من بدء الانتخابات الرئاسية فى شهر مايو المقبل، وهى اتهامات هدفها الضغط على الرئيس السيسى لإبعاده عن الترشح، باعتباره أصبح «رأس الحربة» ضد المخطط -الأمريكى -الصهيونى -القطرى -التركى- لتفتيت المنطقة وإذكاء الصراعات ونشر الفوضى على أرضها. لقد رد المستشار أحمد أبو زيد المتحدث باسم الخارجية المصرية على بيان هذه المنظمة المشبوهة، وكان الرد يحمل إشارة ودلالة على المخطط وأبعاده عندما قال: «إن هذه المنظمة معروف أجندتها السياسية وتوجهاتها المنحازة، وقال إنها تعبر عن مصالح الجهات والدول التى تمولها»!! إنها إشارة لا تخفى على أحد، فهذه المنظمة تعبر عن مصالح جهات ودول، وهذه الجهات والدول لها أجندتها ولها مصالحها فى المنطقة، وهذه المصالح قطعًا تتعارض مع التوجهات الوطنية والقومية للدولة المصرية فى هذه الفترة المهمة من التاريخ. إن الذين يظنون أن حربهم الضروس التى تشتعل هذه الأيام ضد الرئيس السيسى، وقد تدفع إلى انهيار الصف الوطنى وإحداث الانقسام فى جسده المتماسك، واهمون، لأنهم لا يعرفون طبيعة الشخصية المصرية، ولم يفهموا جيدًا أحداث التاريخ المصرى القديم والمعاصر، ذلك أن هذا الشعب يلتف حول قيادته فى الأزمات، ويتناسى حتى آلامه وأزماته ومشاكله، ويقف فى ذات الخندق مدافعًا عن الدولة ورموزها فى مواجهة التحديات الخارجية أيًا كان مصدرها. وبالقطع، فإن الأحداث القادمة سوف تكون أشد ضراوة، وستزداد ضراوتها مع قرب الانتخابات الرئاسية التى يتم التحضير لإفشالها منذ عدة سنوات، ولكن ينسى كل هؤلاء أن اللاعب الرئيس الوحيد والذى يتصدر المشهد فى الوقت الراهن، هو «الشعب المصرى» الذى عرف حقائق المخطط وتصدى لحروب الجيل الرابع، ولم تعد تنطلى عليه الأكاذيب.. والأيام بيننا!!